الرئيسية / ثقافة وادب / يحيى السماوي ، حين يرتدي ثوبَهُ المائي(2)

يحيى السماوي ، حين يرتدي ثوبَهُ المائي(2)

السيمر / السبت 23 . 07 . 2016

هاتف بشبوش

يعطينا الشاعر يحيى الكثير من شواهده على إحترامه للمرأة وحبه وهيامه بها ، أنه المدافع عنها في أحلك الظروف ، أنه يحبها على غرار الشاعر نزار قباني حين يقول (لم أحبكِ كشخص فقط ، بل أحببتكِ كوطن لاأريد الإنتماء لغيره ) ، لا كما نسمع عنه في بعض البلدان التي تحتقر المرأة وتجعلها في المستويات المتدنية ، حيث نقرأ في كتاب مملكة غرف النوم لمحمد الباز والذي يتطرق الى الإنحراف الجنسي والديني في بلاد العرب وبالأخص في السعودية ، وماهي نظرتهم للمرأة فيقول :

(طريق المرأة الى الجنة وأنهارها وعسلها وفاكهتها الدانية ، يمر بالسرير وينتهي بالسرير) .
(المرأة خطيئة تمشي على قدمين في السعودية .. من كتاب مملكة غرف النوم لمحمد الباز).

وهناك الروائية السعودية الرائعة وردة عبد الملك التي تنقل لنا عن الأساليب التي يتم من خلالها إستغلال المرأة وتخويفها كي تظل مطيعة في كل أوقاتها حتى لو كان الأمرر على حسابها ومستقبل حياتها ، حيث تتطرق الروائية الى (سارة ) بطلة روايتها وفي جانب من الحوارات حيث سارة تزهق من حياتها وزوجها الذي لايحترمها ، فتأتيها أحدهنّ فتقول لها إحترام الرجل بكل أفعاله السيئة هو الطريق الى الجنة ،( فمن يحتمل النار ياسارة ) .. وبهذا تذعن سارة لهذه الأقاويل التي تشكل لها رعبا رهيبا لايطاق .
أين نحن من ذاك فيما لو قرأنا للشاعر يحيى السماوي ومدى تبجيله للحب وللمرأة ، حتى يصف لنا صبره وإحتماله للملمات بهذا الصدد فيقول :

