أخبار عاجلة
الرئيسية / خلونا نسولف / خلونا نسولف

خلونا نسولف

فيينا / الأربعاء 28. 05 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

 رسل جمال

سالوفتنا اليوم شوية فلسفية وقد يستبق البعض الحكم على المقال انها ستكون صعبة المفردات وعصية الفهم، لكن احب ان اطمئنكم انها بسيطة جدا.
ان المتعة عند النظر للسماء في البر وهي تتلألأ بالنجوم، هي متعة رقيقة لايمكن لها او تتوازي مع متعة  متابعة مباراة كرة القدم عبر الشاشات.
كذلك الرائحة التي تنعش انفاسنا عند هطول المطر قد لا تكون زاكية لكنها محببة، كذلك ان الجري على رمال البحر شعور مختلف قد يراه البعض سلوك طبيعي او عادي لا يجذب الانتباه، لكن هو تعبير فطري من الانسان بالانتماء للارض، كلها ظواهر قد تبدو للبعض اشياء صغيرة لا تستحق الوقوف عندها لكن لها الاثر في النفس وهذا ما اود الاشاره له من الجانب المعنوي والنفسي للاشياء، بعيدا عن الحداثة والمادية.
ففي قلب الحضارة الحديثة، حيث تلمع الشاشات الاعلانية في الشارع وتتسارع الخطى، يعيش الإنسان مشدودًا إلى العالَم المادي بكلّ ثقله وجاذبيته، لا تكاد تمر لحظة دون أن يُدفع فيها الفرد نحو المزيد من الامتلاك، والمزيد من الإنجاز، والمزيد من الحضور في مسرح الحياة المادية الصاخبة.
الفرق بين العالمين المادي الملموس والعالم المعنوي او الروحي او المثالي او قل اللاملموس ليس فقط فرقًا في الطبيعة، بل في الرؤية والقيمة، لان العالَم المادي محسوس، ملموس، يمكن قياسه وتوثيقه، وهو ما نأكله،أو نلبسه، أو نسكنه، ونراكمه، وما نجنيه وما يحيط بنا ورغم كثافة وجوده الا انه سرعان ما يزول ويحل محله عالم اخر فلا المكان ولا الزمان والناس نفسهم يبقون هم انفسهم هم في جريان وصيرورة مستمرة.
أما العالَم المعنوي، فهو ما نحسّه دون أن نراه من القيم، الإيمان.. الحب .. الجمال .. المعنى.. والغاية .. والمشاعر و المعتقد والافكار و الذكريات وهي كلها ثابته لا تتغير.
يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت : “العقل البشري لا يستطيع أن يفهم الأشياء في ذاتها، بل فقط من خلال الظواهر.” ومع ذلك، فإن المعنويات، رغم عدم تجسدها،  الا انها تمثل الحقيقة الأعمق التي يبحث عنها الإنسان ، ففي جوهره، الإنسان ليس مجرد جسد يتحرك، بل روح تسعى.
ان الحضارة الحديثة تعمل على تهميش المعنى وتمجيد المادة لذلك  خلق التقدم التكنولوجي والاقتصادي نوعًا من “الانبهار بالحواس”، حيث أصبحت القيم تُقاس بما نملك، لا بما نكون. مما جعل  الإنسان في سباق نحو ماديات الحياة، وهو سباق لا نهاية له. من بيت أكبر، إلى وظيفة أعلى، إلى سيارة أسرع، دون أن يجد في كل هذا ما يشبع روحه أو يمنحه السلام الداخلي.
يرى المفكر العربي مالك بن نبي أن “المشكلة ليست في الأشياء التي نملكها، بل في الفكرة التي تملكنا عنها.” وهذا التشخيص يلخّص أزمة المعاصر ( نحن لا نملك المادة، بل نحن مملوكون لها).

الجري المستمر… إلى اللامكان
إن سعي الإنسان المستمر لمجاراة إيقاع الحياة الحديثة يشبه العدو داخل دائرة مغلقة وهو جري مستمر.إلى اللامكان، وكلما ظن أنه اقترب من السعادة، اكتشف أنها ما زالت أبعد. هكذا يدخل في حلقة لا تنتهي من السعي وراء وهم الرضا.
قال أرسطو: “السعادة هي الغاية القصوى، وكل ما نفعله هو في سبيل الوصول إليها.” لكن هل السعادة تُقتنَى؟ أم تُوجَد في الذات؟
الجواب عند جبران خليل جبران، الذي قال: “ليس التقدم أن تزيد ثروتك، بل أن تقلّ حاجاتك.” فالرضا لا يأتي من امتلاك المزيد، بل من تصالح الإنسان مع ذاته ومع معناه.
ان العالَم المعنوي ليس نقيضًا للمادة، بل هو مكمل لها، وبدونه تصبح الحياة خواءً، مهما زخرفت مظاهرها، وهذا يفسر اعداد المنتحرين في العالم الغربي المتحضر الذي يعاني الانسان في من الخواء المعنوي والعاطفي والتيه والتخبط الفكري والذي يجعل الانسان يصل الى طريق مسدود يسئم معه من الحياة .
إن استعادة التوازن بين العالمين ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية.
علينا أن نعيد الاعتبار للروح، للفكر، للمعنى، أن نخصص وقتًا للتأمل، للقراءة، للحديث الصادق، للصمت. أن لا نسأل “ماذا نملك؟” بل “من نحن؟ وعلينا ان نمتن لما نملك”
في كلمات الفيلسوف طه عبد الرحمن: “الإنسان الحقيقي هو من يسمو على الأشياء، لا من يذوب فيها.”
في الختام وقبل السلام وفي عصر ازدحمت فيه الحياة بالماديات، بات من الضروري أن نعيد ترتيب أولوياتنا،  وان نعيد شحن ذواتنا بالطبيعة الام وأن نمنح العالم المعنوي موقعه الطبيعي في قلوبنا وعقولنا. فالمعنى هو الذي يعطي للمادة قيمة، والروح هي التي تضيء درب الجسد.
لعلنا بذلك ننجو من سباق لا نهاية له، ونعود إلى بساطة الرضا، وعذوبة السلام الداخلي.

*سكرتير التحرير بغداد 

23 . 05 . 2025
جريدة السيمر الاخبارية
www.saymar.orgal
alsaymarnews@gmail.com

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً