الرئيسية / مقالات / لموقع (كتابات في الميزان) الاليكتروني : {إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}! / 12

لموقع (كتابات في الميزان) الاليكتروني : {إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}! / 12

السيمر / الجمعة 06 . 05 . 2016

نـــــــــزار حيدر

ثالثاً؛ انّ حجم هذه الأساليب المنحرفة في ايّ مجتمعٍ تعتمد على وعيهِ، فالمجتمع الجاهل الذي لا يميّز بين النّاقة والجمل، تنتشر فيه مثل هذه الأساليب، والعكس هو الصّحيح، فالمجتمع الواعي المتعلّم لا يتأثّر بمثل هذه الأساليب الرّخيصة ابداً والتي تعتمد التّسقيط بالشائعات التّافهة.
كما انّ المجتمع الذي يقدِّر تضحيات العلماء الربانييّن والمصلحين الحقيقيّين ودور المثقّفين والمفكّرين المتنوّرين لا يتأثّر بالدّعايات والاشاعات وبأساليب التّشهير والتّسقيط، واغتيال الشّخصيّة، اما المجتمع الأعمى الظّلامي الذي لا يقدّر شيئاً ولا يثمّن التّضحية ولا يحفظ مكانةً لاحدٍ وعندهُ المحسن والمسيء، النّجاح والفاشل، الخبير والامّي، العالِمِ والجاهل، سواء في التّقييم، فبالتأكيد تنتشر فيه الأساليب الملتوية بشكلٍ كبير.
انّ المستوى التّعليمي والوعي في المجتمع هو الذي يتحكّم بحجم ومدى تأثير الشّائعات فيه وعليه، فالتّناسب بينهم عكسيٌّ.
كما انّ مدى مصداقيّة المرء المتصدّي لأيِّ شانٍ من الشؤون العامّة تتحكّم كذلك في مدى تاثير أساليب التّسقيط، فليس المصلح كالمتشبّه، وليس الصّادق كالكاذب، وليس النّاجح كالفاشل وليس النّزيه كالفاسد، ولذلك تسري الشّائعة على النّوع الثاني سريان النّار في الهشيم، على العكس من النّوع الاوّل الذي لا يتاثر كثيراً بالشّائعات عندما خبرَ المجتمع معدنهُ وعرِف حقيقتهُ وجوهرهُ.
كذلك فانّ للإعلام دورٌ في التحكّم بسياسات التّسقيط، فكلّما كان الاعلام مهنياً وشفّافاً وواقعياً ينقل الرسالة الإعلاميّة بمصداقيّة عاليةٍ، كلّما انحسر تأثير سياسات وأدوات التّسقيط، والعكس هو الصّحيح، فاذا فقدَ الاعلامُ مصداقيتهُ فسيلجأ الرّأي العام الى خفافيش اللّيل وعصابات الإنترنيت ومافيا التّضليل ليس بالضّرورة لإيمانهِ بكلّ ذلك وانّما نكايةً بالاعلام الفاشل.
لا أُريد هنا ان أَحكم على مجتمعنا من خلال تقييم كل هذه الاسباب وقراءة النّسب والنّتائج، ولكنّني اتمنّى ان ينتبهَ المواطن بنفسهِ الى ذلك فيُعيد حساباته إِزاء كلّ سببٍ من الاسباب كلّما زادت نسبة تأثير الدّعايات والشّائعات وسياسات التّسقيط في المجتمع، فقد نصل في يومٍ من الأيام الى بناءِ مجتمعٍ خالٍ من الشّائعة المؤثّرة والدّعاية القاتلة والتّسقيط والتشهير المدمّر، ومحصّن من كلّ هذه الأمراض.
