أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / حماية حقوق الانسان بين التشريع والواقع

حماية حقوق الانسان بين التشريع والواقع

السيمر / الخميس 14 . 07 . 2016

د. ماجد احمد الزاملي

قواعد القانون الدولي التقليدي تم تشريعها في بداياتها لصالح الدول الغربية ,لذلك بقيت السمة الجغرافية والدينية تطبع القانون الدولي دون أي اعتراض بسبب غياب الدول الأخرى التي تتعامل به حتى وقت قريب. وعند ظهور حركات التحرر القومي، حيث ظهرت دول حديثة الاستقلال، وأخذت تنضم إلى المجتمع الدولي من خلال انضمامها إلى الأمم المتحدة. ولكن هذه الدول وجدت نفسها ملتزمة بقواعد قانونية لم تسهم في وضعها، فحاولت إيجاد مصادر أخرى للقانون الدولي غير تلك المعروفة في القانون الدولي التقليدي. وقد وجدت الدول حديثة الاستقلال ضالتها في مصدر جديد للقانون الدولي يمكن أن يعبر عن مصالحها وأن تكون لها مساهمة فعالة فيه، يتمثل في قرارات المنظمات الدولية، ولا سيما قرارات الأمم المتحدة من خلال جمعيتها العامة متصورة انها الطريق ألأفضل لتحقيق هذه الغاية، لأن طريقة إصدار القرارات الدولية من خلال الجمعية العامة تمتاز بشيء من السهولة، حيث لا يحتاج ذلك سوى لأغلبية عددية معينة (حسب المادة الثامنة عشرة من ميثاق الأمم المتحدة)، وهي أغلبية متحققة للدول حديثة الاستقلال. ومن الطبيعي أن تعترض الدول المتقدمة على اعتبار قرارات الجمعية العامة ليست مصدراً من مصادر القانون الدولي، وبخاصة بعد فقدانها ميزة الأغلبية العددية التي كانت تتمتع بها عند قيام الأمم المتحدة، مبررةً موقفها بأن قرارات الجمعية العامة توصيات غير ملزمة. ومن ثم لا تعد قرارات المنظمات الدولية – وفقاً لوجهة نظر الدول المتقدمة – مصدراً للقانون الدولي إلا إذا توافرت لها صفة الإلزام، وهذا غير متاح إلا على نطاق ضيق، كالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع من الميثاق. بيد أن قرارات المنظمات الدولية لعبت دوراً قوياً في القانون الدولي لحقوق الإنسان يفوق دورها في أي من فروع القانون الدولي الأخرى.
القانون الدولي العام بجميع فرُوعه ينظِّم العلاقات المتبادلة في حالة السلم والحرب بين الأشخاص الدوليين الذين يشكِّلون المجتمع الدولي، حيثُ يحدِّدُ أشكال الدول والمنظمات، ويبين حقوقها وواجباتها، وهو المرجِعُ في بيان كيفية حل المنازعات، وإليه المآل في تسوية الخلافات القائمة بينها. وقرَّر الميثاق الأممي إلى جانب مبدأ حظر استخدام القوة؛ مبدأ السيادة بين الدول، ومبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، كمبادئ أساسية في القانون الدولي الحديث‏، ولا يُوجد في ميثاق الأمم المتحدة إلا حالة ٌواحدةٌ يصبح فيها استخدامُ القوَّةِ مع قيد إبلاغِ مجلس الأمن ‏فورا، وهي حالة الدِّفاع الشَّرعي ‏التي تدخل بها الدولةُ أو الدُّوَلُ دفاعًا عن نفسِها حالَ ‏تعرُّضِها لاعتداءٍ مسلَّحٍ طبقًا للمادة (51) التي تحاشت استخدام كلمةَ الحربِ، ونصُّها: ‏‏((ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقصُ الحقَّ الطبيعيَّ للدُّول، فرادى أو جماعات، في ‏الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن ‏يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها ‏الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي ‏حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من ‏الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن ‏الدوليين أو إعادته إلى نصابه. لكل أزمة مجموعة من الأبعاد، وكل قضية تستند -عادة- إلى العديد من التراكمات. كما ‏أن النزاعات كثيراً ما تعتمد على الكثير من المعطيات التاريخية والجغرافية والثقافية ‏وأحياناً الحضارية، إلا أن الأمر إذا ما تعلق بمسألة قانونية جوهرها الإنسان، فإنه لا يجوز ‏مطلقا تغليب أي بعد، وخاصة البعد السياسي، متى ما كان ذلك قد يؤدي إلى إهدار حقوق ‏الإنسان، وآدميته.
