الرئيسية / مقالات / كشف المستور في علاقة العرب والفلسطينيين مع إسرائيل

كشف المستور في علاقة العرب والفلسطينيين مع إسرائيل

السيمر / فيينا / الأربعاء 29 . 03 . 2023 

 د. لبيب قمحاوي */ الاردن

ما نحن بصدده الآن لا يعكس تغييراً في طبيعة العلاقة مع العدو الاسرائيلي، بقدر ما يعكس نهجاً جديداً في ممارسة تلك العلاقة . وهذا النهج يتمثل بالممارسات الاسرائيلية المؤدية الى رفع الغطاء عن المستور وكشف نوايا اسرائيل الحقيقية تجاه العرب والفلسطينيين، في الوقت الذي يتطلب فيه الضعف العربي المتزايد إبقاء تلك النوايا مستورة حتى يتجنب الحكام العرب فضح ضعفهم وتخازلهم أمام تنامي الجبروت والوقاحة الاسرائيلية في التعبيرعن النوايا والأطماع الحقيقية للإحتلال الاسرائيلي .

لا يوجد في الحقيقة أي جديد في معادلة الصراع العربي –الاسرائيلي أو ما تبقى منها سوى كشف المستور . العرب يريدون إنهاء الصراع بصمت مريب نتيجة شعورهم بالعجز والضعف وغياب الارادة، في حين أن الاسرائيليين لا يشعرون بمثل ذلك الشعور بل على العكس فانهم يشعرون بالثقة المستندة الى قوة عسكرية متفوقة تمكنهم من المطالبة بكل شئ دون دفع أي ثمن مقابل ذلك، وكذلك دون المبالاة بالنتائج المترتبة على ممارساتهم تلك على الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى .

لقد أدى تولي اليمين الاسرائيلي مقاليد الحكم لفترات طويلة، وغياب أي منافس حقيقي له داخل الكيان الاسرائيلي، الى صعود طبقة من الفاشيين الصهاينة الى سدة الحكم ببرامج متطرفة ونزعة واضحة للوقاحة تفتقر الى أي رغبة في ممارسة أي نوع من الدبلوماسية في العلاقة مع العرب أو الفلسطينيين، أو أي استعداد لمداراة برامجها الاستعمارية الاحلالية العنصرية مهما بلغت قسوتها أو دمويتها أو تعارضها مع القوانين والاعراف الدولية والانسانية .

تعتبر اللامبالاة التي يشعر بها اليمين المتطرف الحاكم في اسرائيل تجاه العرب من جهة، وتجاه حقوق ومعاناة الفلسطينيين من جهة أخرى، مؤشراً واضحاً على طبيعة العلاقة بين العرب واسرائيل وبين الفلسطينيين واسرائيل ومستقبلها فيما لو إستمر العرب في الضعف والفلسطينيين في التفكك والانقسام .

تتآكل كرامة العرب وإرادة انظمتهم الحاكمة تدريجياً أمام سياسات الاهانة والاذلال التي يمارسها اليمين المتطرف الحاكم في اسرائيل تجاه مطالب العرب مهما كانت بسيطة، أو اذا ما كانت تلك المطالب تتعارض ورغبات وبرامج حتى أصغر حزب شريك في الائتلاف الحكومي الاسرائيلي الحاكم. وتعتبر عملية إذابة كرامة العرب تدريجياً جزأً من السياسة الاسرائيلية الهادفة الى إستمرار الحصول على تنازلات العرب مجاناً ومقابل لاشئ تدفعه اسرائيل. ولا يقف أمام التسارع في التطبيق الكامل لهذه السياسة الاسرائيلية سوى البطولات الفلسطينية شبه اليومية والمقاوِمَة للإحتلال .

من الخطأ أن يأخذ الحماس البعض الى حدّْ الاعتقاد الخاطئ بأن المقاومة الفلسطينية الفردية الباسلة سوف تؤدي الى تحرير الأرض، بقدر ما يتوجب على الجميع الايمان بأن هذه المقاومة سوف تؤدي في حدودها القصوى الى إلغاء مفهوم الاحتلال الهادئ، وتجعل كلفة الاحتلال على المجتمع الاسرائيلي باهظة والى الحد الذي قد يدفع جزأً من ذلك المجتمع الى البحث عن حلول تُرضي الفلسطينيين، والى توقف الاسرائيليين عن اعتبار مطالب وبرامج اليمين الاسرائيلي المتطرف هي المُعَبِّر الوحيد عن مصالح الكيان الاسرائيلي، وبالتالي المساعدة في تغيير المزاج السياسي وعلاقات القوة داخل المجتمع الاسرائيلي .