رابعاً؛ اذا دقّقنا في طبيعة الأفراد والجهات التي توظّف سياسات التّسقيط في صراعاتها السّياسية او في معارك النّفوذ والإرادات فسنكتشف انّ القاسم المشترك بينهم جميعاً هو الفساد والفشل الذي حصرهم في الزّاوية متّهمون أمام الرّاي العام في وضعٍ لا يُحسدون عليه، ولانّهم لا يمتلكون المنطق والاسلوب الحضاري للردّ والدّفاع والحوار والنّقاش لذلك تراهم يُمارسون سياسات التّسقيط لتبرئة أنفسهم، او على الأقل لإشغال الرّاي العام عنهم والهائهِ بعيداً عن الحقائق وصُلب الموضوع.
انّ خيوط كل هذه السّياسات تنتهي الى الفاسدين والفاشلين سواء بشكلٍ مباشرٍ من خلال الفعل والتّنفيذ، او بشكلٍ غير مباشر من خلال التّحريض وتشجيع الاخرين وإنفاق الأموال الطّائلة عليهم لتنفيذ أجنداتهم، الاموال التي سرقوها طوال (١٣) عامٍ من ميزانيّة الدّولة ومن العقود الفاسدة والمشاريع الوهميّة، كما نلاحظ ذلك اليوم بشكلٍ واضح لعددٍ من الجهات الفاسدة والفاشلة التي فضحتها المرجعية الدّينية وكشفها الرّاي العام فراحت تُدير عن بُعدٍ عصابات خاصة منتشرة في الشبكة العنكبوتية مهمّتها تنحصر في إختلاق الشّائعات وفبركة الاكاذيب والافتراءات ضد كلّ من يتصدّى لها لفضحِها وتعريةِ مواقفِها المخزية ودورها الحقيقي في تدمير البلاد وإسقاط هيبة الدّولة عندما تمدّدت فقاعة الارهابيّين لتحتلّ نصف العراق بسبب فسادهِم وفشلهِم.
انت الهٌ او مَلاكٌ مقدّس، وانت لا تتعرّض للتشهير والتّسقيط لازلتَ تُداري الفاشل وتسير الى جنب الفاسد، وتسكت عن الحقائق وتُغمض عينيكَ عن (عَبَدَ الطّاغوت) وتصفّق أحياناً لإنجازاتهِم ونجاحاتهِم الوهميّة اذا اقتضت (المصلحة القومية او الوطنية) (نصرةً للمذهبِ)! ولكن؛ إحذر ثمّ إِحذر ان تدوسَ على ذيل (عِجْلٍ سمينٍ) فستواجه أشرس حملة تسقيط قد تصل الى التّهمة والطّعن بالعِرض والشّرف والانتماء والولاء وكلّ شيء، فما بالك اذا دست على رأسِ (عِجْلٍ حَنيذٍ)؟!.
نعودُ الآن لنجيبَ على منطوق السّؤال؛
١/ ليس من منهج المرجعية الدّينية الردّ على كلّ شائعة او دعاية، او توضيح الاكاذيب والتقوّلات التي يلصقها بها المغرِضون، الا اللهمّ اذا سرت شائعةٌ ما في المجتمع بحيث بدأت تترك أثراً سلبياً او تحدثُ هرجاً ومرجاً، فعند ذلك تبادر المرجعيّة الى توضيح الحقيقة وبكلّ قوَّةٍ وصلابةٍ، كما هو الحال مثلاً يوم أمس عندما صدر عن مصدرٍ مسؤول في مكتب المرجع الاعلى توضيحٌ رسميّ ردّ فيه على شائِعات وتقوّلات انتشرت مؤخراً وتركت أثراً سلبيّاً ربما لو تُرك وشانهُ قد يسببُ مفسدةً (سياسيةً) في المجتمع، في وقتٍ ليس من مصلحة أحدٍ ابداً ان يحصل مثل ذلك.
ليس بإمكان أحدٍ ابداً ان يحدّد للمرجعيَّة الدينيّة وقت الكلامِ ووقت السّكوت؟ وليس بإمكان أحدٍ ابداً ان يجرّها الى صراعاتٍ جانبيّةٍ، فهي اكثرُ حكمةً ممّا يتصوّر المُغفّلون.