حقوق الإنسان في ميثاق الامم المتحدة ورد ذكرها في عدة مواضع من ديباجة الميثاق حيث أشارت الفقرة الأولى منها إلى حق ضمني للإنسان بالسلم والأمن؛ بينما أكدت الفقرة الثانية منها صراحة على إيمان شعوب الأمم المتحدة بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية؛ فيما ذهبت الفقرة الرابعة من الديباجة إلى تحديد ما تنوي الأمم المتحدة القيام به من دفع للرقي الاجتماعي قدماً، ورفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح (على حد وصف الميثاق) بحيث تهيّئ الظروف المناسبة لاحترام حقوق الإنسان وتعزيزها. ولم يقتصر اهتمام ميثاق الأمم المتحدة بمسائل حقوق الإنسان على ما ورد في ديباجته بل تعداه إلى نصوص قانونية ترتب التزامات محددة وردت في صلب الميثاق. ففي إشارة صريحة لحقوق الإنسان عدّت المادة الأولى (الخاصة بأهداف الأمم المتحدة) في فقرتها الثالثة أن من بين مقاصد الأمم المتحدة “تحقيق التعاون الدولي … على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً…”. توسعت حماية حقوق الإنسان وأصبحت أجندة رئيسية ضمن جهود الهيآت الإقليمية والدولية وكذلك السياسات الوطنية، وعبر كافة المستويات كانت آليات حماية حقوق الإنسان من أبرز محددات الأنظمة الديمقراطية والتقدم في هذا الملف أو التخلف يعد معيار لقياس شرعية الأنظمة السياسية. وتنفيذاً لهذا الحق قامت بعض الدول الأوروبية كفرنسا وإنجلترا وروسيا بالعديد من التدخلات العسكرية ضد البلدان التي كان ينسب إليها اضطهاد وظلم الأقليات المقيمة بها. وكثيراً ما كانت هذه البلدان تجبر على إبرام اتفاقيات تتعهد من خلالها باحترام حقوق وحريات هذه الأقليات. وتتنوع أساليب التدخل لحماية حقوق الإنسان من جانب دولة ضد أخرى، حسب تقدير الدولة المتدخلة لخطورة انتهاكات حقوق الإنسان في الدولة المتدخل ضدها. فقد تبدأ بتدابير سياسية، كالإدلاء بتصريحات عامة تنتقد انتهاك حقوق الإنسان في دولة أخرى؛ أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي احتجاجاً على انتهاكات حقوق الإنسان؛ أو إرجاء الزيارات الرسمية أو إلغائها ؛ أو إدراج مسألة انتهاك حقوق الإنسان في إحدى الدول على جدول محادثات مسؤوليها مع نظرائهم في الدولة المعنية . وقد تتبع التدابير السياسية تدابير اقتصادية كوقف المعونات الاقتصادية؛ أو حظر العلاقات التجارية مع الدولة المتهمة بالانتهاك، أو قطع العلاقات الاقتصادية معها عموماً . ولكن التدابير الأكثر إثارةً للجدل بالنسبة لمشروعيتها، هي التدابير التي تنطوي على تدخل عسكري بحجة حماية حقوق الإنسان. و إذا كانت الدولة هي التي تتنكر لالتزاماتها الدولية، وتقوم بانتهاك حقوق الإنسان، فهل للدول الأخرى دور في فرض احترام هذه الحقوق على الدولة منتهكة الحقوق تجاه أبناء شعبها؟ وبعبارة أخرى، هل يمكن لدولة ما أن تتدخل لحماية حقوق الإنسان في دولة أخرى؟ تعرف هذه المشكلة في القانون الدولي بـ”التدخل الدولي الإنساني” أو التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان. وبالرغم من حداثة القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن التدخل الدولي لحماية هذه الحقوق قديم قدم القانون الدولي ذاته. فقد كان جروشيوس (أبو القانون الدولي، كما يلقب في أدبيات القانون الدولي) يجيز هذا النوع من التدخل، حيث أقر لأباطرة الرومان بالحق في حمل السلاح ضد كل حاكم يمارس على رعاياه فظائع لا يمكن أن يتقبلها أي إنسان عادل، وضد الذين يضطهدون المسيحيين