السيمر / السبت 23 . 07 . 2016
نـــــــــزار حيدر
*نصّ الحوار الذي أجراهُ الزّميل محمود الحسناوي، في إطارِ تحقيقٍ صحفيٍّ موسّع يُنشر في عدّة وسائل إعلاميّةٍ.
السّؤال الاوّل؛ هل فعلاً يُمكننا القول بوجود انشقاقات بين القوى الشيعيّة سياسيّاً ودينيّاً إِنبثقت من أجل مكاسب عدّة على رأسِها السُّلطة والنُّفوذ؟.
واذا كان هنالك تنازُع، فما هي أَبرز الاطراف المتنازِعة من وجهة نظرِك؟.
الجواب؛ المكوّن الشيعي كأيّ مكونٍ آخر في العراق يُعاني من مشاكلَ جمّة، هي التي طفت اليوم على السّطح على شكل صراع على السّلطة والنّفوذ، وهي في الحقيقة امتدادٌ لمشاكل عهد ما قبل سقوط نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين.
فكلّنا نتذكّر يوم كنّا كحركة معارضةٍ تُقاتل وتُجاهد ضدّ الديكتاتوريّة والسّلطة البوليسية المستبدّة، [لاقامة حكومة العدل الالهي في العراق تحقّق العدالة الاجتماعيّة للشّعب وتحفظ كرامتهُ الانسانيّة!] كانت المشاكل الداخليّة تطغى حتّى على جهدنا الذي نبذلهُ في صراعِنا مع السّلطة الظّالمة، ولقد كتبتُ مرّةً وقتها قلتُ ان ١٠٪ فقط من جهدنا نبذلهُ في صراعِنا ضدّ نظام الطّاغية امّا الـ ٩٠٪ الباقية فنبذلها في الصّراع الداخلي لتصفية بَعضنا البعض الآخر وإِضعاف بَعضنا البعض الآخر.
لقد تطايرت في تلك المرحلة من الصّراعات الدّاخليّة عمائم وأُهينت رموز ومرجعيّات وشُهداء أَمام مراى ومسمع النّاس في أَكثر من مرة!.
ولم تكن تلك المشاكل والصّراعات بين الفصائل المتعدّدة فحسب وانّما داخل الفصيل الواحد كذلك، فلقد كانت كلّها تقريباً تتعرّض دائماً للانشقاق بالطّريقة الأميبيّة والتشظّي، بدءً من (قرار الحذف) المعروف فيما يخصّ حزب الدّعوة الاسلامية الذي ملّ [الانشقاق] من انشقاقاته، وليس انتهاءً بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي تشكّل ليكون مظلّةً وحدويّةً تنضوي تحتها كلّ الفصائل والشّخصيّات الاسلاميّة، لينتهي به المطاف الى إرثٍ عائِلي، فيما قضت الصّراعات الداخليّة على وَاحِدَةٍ من أهم تلك الفصائل وأَقصد بها منظمة العمل الاسلامي في العراق!.
وعندما نشطت فصائل الحركة الاسلامية الشيعيّة في سوريا بُعيد الانتفاضة الشّعبانيّة الباسلة عام ١٩٩١ إِثر هزيمة الطّاغية الارعن في حرب تحرير دولة الكويت وتشكيل لجنة العمل المشترك بين مختلف فصائل حركة المعارضة العراقيّة استصحبت الفصائل الشيعيّة خلافاتها الحركيّة والمرجعيّة معها الى هناك لم يكن بالامكان فك صداماتها في اغلب الأحيان الا بتدخّل قيادات رفيعة المستوى في جهاز المخابرات السوريّة!.
ولا يُجادل عاقلٌ في انّ هذه المشاكل لم تنحصر على الصّعيد السّياسي والحركي فحسب وانّما كذلك شملت الصّعيد الديني (المرجعي) الذي لازال يترك بضلالهِ الثّقيلة وللاسف الشّديد، على البعد السّياسي.