الأمور لن تكون سهلة ولن تتم بالبساطة أو السرعة التي يتوقعها البعض، ولكن المثابرة الفلسطينية سوف تؤتي ثمارها بالنتيجة، خصوصاً اذا ما نجح الفلسطينيون في التخلص من السلطة الفلسطينية الحاكمة، وهي في واقعها ظل للإحتلال واحدى أهم أدواته لقهر الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال . إن محاولات البعض للفصل بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي تعكس إما لؤماً مقصوداً أو قصوراً في فهم واقع الأمور بعد اتفاقات أوسلو والتغيير في القوى الحاكمة لمعادلة الصراع داخل الأراضي المحتلة.

النظام السياسي الفلسطيني القائم حالياً يستمد أصوله من حقبة المقاومة الفلسطينية التي إمتدت من أواخر ستينيات القرن الماضي الى اتفاقات أوسلو والتي ارتكبت الخطأ التاريخي الاستراتيجي بوقف المقاومة قبل تحقيق برنامجها السياسي مما أنهى وجودها عملياً بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو وما انبثق عنها لاحقاً من سلطة فلسطينية مُبهمة في بداياتها وفي مدى تبعيتها للإحتلال . إن اعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني المنبثق عن اتفاقات أوسلو لن تكون عملية سهلة وسوف تحظى بمقاومة عنيفة من قبل سلطات الاحتلال . هذا النظام الجديد المنشود لن ينبثق عن المقاومة الفلسطينية الصاعدة، ولكنه سوف يستند إليها . وبذلك لن يمتلك مثل هذا النظام حرية التلاعب بالمقدرات الفلسطينية كما حصل في أوسلو عندما صادرت قيادة المقاومة الفلسطينية في حينه القرار السياسي الفلسطيني .

إنهاء السلطة الفلسطينية يعني عملياً إنهاء إتفاقات أوسلو وما تمخض عنها والعودة بالقضية الفلسطينية الى أصولها الحقيقية . المطلوب في هذه الحالة اعادة بناء النظام السياسي والنضالي الفلسطيني بشكل يعكس ارادة المقاومة والرغبة في الحرية والاستقلال بعيداً عن هيمنة الاحتلال على الشأن الفلسطيني واخضاعه لإرادة ومصالح الاحتلال نفسه، وتنقية المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال من طبقة العملاء والجواسيس التي نمت وترعرت تحت رعاية السلطة الفلسطينية .

إن إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني تتطلب بالضرورة اعادة بناء النظام السياسي العربي . فالنظام العربي السائد حالياً اختار مسار التطبيع مع عدو لا يريد في الحقيقة التطبيع، بقدر ما يريد عوائد التطبيع فقط، كما أن النظام العربي الحالي هو الحاضنة والحامية للسلطة الفلسطينية التابعة للإحتلال مما يعني أن مسار التطبيع العربي لن يلقى معارضة فلسطينية ما دامت السلطة الفلسطينية موجودة وقائمة على الشأن الفلسطيني . وهكذا، فإن الترابط بين إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني والنظام السياسي العربي يصبح أمراً لا مناص منه . ولكن كيف يتم اعادة الربط بعد أن فك النظام العربي الحالي ارتباطه بالقضية الفلسطينية ؟

إن إعادة الربط يجب أن لا يتم لأسباب عاطفية أو ايديولوجية قومية، بل يجب أن يستند الى المصالح المتبادلة التي تؤكد على أن وجود الدولة الاسرائيلية على أرض فلسطين يشكل خطراً على مصالح الدول العربية المحيطة بفلسطين وعلى العالم العربي بشكل عام . وهذا الخطر، مهما كانت وجهة نظر الأنظمة العربية، يستمد أصوله من صلب العقيدة الصهيونية التي تعتبر العرب هم العدو الطبيعي للمخططات الصهيونية وخطرعليها وعلى أهدافها، علماً أن مفهوم السلام مع العرب يعني من وجهة النظر الاسرائيلية الصهيونية، بالإضافة الى الاستيلاء على الأرض، الاستيلاء أيضاً على الموارد الطبيعية والثروات العربية ومصادر المياه، وهذه هي الحقيقة المرَّة التي يتوجب على جميع العرب استيعابها .

*مفكر عربي

29 . 03 . 2023

اترك تعليقاً