واذا تتبّعنا سيرة المرجعية الدّينية خلال الفترة القصيرة المنصرمة، وتحديداً منذ التّغيير ولحدّ الان، فسنلحظ انّها لم تعمد الى الردّ والتّوضيح الا في حالاتٍ نادرةٍ وعند الضّرورة القُصوى، عندما ترى انّ هناك من يتمادى في غيّهِ ويعمد مراراً وتكراراً الى استنساخ الشّائعة والاكاذيب والأقاويل المرّة تلو الاخرى، عندما يتصوّر انّ سكوت المرجعية يعني قبولها بكذبتهِ او بتفسيرهِ لبيانِها، او انّها خائفة فتخشى الردّ والتّوضيح، كما حصل مثلاً عندما حاول [رئيس ائتلاف دولة القانون] تفسير دعوة المرجع الاعلى للتّغيير في الانتخابات النيابيّة الاخيرة حرصاً على العمليّة السّياسية من الانهيار ووحدة البلاد وللوقوف امام الفساد والفشل والارهاب، بطرقٍ ملتويةٍ شتّى تصبّ كلّها لصالح تشبّثهِ بالولاية الثّالثة، الامر الذي اضطرّ المرجعية الى التدخّل بشكلٍ مباشر لبيان رأيها بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ وشُجاع، لتضع حدّاً لتخرّصاتهِ وتقوّلاتهِ وتفسيراتهِ الملتوية التي إعتاشَ عليها سياسيّاً مدّةً من الوقت!.
٢/ السياسيّون خاصة وزُعماء الاحزاب والكُتل، يريدونها مرجعيّةً تحت الطّلب، تقول ما يخدم أجنداتهم وتبيّن ما يحمي فشلهم وفسادهم، وتُفتي بما يحفظ تماسك صفوفهم وتحشيد جماهيرهم خلفهم، كما تفعل ذلك المرجعيّات الحزبيّة التي ظلّ الموما اليه في النقطة (١) يوظّف فتاواها كلّما شعر بالطّوفان يقترب من عرشهِ والنَّار تسري لمخدعهِ.
قد تكون تلك مهمّة المرجعيّات الحزبيّة، ان تدافع عن محازبيها وتحميهم من المحاسبة والمساءلة، امّا المرجعية الدّينية الحقيقيّة [وشخص المرجع الاعلى] فلا يمكن ان يكون كذلك ولن، والا فهو الاخر سيتحوّل الى مرجعٍ حزبيٍّ جديدٍ يُضاف الى المراجع الحزبييّن المنتشرين هنا وهناك!.
لقد كانت المرجعية الدّينية في رأي الموما اليه في النقطة أعلاه هي مصدر إلهامهِ وصمّام الأمان عندما كان يشعر انّها قريبة من اجنداتهِ، الا انّها تحوّلت الى (منظّمة مجتمع مدني) وهي مرجعية (غير عراقية) لا ينبغي لها ان تتدخّل بالشأن السّياسي وأنها قد تفهم بشؤون الحوزة ولكنّها تجهل شؤون الدّولة ومتطلبات السّياسة، لحظة ان داس مرجعٌ من المراجع الكبار على ذيله!.
٣/ اذا كان منهج المرجعية الدّينية عدم الردّ على تخرّصات الفاسدين والفاشلين، فمَن الذي يقع عليه واجبُ التصدي لها؟!.
المسؤول هو المتضرّر الاوّل وَالأَخير من مثل هذه السّياسات العوجاء والمنحرفة، واقصد بهِ المجتمع، الذي يجب ان ينزع فتيل هذه القنابل الصوتيّة فيُبطل مفعولها بوعيهِ وإدراكهِ وعدم اصغائهِ للمرجفين في المدينة من الذين يشيرُ اليهم القرآن الكريم بقولهِ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
وهل هناكَ اخطرُ من ظاهرةِ تسقيط المرجعيّات الدّينية في المجتمع؟!.
الا بئسَ ما يفعلون! {إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا}.

يتبع

الجريدة غير مسؤولة عن كل ما ينشر من اخبار ومقالات على صفحاتها ولا تعبر عن رأي الجريدة

اترك تعليقاً