بسبب دينهم. بقيت قضية حقوق الإنسان لعقود طويلة قضية تعني الدول وهي شأن من شؤونها الداخلية، ولم تكن هناك مفاهيم ومواثيق وآليات ومؤسسات لتوحيد العمل الجماعي، واتخاذ الموقف والرؤية اللازمة لقضية حقوق الإنسان لعامة البشرية،غير أن الحربين العالميتين وتطور التنظيم الدولي وثورة الاتصالات التي قربت الشعوب والثقافات وخلقت الشعور الإنساني العالمي. والواقع، إن التدخل من جانب دولة لحماية حقوق الإنسان في دولة أخرى، لم يكن ليثير المشكلات من الناحية القانونية حتى وقت قريب، وبالتحديد حتى قيام الأمم المتحدة ، عندما بدأت الحركة الدولية لتقنين حقوق الإنسان، وكانت أغلبية المجتمع الدولي هي من الدول المتقدمة ، أي أن الدول النامية التي توجه إلى الكثير منها اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، لم تكن قد ظهرت على الساحة الدولية بشكل كبير . بعد إقرار الجمعية العامة إصلاح لجنة حقوق الإنسان وتأسيس مجلس مستقل عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتأسيسه كجهاز تابع لأجهزة الهيأة الأممية،جاء القرار60/251 القاضي بإنشاء مجلس حقوق الإنسان كآلية بديلة للجنة حقوق الإنسان بتصويت 170 دولة، يتكون المجلس وفقا للفقرة 7 من القرار وفقا للتوزيع الجغرافي العادل،13افريقيا،13آسيا,6أوروبا الشرقية،8أمريكا الجنوبية،والبحر الكاريبي،7 أوروبا الغربية. بعد أن أصبح المجلس تابع لهيأة الأمم المتحدة أصبحت له اختصاصات وصلاحيات في وقت السلم والنزاعات المسلحة من أجل حماية حقوق الإنسان،مثلما قام بتشكيل لجنة تحقيق دولية بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة برئاسة القاضي غولدستون للتحقيق في جرائم الإسرائيليين،فالمجلس يقدم توصيات كما ينشئ لجان تحقيق من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان. كما استحدثت الجمعية العامة للأمم المتحدة عند تأسيسها لمجلس حقوق الإنسان آلية جديدة تعرف بالاستعراض الدوري الشامل ،من خلال مراجعة شاملة لحالة حقوق الإنسان داخل الدول الأعضاء في هيأة الأمم المتحدة بالإستناد إلى الالتزامات المنصوص عليها في الميثاق الاممي،الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية وكذلك الالتزامات الطوعية للدول، على أن تكون هذه المراجعة كل أربع سنوات، وقد كانت البحرين أول دول يطبق عليها هذا الإجراء الجديد في إطار آلية مجلس حقوق الإنسان بداية العام2007 .
من الطبيعي أن تكون الدولة (بمعناها الضيق: أي الحكومة) هي الشخص المعني بحماية حقوق الإنسان بالدرجة الأولى، إذا ما فهمنا الحماية بمعنى الإنجاز. وبعبارة أخرى، فإن الدولة التي تكون طرفاً في اتفاقيات دولية خاصة بحقوق الإنسان، هي المكلفة بإنجاز التزاماتها الدولية في هذا المضمار. ومن ثم، فإنها الجهة المنوط بها حماية حقوق الإنسان . العمل بمبدأ الفصل بين السلطات:لما كانت الدولة هي المنتهكة لحقوق الأفراد في الغالب فالتساؤل كان مشروع كيف لهذه الدولة أن تكون الضامن للحقوق؟والحل كان في مبدأ الفصل بين السلطات, حيث تعود الفكرة الى أفكار جون لوك حول( الحكومة المدنية)ومونتيسكيو في (روح القوانين)إذ أبرز الأخير أهمية وجود سلطات ثلاث في الدولة لكي تراقب كل سلطة السلطة الأخرى وتحد من تعديها لمجال اختصاصها، الدستور الذي يعد الركن الأول والأساسي الضامن لحقوق الإنسان ،فهو يحتل المرتبة الأعلى في القواعد القانونية في كل دولة،ومن خلاله يتم تنظيم ممارسة السلطات في الدولة، كما يحدد الحقوق والحريات العامة ودور الدولة في تأمينها،ويقيد ممارسات السلطة لكي لا تتفرد وتنحرف عن الأطر الدستورية للممارسة السلطوية،ويبين في مواده المبادئ الأساسية الضامنة لحقوق الإنسان.

اترك تعليقاً