أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / الصحة النفسية والتوافق

الصحة النفسية والتوافق

السيمر / فيينا / الاثنين 13 . 02 . 2023

د . عادل عامر / مصر

قد يتبادر إلى ذهنك أن الصحة النفسية والتوافق النفسي شيئا واحدا، ولكن قد تجد بالبحث المستغرق أننا يمكننا الحديث بمزيد من التفصيل عن مصطلح الصحة النفسية ومصطلح التوافق النفسي، ونعرف الفرق بين المصطلحين وما هو الرابط الذي يربط بينهما   يعرف التوافق كما يراه  (روش Rush  ) بأن الشخص المتوافق هو الذي يسلك وفقا للأساليب الثقافية السائدة في مجتمعه . بينما يرى كل من وود ورث ودونالد Wood Warth &Donald  أن الفرد يتوافق في علاقاته مع البيئة بأن يحدث تغييراً للأحسن. يمكننا أن نطلق على أي شخص أنه بصحة نفسية جيدة في حال كانت أفكاره ومشاعره وسلوكياته متزنة وغير مضطربة، لهذا فهذا المصطلح يعتمد على هذه الأركان الثلاثة بالضرورة، ولكن بعض الناس قد يستخدمون مصطلح الصحة النفسية كذلك في حال كان الشخص لا يعاني من أي اضطراب نفسي أو عقلي يؤثر على نفسه ووجدانه، ولكن منظمة الصحة العالمية لم تثبت هذا التعريف إلى الآن.

ويعرف سميث Smith   التوافق السوي بأنه اعتدال في الإشباع ، إشباع عام للشخص عامة لا إشباع لدافع واحد شديد على حساب دوافع أخرى ، والشخص المتوافق توافقاً ضعيفا هو الشخص غير الواقعي وغير المشبع بل الشخص المحبط الذي يميل إلى التضحية باهتمامات الآخرين كما يميل إلى التضحية باهتماماته ، أما الشخص حسن التوافق فهو الذي يستطيع أن يقابل العقبات والصراعات بطريقة بناءة تحقق له إشباع حاجاته ولا تضطره إلى اللجوء لأساليب غير حضارية مثل العنف بكل أنواعه ، فتوافق الفرد يعني كما يرى سميث توفر قدر من الرضا القائم على أساس واقعي كما يؤدي على المدى الطويل إلى التقليل من الإحباط والقلق والتوتر الذي قد يتعرض له بسبب اختلاف وجهات نظره مع الآخرين أو المقربين ، فلا يتم اللجوء إلى أساليب غير متحضرة.

ويطرح “شوبين” فكرة مفهوم التوافق من خلال السلوك المتكامل ، ذلك السلوك الذي يحقق للفرد أقصى حد من الاستغلال للإمكانيات الرمزية والاجتماعية التي ينفرد بها الإنسان ويضف “شوبين” يتميز الإنسان وينفرد أيضاً عن الحيوانات في قدرته الهائلة على استخدام الرموز في التفاهم وإقامة العلاقات فضلا عن اعتماده في مرحلة الطفولة على غيره وهذا يؤدي إلى بقائه وإشباع حاجاته ، وفي مرحلة الرشد يتقبل المسؤولية ويشبع حاجات الآخرين ، وهذا التوافق يتميز بالضبط الذاتي والتقدير للمسؤولية الشخصية والاجتماعية

أن العنف الذي يصدر من الإنسان تجاه الإنسان هو “اختلال في موازين الصحة النفسية وبنفس الوقت هو سوء توافق داخل الفرد أولاً ومع المجتمع ثانياً لا سيما أن العنف هو سلوك اجتماعي  تحكمه دوافع نفسية وهو أيضاً ظاهرة اجتماعية تمثل الخلل الاجتماعي بالشخصية وهو كما عبر (أحمد فائق) بأنه خلل اجتماعي معروف في علم الأمراض الاجتماعية”

فالفرد المتوافق هو”الفرد الصحيح نفسياً وهو الذي يعي دوافع سلوكه مؤثرا في البيئة من حوله بفاعلية ، موجها للمثيرات المختلفة الواقعة على الآخرين ومهيئاً لهم الفرصة للاستجابة التكيفية ، مستشعراً السعادة والرضا من جراء ذلك ويصبح أسلوبه هذا طريقة في الحياة وهو الذي يمكنه الاستجابة بطريقة تكيفيه حينما تواجهه مواقف حياتية تستدعي ذلك”

أن الشخص المتوافق ،شخص يشعر بالسعادة ويشعر بالرضا ويرى (أراجيل) أن هناك شعور بالرضا عن الحياة بصفة عامة ، وعن العمل ، وعن نشاط وقت الفراغ وعن الزواج وعن المجالات الأخرى ، وكذلك فقد رأينا أن معظم الناس يقرون بالرضا سواء عن الحياة بصفة عامة أو عن الزواج . ويقول (اراجيل) فهل الناس حقاً يشعرون بالرضا كما يدعون؟ هذه المشكلة التقليدية للصدق Validity  في الدراسات السيكولوجية فالتوافق هو حصيلة مجموع التوافق مضافاً إليه الشعور بالرضا عن الحياة ، مضافاً له التلاؤم والتفاعل ثم فاعلية الفرد في العلاقات الزوجية والأسرية ثم الاجتماعية وبذلك تتحقق في الفرد الصحة النفسية في أحد جوانبها المتمثلة في السواء .