وعندما سقط نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين وعادت القوى الشيعيّة الى العراق لتُمسك بزِمام السّلطة، ظَنَنَّا انّها ستُدشّن مرحلةً جديدةً من العلاقات فيما بينِها تنسجم وحاجة ومتطلّبات المرحلة الجديدة، مرحلة السّلطة والحُكم، فبذلت المرجعيّة الدّينيّة في النّجف الأشرف، وتحديداً شخص المرجع الاعلى، جهوداً كبيرةً ومُضنيةً لتأسيس التّحالف الوطني الحالي ليكون بمثابة المؤسّسة القياديّة التي تمثّل المكوّن الشّيعي في العمليّة السّياسية، للنّهوض بأعباء المرحلة التي تتطلّب بناء رؤية جديدة تساهم في بناء دولة العراق الجديد، فنراها مثلاً رفضت إقصاء ايّة قوة من القوى الشيعيّة مهما كان لونها او خلفيتها المرجعيّة ومتبنّياتها الفكريّة والسياسيّة، من التشكيلة الجديدة على الرّغم من كلّ المحاولات التي بذلتها القوى التي كانت تصنّف نفسها على أساس انّها قوى أساسيّة ينبغي ان تنفرد في تشكيل التّحالف فيما تَعُدُّ بقيّة القوى على انّها ثانويّة يكفيها ان تتمثّل فِيهِ بشكلٍ رمزيٍّ فحسب.
من جانبٍ آخر حرصت المرجعيّة الدّينيّة على ان لا تتدخّل في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من أجل ان تمنح التّحالف مساحةً واسعةً من حريّة العمل السّياسي في الادارة والسّلطة وكذلك في العلاقة مع بقيّة الشّركاء في الوطن والعمليّة السّياسية برمّتها، ليُثبت وجودهُ وكفاءتهُ فكانت لا تُبدي رأياً الا في الاستراتيجيّات ولا تُبادر للجواب او تقديم المشورة الا اذا سُئلت ولا تتدخّل الا اذا رأت انَّ مِقوَد السّفينة انحرف عن مسارهِ الصّحيح، ففي مثل هذه الحالات كان لها القول الفصل والحاسم انطلاقاً من تشخيصها الدّقيق والحكيم وكذلك انطلاقاً من مسؤوليّتها الدّينية والوطنيّة التّاريخية كونها الرّاعي الأَكبر لمصالح البلاد والعِباد ولكونِها فوق الميول والاتّجاهات التي تُفسِد الرّؤية عادةً ولأنها صمّام الأمان الحقيقي والواقعي للبلاد ومستقبلها، ولكونِها بمثابة الأَبُ الذي يرعى ابناءهُ، ينبّههم اذا أخطأوا ويُرشدهم اذا تاهوا ويحذّرهم اذا تمادَوا ويُشير عليهم اذا استشاروه ويصفعهُم اذا عاندوا!.
إِنّ أصل فلسفة تأسيس التّحالف تعود الى محاولة المرجعيّة الدّينية لمساعدة كلّ القوى الشيعيّة لتجاوز مشاكلها الماضية وعُقدها التّاريخيّة سواء السّياسيّة والحركيّة منها او الأُسريّة والمرجعيّة، لمعرفة النّجف الأشرف بعمق هذه المشاكل التي تضرب بأطنابِها في عُمق التّاريخ، والتي اذا ما استصحبتها الاطراف السّياسية والحركيّة القادمة من الخارج لتستخلف نظام الطّاغية في السّلطة، فستكون كارثة على العراق الجديد وتحديداً على المكوّن الشّيعي حديث العهد بالسّلطة والحُكم.
ولكن يبدو اليوم وبعد تجربة (١٣) عام من التّحالف الوطني، فانّ الفلسفة التي بُنيَ على أَساسها لم تكن موفّقة اذ لم تحقّق الغرض المطلوب، ولم تنجح في تحقيق الهدف المرسوم، اذ فشل التّحالف فشلاً ذريعاً في ان يكونَ مؤسّسة قياديّة قادرة على ادارة الخلافات والصّراعات المستديمة بين مكوّناتهِ، وبرأيي فانّ السّبب يعود الى ما يلي؛
١/ التشبّع بالحزبيّة الضيّقة والأنانية القاتلة التي ظلّت تحكم عقليّة كلّ القوى السّياسية الشيعيّة، ولذلك فشلت في أن تلتقي مع بعضِها في منتصف الطّريق، بل انّ الصّراع على النّفوذ والسّلطة ظلّ يتصاعد بشكلٍ اضطرادي حتّى وصلَ به الحال الى ما نراهُ الآن ونلمس ونستشعر ونتحسّس خطورتهُ، وظّفوا فيه كلّ الأدوات المشروعة وغير المشروعة بما فيها الأدوات القذِرة التي تتمثّل بالتقسيط حتى الاخلاقي مِنْهُ ونشر الدّعايات والإشاعات والاكاذيب والتُّهم وتوظيف التّضليل في مختلف وسائل الاعلام وكذلك توظيف السّلطة والمال العام لتحقيق التمدُّد المرغوب لكلِّ فصيلٍ على حساب الفصيل الآخر.
