السيمر / الأربعاء 04 . 05 . 2016
ناصر الثعالبي
العبور الى لبنان
لم انم في مقر الجبهة الديمقراطية الا قليلا، كنت حارسا لظنوني التي تريد الهروب من مخيلتي ،الصباح جاء ثقيلا محملا بالغيوم والبرق. كان رذاذ المطر يمر باردا عبر الشباك المطل على الشارع العام. دخل المسؤول الفلسطيني مسرعا كأنه يبحث عن شئ مزعج! نهضت للتو من جانب الشباك حين فاجأني (يعطيك العافيه ماعدنه شي وياك راح تترحل للبنان) كانت البرقيات الحربيه التي نشرتها طريق الشعب عن يوميات مقاتلي (تل ازعتر) في الحرب الاهلية اللبنانية تثير بي الحمية. تذكرت ضابط القوات الخاصه وهو يشرح القتال بطريقة غريبه (القتال هو القتال)حين جلست لاخذ الدرس الاول في المتفجرات ، كانت حكمة المتفجرات تقول (الخطأ الاول الخطأ الاخير) دائما يرددها الملازم…الا انه للاسف الشديد راح ضحية الخطأ الاول حين وضع (فيلمينات الزئبق) في ماسورة صدئة فوق (كاربونات او نترات البوتاسيوم) لا اتذكر، وعندما اراد اغلاقها تسربت الحرارة نتيجة لدوران الغطاء الصعب فاشعلت الفلمينات التي تحفظ في درجة حرارة 3 مئوي وكان انفجارا هائلا. قطع هذا المعلم المناضل الى اجزاء ، يا لي من رجل موزعا بين الاشياء!
في نقطة العبور الى لبنان كان جواز سفري هوية مقاتل . سائق السيارة التي تقلني (ج د) يتحدث مع حارس الحدود عن اناس من مختلف الجنسيات. ولا ادري لماذا ابدى اعجابه بالعراقيين واليمنيين من المقاتلين؟ شاركه حارس الحدود بطريقة غير مباليه (ايوه دول ناس) ثم اشار للسائق ان يعبر. يعطيكم العافيه، قال السائق.
وصلنا اشتوره ثم استقبلنا الفاكهاني ببرودة قدم غريب لا يعرف الطريق. في مكتب الجبهة الديمقراطيه في الفاكهاني وفي جوانبه كل شئ عسكري ،استلمت استمارة مليئه بالاسئله حول كل شئ عني. انهمكت في الكتابه جاء من خلفي صوت (جابوك يالعاصي امجتف) فوجئت بالشاعر الفقيد (ابو سرحان) يعانقني بحرارة مثلما كنا صبية حين نذهب لسرقة الرطب من نخيل (بيت احطيحط الحساويه) قادني الى الغرفة التي خصصت لاستقبال القادمين في عمارة يصعب التعرف على مطباتها. كانت المفاجأة الكبرى هي ان الغرفه يسكن بها كادر فلاحي صديق قديم , مناضل عنيد المراس. كان ابوعليوي من فتح الباب ، لم يصدق عانقني ملتفتا الى ابي سرحان (وين لكيته) ؟
اخذنا الحديث وكعادة ابو عليوي في الكرم كانت المائدة عامرة مثل قلب المرحوم طيب الذكر.
لم يدم مقامي في الفاكهاني مدة طويله حيث اخذتني السيارة مجتازة منطقة الفاكهاني ثم جسر الكولات باتجاه الشمال ، للبحر فم كبير كحوت مفترس ابتلع قرص الشمس بتكاسل الغروب. ولاول مرة ارى فيها الشمس هذه القوة الجباره تغرق في الافق اللا متناهي مستسلمة للبحر.
اشجار الارز والكمائن الطيارة اشكال زرعتها مخيلة هاربة من ذكرى التاريخ البعيد.
وصلنا معسكر الناعمه ، اوقفت سيارتنا حراسة البوابة الاماميه (وين الاخوان رايحين) اجاب السائق رفيق جديد!
استيقظ شرودي ، اذن انا رفيق جديد !دخلنا المعسكر لم يكن فيه سوى ثلاثة فلسطينين،اما العدد الكبير من الخيم والبراكيات، يسكنها الشيوعيون العراقيون. استقبلني الرفيق المسؤول ، بقيت في خيمته ثلاثة ايام ثم انتقلت الى الخيمة الخلفيه . فوجئت بمسؤول المعسكر الفلسطيني يطلب اللقاء بالرفيق الجديد. تقدمت عبر ممر صخري الى غرفة القياده مجتازا مشجب السلاح. طاردتني عيون رجل فلسطيني كهل حرقت قنابل النابالم نصفه الايسر فاصبح شاردة للرعب والعدوان. في الطريق رأيت رجلا راكضا ناشرا ذراعيه لاستقبال قادم عزيز .التفت خلفي فلم اجد سواي! صاح الرجل (ابو علي تعال هون) كان اسمي في معسكر القوات الخاصه ابوعلي. غيروه في معسكر الناعمه لازدحام مثل هذا الاسم. يا للهول انه النقيب… مدربنا وقائد المعسكر السابق. احتظنني قائلا (شو يارفيق رجعت الله ما سهل ؟) استغرب الرفيق المرافق لي هذه الميانه، تعمد النقيب ان يبدد حيرة الرفيق قائلا (الرفيق ابو علي من المقاتلين الجيدين) دهش الرفيق حين دخلت لاستلام سلاحي ، بسرعة فككته وتفقدت اجزاءه، قائلا الرفيق ضابط قلت مقاتل .في ليلة حالكة السواد ممطرة عاصفه وفي منتصفها تعالت اصوات بندقية رشاشه باتجاه قرية (عين درفين) وهي قرية هجرها رجالها المسيحيون عند اندلاع الحرب الاهلية اللبنانيه، انتشر الرفاق للقتال وزع سر الليل على الرفاق . تسلقت الجبل مع بعض الرفاق باتجاه (عين درفين) بان شبح اسود طويل القامه صرخت به من هناك ؟ قال بلهجة فلسطينيه صافيه رفيق من فتح شو يا عرقيين ما لكم ؟ قلت تقدم ، تقدم الرجل وباتت اسنانه لامعة بين شفتيه السوداوين ضاحكا ما في عدو الرفاق قاطعين جميع الطرق! امر آمر المعسكر الجميع بالهدوء والنوم . في الصباح الباكر تسلقنا المرتفع ثانية لنجد معطفا ثقبته عدة رصاصات، معلقا على شجرة البرتقال. اتضح بعد التحقيق ان الحرس رأى شبحا متحركا فنادى على مسؤول الخيمه – وعادة يكون آمر حضيرة – هناك تسلل قال الحرس اجابه الرفيق الآمر رأيته ؟ نعم انه هناك قال الآمر نار فانطلقت الكلاشنكوف لتردي المعطف قتيلا! حين حضر الراعي صاحب المعطف قال الله لا يعطيكم العافيه! علق احد الخبثاء الرفيق حقق الهدف اصاباته محكمه ؟
فنراي