 مظاهر القلق لدى الزوجة  بسبب سلوك العنف  : 

يبدو أن أعراض ومظاهر القلق والتشتت بالتفكير واضحة على المرأة التي تتعرض إلى مواقف السلوك العدواني والعنف من قبل الزوج أو الأب أو الإبن أو الأخ أو الخليل فيقول     ( الداهري ،2005، ص333)   يتميز المصاب باضطراب القلق العام بمظهر مميز ، فوجهه مشدود وحواجبه مقطبة ووضعية جسمه متوترة وأحيانا إذا كان القلق شديداً رجفة في اليدين ،وتكون بشرته شاحبة وراحة يديه متعرقة فضلا عن أنه من الناحية النفسية سريع الإثارة وضعيف التركيز الذهني مما يجعله كثير النسيان ، هذه الأعراض تعاني منها المرأة المعنفة . ويقول ( إبراهيم، 2002 : ص49)  درس العلماء ما تتركه الأزمات الاجتماعية والصراعات المختلفة التي يمر بها الفرد من آثار على الشخصية وتطور الجوانب المرضية فيه متعددة منها:

  1. تعريض الأشخاص في مواقف تجريبية مضبوطة لعدد من الظروف الضاغطة والتوترات ثم ملاحظة ما يعتريهم من حالات قلق أو توتر.
  2. دراسة الأفراد في ظل شروط شخصية كالطلاق أو الهجر أو العنف ضد المرأة..  الخ (إبراهيم، 2002:  ص49)

وكشفت الدراسات النفسية من ناحية علاقة القلق بالجنس ، حيث أجمعت غالبية الدراسات التي أجريت في مناطق مختلفة من العالم ، أن القلق يرتفع عموما بين النساء بالمقارنة بالذكور ، ويزداد ارتفاع النساء عن الذكور في مستوى القلق في المجتمعات العربية وأوروبا الشرقية بالمقارنة بأمريكا ، ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه الزيادة في المجتمعات غير الأمريكية ترجع إلى زيادة الضغوط والقمع بين النساء أكثر من الذكور ، أم أن الذكور في هذه المجتمعات يكتمون تعبيرهم عن القلق والمخاوف أكثر من النساء بسبب الاستهجان الاجتماعي وعدم تقبل الظهور بمظهر القلق والخوف بين الذكور

إن انتهاج أسلوب القسوة والعنف ضد الزوجة يجعل منها إنسانا خضوعاً ميالا للاستكانة والقهر ، ولن تستمر الحالة هذه طويلا حتى تتفجر بانفعالات مشحونة ،مكبوتة لفترة من الزمن ونتيجة للمعاناة والقهر النفسي والكبت المدفون لديها تتحين اقرب فرصة للتعبير والتنفيس عن مظاهر السلوك غير المرغوب والابتعاد عن مسار الصحة النفسية وعادة “تبدأ بأفكار مشوشة وقلق واضح في التعامل لا سيما أن القلق هو انفعال يتسم بالخوف والتوجس من أشياء مرتقبة تنطوي على تهديد حقيقي أو مجهول” ويعرف “القلق أيضاً بأنه حالة نفسية تحدث حين يشعر الفرد بوجود خطر يتهدده وهو ينطوي على توتر انفعالي تصاحبه اضطرابات فسيولوجية”

وقد عد القلق دائماً المدخل الأول لتدهور البناء النفسي والصحة النفسية للفرد وبالتالي فإنه يحدث التوتر الشديد في الشخصية وفي أسلوب التعامل مع المقربين ومع الآخرين في المجتمع ، فتبدو علامات الاضطراب واضحة وخصوصاً لدى المرأة الزوجة باعتبارها محور الأسرة الحديثة في مجتمعاتنا المعاصرة سواء في الدول العربية أو الأوروبية المتحضرة لذا فالمرأة الزوجة تلعب دورا مهما في الأسرة وفي التكوين النفسي السوي (Normal ) والتكوين النفسي غير السوي (Abnormal  ) فهي إما أن تعزز لدى الطفل المفاهيم الإيجابية كالتعاون والثقة والأمن أو تنمي لديه المفاهيم السلبية كالانطواء والعدوان والانسحاب ، وإن تكُون هذه المفاهيم يرجع أساسا إلى استقرار أو عدم استقرار الحالة النفسية للزوجة ، فالأسرة التي تعمل على تنشئة وتربية الطفل بالاتجاه السليم من جميع النواحي النفسية والاجتماعية والجسدية ، فإنها سوف تدفع إلى المجتمع بأفراد صالحين متكيفين ويسهمون في مجتمعهم والعكس صحيح ، حيث أن الخلافات بين الوالدين لا تولد إلا الشعور بالقلق والتوتر النفسي.

اترك تعليقاً