٢/ لقد أَثبتت التّجربة انّ هذه القوى قريبة من المرجعيّة بلسانِها وخطابها وبعيدة كلّ البعد عنها بقلبِها وعقلِها وخُططها، وهي تنضوي تحت مظلّتها اذا خدمت أجنداتها، وتهرب منها وتتمرّد عليها اذا تعارضت او تناقضت مع متبنّياتها التي تعتمد مصالحها الحزبيّة فقط، وهكذا، وكلّنا نعرف قصّة العلاقة بين رئيس مجلس الوزراء السابق والمرجعيّة الدّينية، فبينما كان يعتبر نَفْسَهُ الابن المدلّل للنّجف عندما كان المرجع الاعلى يتعمّد توديعهُ الى باب الدّار عندما يزورهُ، اذا بالمرجع الاعلى يغلق الباب بوجههِ عندما اكتشف انّ الموما اليه يكذبُ عليه ويُحاول خداعهُ، وانّهُ يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول! حتى وصلت به الوقاحة الى ان يشنّ حملة تسقيط واسعة ضد المرجعيّة الدّينية من خلال الشّبكة العنكبوتيّة الواسعة التي شكّلها في مختلف وسائل التّواصل الاجتماعي والتي يصرف عليها من المال العام.
اكثر من هذا فقد دفعهُ جنون السّلطة وغباءهُ السّياسي وأحلامهُ المريضة بالولاية الثّالثة الى ان يتحدّى رأي المرجع الاعلى القاضي بتغييرهِ والبحث عن بديلٍ عَنْهُ كمرشّحٍ لرئاسة مجلس الوزراء في قصّة جوابهِ على رسالة حزب الدّعوة الاسلاميّة المعروفة للقاصي والدّاني، حتى وصل به الحال الى ان يهدّد بفتحِ أبواب جهنّم على العراق عندما بادر (من كلّ عقلهِ) الى تحريك بعض قطعات الجيش في العاصمة بغداد ملوّحاً بتنفيذ إِنقلابٍ عسكريٍّ اذا لم يتّفق الفُرقاء السياسيّين على منحهِ الولاية الثّالثة!.
لقد حاول الموما اليه وقتَها إِخفاء جواب المرجع الاعلى المشار اليه، عندما سعى هو وزبانيتهُ وذيوله من [عَبدَةِ العِجلِ] الى تسويق فكرة انّ قوى خارجيّة واقليميّة لا تُريد الخير للعراق هي التي تُعرقل الولاية الثّالثة، وكأنّهُ القائد الضّرورة والزّعيم الأوحد الذي يمثّل صمّام الأمان ليس للعراقِ فحسب وانّما للتشيّع الذي سيختفي من الوجود ومن خارطة العالم اذا لم يتمكّن من التّجديد لنفسهِ لولايةٍ ثالثةٍ! الا انّهُ اعترف قبل عدة أَيّام في حوارٍ مُتلفز بدورِ المرجع الاعلى في إِفشالِ مسعاهُ للولايةِ الثّالثةِ، من منطلق تقديرهِ للمصلحة العامّة على حدِّ قولهِ!.
٣/ لقد ثَبُتَ بالتّجربة انّ جلّ الزّعماء السياسيّين سمعتُهم أَكبر من واقعهِم، وانّ تاريخهم يختلف عن حاضرهِم، وانّ عقولهُم أَصغر مما كنّا نتصوّر، وانّ إدراكهُم للامور والمصالح العامّة أَقلّ بكثيرٍ ممّا كنّا ننتظرهُ.
إِنّهم وظّفوا التّاريخ الجهادي والمسيرة المضمّخة بدم الشّهادة والهويّة الدّينيّة والانتماء المذهبي لسرقةِ البلادِ والتورّط في فسادٍ ماليٍّ وإِداريٍّ قلّ نظيرهُ في تاريخ العراق الحديث.
كما انّهم وظّفوا الدّعم المرجعي والشّعبي ليخونوا الامانةِ