يـا مُـبْـطِلاً حتى وُضُـوئي: كُـنْ لِـحَـصْـدي مـوسِــمـا
فـأعـادَ وضـعَ نِــقــابـهِ كـيـداً… وقـالَ مُــتــمْــتِــمـا:
صـبـراً عـلى عـطشِ الـهـوى إنْ كـنـتَ حـقـاً مُـغـرَمـا
فـالـمـاءُ أعـذبُ مـا يـكـونُ: إذا اسـتـبَـدَّ بـكَ الـظـمـا!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا أتذكر في ايام القادسية المغبرة ، كنا في احلك ظروفها لانرى غير انفسنا والآخرين من العساكر الذين لايتغيرون على مر سنوات طويلة ،أشهر نقضيها بدون رؤيا اي عباءة أنثى كي نشم عطرها ، أشهرونحن مع التكثيف الجنسي بأمتياز ، احيانا مشاهد النوم تحت البطانيات تثير السخرية .. جنود نائمون وماهم بنائمون .. بل تتحرك ايديهم وهي تقبض على ذلك اللايكل المسكين الذي لم ير غير مقابض الايدي المتسخة من رمال الصحراء والثكنات ، في خضم كل هذه المأساوية المعتمة .. كان لي صديق مهندس من الحلة كنا نسميه (حسن بلميطة) ..تسمية جنسية خالصة تتعلق بخيارته . كان يقول من شدة ضمأه الى زوجته ..حين يحصل على مكرمة الإجازة ، يقول أطرق الباب وأنا فاتحُّ أزرار بنطلوني الخاكي ، تظهر زوجتي ، أقبلها وتقبلني ، ومن الباب الى خدرها ، حيث يتم ارواء عطشي ، هكذا هو صبر العراقي ، وهكذا هو الإرواء ولكن اي صبر ، إنه الجنون أو الخبل الذي يختلف عن الآخرين ، (عراقي هواه وميزة فينا الهوى خبلُ/ يدب العشق فينا في المهود/ وتبدأُ الرسلُ) ورغم ذلك ، قالوا … انّ بحور الصبر بعيدة المنال .
يحيى السماوي لايمكن أن يبعده شئ عن الوطن سوى الحبيبة او الأم أو البنت والاخت ، أنهنّ الحب والغزل الصادح في أوراقه ، كما بينا أعلاه ، انهنّ المنار والفنار في حياة الشاعر ، أنهنّ الطريق المؤدي الى أروقة الوطن العزيز عبىر قلب الشاعر مهما إرتحل ، انهن المستوطنات هناك في وطنه الأم ، أنهن الفكرة التي لايمكن لها أن تزال من رأسه مهما تلقى من عقاب أو مضايقة او مداهمة من قبل أجهزة الأمن أو البوليس السري ، لنشهد على شاعرنا ومايقوله بصدد ذلك :
سـعـادة الـرَّقـيـب :
أنـت تـمـتـلـكُ الـمـقـصَّ الـقـادرَ عـلـى قـصِّ الـورقـةِ مـن كـتـابـي …
ولـكـن : مـن أيـن لـك بـالـمـقـصِّ الـقـادر عـلـى قـصِّ الـفـكـرة مـن رأسـي ؟
ـــــــــــــــــــــ
حين يمطر شاعرنا مطرا كونيا ، يمتد الى خرائط العالم ، الى السماء التي تلف تحتها هذه الأرض المترامية ، يمطر علينا فسلفة ما أوتي بها الاّ القلائل والذين نالوا من الشهرة جعلتهم حتى اليوم منارا ونبراسا يهتدي بها البشر على مر الأزمنة. الشاعر يحيى يقترب هنا مع ماقاله الشهير العظيم الشاعر التشيكي ( فرانس كافكا) في مقولته ( لاأحد يحمل فكرتك في رأسك سواك أنت ) ، وهناك نصب تذكاري رأيته في براغ يجسد هذه المقولة الرائعة ، حيث يزوره ملايين السواح كل عام ، حيث نرى في النصب كيف أن الرأس فارغُّ ، ويحملُ شخصا بأكمله . هذه المقولة التي كتبها الشاعر فرانس كافكا هي عبارة عن سطرٍ جعلت منه شاعرا مخلدا في سماء العبقرية والعظمة . وها أني أرى ماقاله الشاعر يحيى بهذه الكلمات القصيرة الكثيفة التي لو انفجرت لتناثرت في الأصقاع حبا وثورية وحماسا وتفكيرا ينشطر الى مالانهاية ، كلمات مضغوطة تحمل الكثير من المعاني السامية التي يجب أن تؤطر في أرشيفنا العربي والعراقي .
كل مايكتبه الشاعر هو بمثابة أسفين يُدق في أرض هذا الوطن الجريح ، لنقرأ ماقاله الشاعر في شذرته الرائعة (مسمار) :

عـلـى مـاذا يـتـقـاتـلُ الأبـاطـرةُ الـصـغـار ؟
حـيـتـانُ الـمُـحـتـلِّ لـم تـتـركْ مـن سـمـكـةِ الـوطـن إلآ الـزعـانـف …
وديـنـاصـوراتـه لـم تـتـرك مـن الـحـقـل إلآ الـتِّـبـن !
ــــــــــــــــــــــــــــــ
هي حرب بين عجوزين أصلعين من أجل مشط , أما المحتل فهو كحال البرجوازي القذر في تلك الأيام إذا ماكان له جارا فقيرا , يأكل السمكة جميعها ثم يدق الباب على جاره المسكين لأعتبارات ( عليكم بسابع جار ) أو الجار ثم الجار ثم الجار ، فيعطيه عظام السمكة للمصمصة ، وهذا المسكين ليس لديه سوى أن يقول ( حمدا لله) ، وهذه الأساليب إنسانية في قشورها لكنها تساهم في إذلال الإنسان أيما إذلال ، ولذلك حينما وصلنا الى بلدان التحضر وجدنا أنفسنا نعيش على المساعدات التي نأخذها من بنك الحائط ، وهذه في حد ذاتها وجدوها لحفظ كرامة الأنسان . أما الديناصورات يحتاج لهم ضباطا أحرار مثلما فعلها عبد الناصر ( وهذه تحتسب له من الأعمال المجيدة) الضباط الأحرار قاموا بتقنين ممتلكات كل الأثرياء وإتباعها الى الدولة , و مثلما حصل في روسيا وحسب ما قرأناه في الرواية الخالدة ( الدون الهادئ لشولوخوف) وكيف كان يتصرف البلشفيون في مصادرة مايعطيه البيدر وتوزيعه عادلاً بين الإقطاعي والفلاح. لابد وأن يأتي هذا اليوم .
مازال الشاعر يحيى رمزنا العالي بروحه الطيبة الوفية الصادقة ، المسامحة ، المجاملة ، الصداحة ، الرقيقة ، المقدامة ، المصالحة ، البعيدة عن التوتر ، البعيدة عن المناكفة ، البعيدة عن الشجار ، انه المسالم ، انه المناضل ، الرونق والأنيق ، ما احلاه في منفاه ، ما أجمله وهو يقرأ لسلام عادل وحسن سريع في السماوة ، ما أروعه حين ينشر الروح الصداقية الخالدة فيما بين الأحبة ، هاوهو يكتب نصا إعتذاريا الى أصدقائه عقب حصول سوء فهم في مجريات الأدب والشعر ومايتعلّق بحرية الرأي ، والإفصاح الذي يختلف من شاعرٍ الى آخر حول بعض الشخصيات العراقية التي صنفها البعض بكونها مجرمة بينما صنفها البعض الآخر غير ذلك ، لنقرأ بتمعن ماقاله الشاعر ذو القلب الفسيح بهذا المنظور العميق :

( إعـتـذار مـتـاخّـر )…
” الى الصديق الشاعر هاتف بشبوش : درءاً لشهقة دخان ، والى الصديق الشاعر الفنان ماجد مطرود لتقصيري غير المتعمد في تأخري عن تهنئته بنجاح العملية الجراحية في الفقرات ـ سائلا الله أن ينسج له بيد لطفه ثوب عافية لا يبلى ، والى كلّ صديق قد أقصّر معه يوما بحسن نية !

ثقيلةُّ حقيبتي ..
لا قدرة ُّ لظهري على حملهـا
عساني أخففُ من ثقلها باعتذاري ..
***
أعتذرُ :
للشهداء الذين لم أشارك في تشييعهم …
//
للجهاد من أدعيائه …
//
للمرضى الذين لم أدعُ لهم بالشفاء…
//
للبستان الذي سرقتُ من نخلتهِ رطبـاً ولم أكـن جـائـعـاً
//
للرصيف الذي اتسخ بأعقاب سجائري ..
//
لأيدي الجلادين التي تـَورَّمَـتْ من صفعي ..
//
للغد من مشاركتي بانتخاب القادة الإماء والساسة اللصوص …
//
للعاشقِ الذي استهنتُ بـدموعه …
//
وأعتذر أيضا :
لحقيبة عمري التي أثقلتها بحماقات الأم
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرد الشاعر (هاتف بشبوش) كاتب هذا المقال فيقول :
في روايات أفلام الويسترن( الكاوبوي الأمريكي) ، أغلب ألأحيان نرى الروائي يميل أن يكون البطل في غاية النبل ، في رواية جميلة كتبها صديق الشاعر الأمريكي الشهير ( والت وايتمان ) يحضرني اسمه الآن ، هذه الرواية مثلت الى فيلم في غاية الأثارة أيام كنا صغار ونلهو بالمسدسات التي نصنعها من عظام فك الشاة ، وحينما نرمي مثلما وصفها الروائي ( زيد الشهيد ) نطلق صوت من أفواهنا ( كيو ، كيو ، كيو ) ,هذا الفيلم مثلهُ عمالقة السينما أنذاك ( كيرك دوغلاص الذي اشتهر برائعة سبارتكوس ، وأنتوني كوين الذي اشتهر برائعة زوربا اليوناني) ، الإثنان أصدقاء بل تربطهم الحميمية المطلقة التي لايشوبها شائبة ، أجبرتهم الظروف على أن يتبارزا وجها لوجه , أحدهم شهير برميته السديدة في الجبهة والآخر شهير برميته السديدة في القلب وكلا الطرفين رميتهما واحدة لاتثنى فتلقي الطرف الآخر صريعا لامحال ( مثل قوس إبن الكُسعي) ، وكنت اتذكر أنني دخلت الفيلم أكثر من مرة لكي أرى ذلك المشهد البطولي والتضحية التي لاتوصف في سبيل الصداقة والأخوة ، يخرج الإثنان صباحا في الوقت المحدد والمكان المحدد وبقية الناس تنظر اليهم من خلف نوافذ بيوتهم ، ربما هي العادات أنذاك تساق هكذا ( ولهذا نحن في الصغر إذا ما اردنا أن نتشاجر مع أحد نقول له ، إذا انت شجاع إنتظرني خلف سكة القطار ) . المهم خرج البطلان وتقابلا وجها لوجه ، وبعد النظر بين الطرفين والتحديق لكليهما ، والأصرار في المضي قدما للقتل وقلوبنا تخفق نحن المشاهدين الى هكذا مشهدٍ مثيرٍ أنذاك ، وعلى حين غفلةٍ ينطلق الرصاص من كليهما ، وقع الأثنان فتصورنا أنهما ماتا وينتهي الفلم ، لكن تبين أن أحدهم حشى مسدسه بطلقٍ خلّب كي يعطي الفرصة لصديقه أن يقتله ، والآخر تعمد في رميته الى مافوق جبهة صديقه بكثير ، وهكذا بقي البطلان على نبضيهما.رواية تصف لنا التضحية في اللحظات الحرجة والمواقف النبيلة التي يسجلها التأريخ في سبيل إعلاء كلمة السلام والمحبة بين الأخوة .
بينما في روائع الألياذة والأوديسة هي كثيرة مثل هكذا تضحيات ، ومنها رواية( المجالد) التي تكلم عنها المبدع الناقد ( حسين سرمك ) ، مبارزة تتم بين سجين بطلٍ وملكٍ من ملوك الأمبراطورية الرومانية ، الملك يطعن السجين بخنجرٍ وهو في السجن قبل المبارزة بساعة كي يظهر ضعيفا أمام الناس المحتشدين فيستطيع التغلب عليه ، وتبدأ المبارزة وتنتهي بفوز البطل السجين وموت الملك دون أن تعرف الحشود بفعلة الملك الجبانة . أو المثال الأقرب لنا هو الكونت مونت كريستو وصديقه الذي غدر به ( مونديغو) من أجل قلب الجميلة مرسيدس . أو بوشكين حين مات مبارزا من أجل حبيبته ، ثم يستمر الشاعر(هاتف بشبوش) مخاطبا يحيى السماوي صديقه الأعز ورمزه الأكبر في سماء الأخلاق والشعر والنضال فيقول:

ياصديقي
لا أنا ولا أنت
تستطيعُ زهورُعبّادنا
أنْ تستديرَ نحو الظلام
أنها مجبولةُّ من الشمس
لا أنا ولا أنت
من ملوكِ الألياذةِ والأوديسة
بل كلانا
هو السجينُ المطعونُ بخنجرِ الخونة
لا أنا ولا نت
من يتصارعُ من أجلِ حسناءْ
بل
أنا وأنت
نتبادلُ الأدوارَ بين دوغلاص وأنتوني
بل
أنا وأنت بوشكين
الذي ماتَ حباَ وفداء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماقلناه أعلاه يستدرجنا الى موضوعة في غاية الأهمية ، هو أن الشاعر يحيى تنطبق عليه مقولة أنطون تشيخوف( كلما زاد نقاء المرء ، زادت تعاسته) ، و لكثرة تجاربه في الحياة جعلته يقول في إحدى محاوراته التي رواها لي ، أنّ له قلب حمار ( حاشاه طبعا) لكثرة تحمله للمرض الذي رافقه كثيراً في مسيرة حياته الحافلة بالعطاء ، واحيانا يكون جليس الفراش دون أن يعطي خبرا لأصدقاءه كي يكونوا عُودهُ ، لكي يبقَ مع الأنين وحده ، وحتى لايتألم أصدقاؤه معه أثناء المواساة . أنه الشاعر الذي أصبح صديقا الى اللوعات والشطحات التي تأتي من هنا وهناك ، أو تأتي من أناس غدروا به دون أن يفكر يوما أنه سيلقى منهم كل هذا الغدر والخيانة ، أنهم كانوا أصدقاء حميميون ، ولكن سبق السيف العذل ، ولذلك الشاعر أوصى لنفسه أن تكون حذرة ولو بعض الشئ ، فالحذر هو من صفات الشجاع ، ولذلك بيّن لنا الشاعر يحيى بخصوص ذلك في ديوانه الأخير ( ثوب من الماء، لجسدٍ من الجمر ) في هذه الشذرة الرائعة :

بعضُ الخرافِ
أشرّ من بعض الضباع
فليس عجبا
أنّ عصفوراً يخبئ تحت برقعِ ريشهِ
ظفراً وناب
ـــــــــــــــ
لاغبار على الشاعر حين أطلق الحذر ، فهو التلميذ وهو المعلم ، وهو( الذي لم يعد في قلبه مكان لرصاصة جديدة ….محمود درويش) . فلايسعني في نهاية دراستي هذه أن أقول طوبى لروحك التي إرتدت ثوبها المائي كي تطفئ مافي النفوس من لظى أشرارها ، ثم راحت تفتش عن كونفوسيوش العظيم وهو يقول ( لازلتُ لاأفهمُ شيئا من الحياة).

اترك تعليقاً