فيينا / الأربعاء 28. 05 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
تمكن باريس سان جرمان من تغيير صورته النمطية كناد لمّاع أو فريق النجوم وحسب، التي كانت تلازمه منذ بداية “الحقبة القطرية” في 2011، وذلك بفضل مشروع رياضي متجدد وأداء رفيع المستوى.
وخلال المواجهة في نهائي دوري الأبطال المنتظرة أمام إنتر ميلان في 31 مايو/أيار، سيكون بإمكان رجال المدرب لويس إنريكي ليس فقط التتويج باللقب بل أيضا تعزيز الفوز بقلوب الجماهير الأوروبية.
لطالما ارتبط اسم باريس سان جرمان بجملة من الانتقادات التي تكررت منذ بداية الحقبة القطرية (بعد أن انتقلت ملكيته رسميا إلى سلطة شركة قطر للاستثمارات)، والتي ترى بأنه يبالغ في التركيز على النجوم ويعاني من عدم القدرة على التحرك للأمام والافتقار إلى مشروع رياضي واضح.
لكن بفضل مسيرة مبهرة منذ بداية 2025، نجح النادي الباريسي أخيرا في كسر تلك الصورة النمطية ورسم صورة أخرى تجسّد نقلة جذرية له بعد مسيرة أوروبية “فوضوية”.
فرغم غياب نجومه الكبار عن التشكيلة الأساسية وإقحام المدرب لويس إنريكي تشكيلة شابة لكن متماسكة وذات نزعة هجومية، تمكن النادي ليس فقط من بلوغ نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في تاريخه، بل حتى في تغيير ذلك التصور السائد حوله، سواء داخل أو خارج فرنسا.
دفع هذا التألق مدرب ليفربول أرن سلوت، الذي أُقصي فريقه أمام باريس سان جرمان إلى حد اعتبار الأخير “أحد أفضل الفرق في أوروبا”. بدون أن ننسى أن ليفربول كان بمثابة فزّاعة دوري أبطال أوروبا.
كما أن الثناء على أداء لاعبي نادي العاصمة الفرنسية كان منقطع النظير في الصحافة الأجنبية وعلى شاشات تلفزيونات العالم.
في هذا الصدد، قال حارس مرمى مانشستر يونايتد الأسطوري بيتر شمايكل، الفائز بدوري أبطال أوروبا عام 1999، قبل مباراة الباريسيين الأولى ضد أستون فيلا: “هذه أفضل تشكيلة لباريس سان جرمان رأيتها منذ سنوات. هم المرشحون الأوفر حظا في البطولة”.
بدوره، يتذكر المحلل الرياضي كزافييه باريت في تصريحات لفرانس24: “راجع باريس سان جرمان مشاريعه ومنح الأفضلية للتناسق الرياضي على حساب اللمعان والتألق. بدأ هذا التحول في سياسته الرياضية منذ عامين بقراره عدم تجديد عقد ليونيل ميسي، وبيع نيمار، ثم السماح برحيل مبابي، وإن كان ذلك قد جرى على مضض إلى حد ما”.
من علامة تجارية إلى فريق يحظى بالإحترام
يعتبر لويس إنريكي بمثابة الركيزة والمفتاح لتحقيق هذا التحول الذي بدأ الموسم الماضي. فقد حوّل باريس سان جرمان من مجرد العلامة التجارية إلى فريق يحظى بالاحترام لدى عشاق المستديرة في أوروبا والعالم.
يرى إريك رابساندراتانا، قلب دفاع باريس سان جرمان السابق، بأن الاحترام يُكتسب أولا على أرضية الملعب وفي قلب اللعبة.
ويضيف القائد السابق لنادي العاصمة الفرنسية في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية RFI: “منذ اللحظة التي تفوز فيها على أكبر أندية أوروبا، وبأسلوب لعب مميز، يبدأ الآخرون في النظر إليك”.
وتابع: “وضع لويس إنريكي حيز التنفيذ طريقة لعب منهكة للخصوم. مع وجود كثير من التبادلات بين اللاعبين والمراكز، يجعل هذا الأمر جنونيا. هذا تتويجٌ لعمل بدأ العام الماضي وهو يُؤتي ثماره اليوم”.
ومن السمات التي كانت غائبة لحد ما في أداء لاعبي النادي خلال المواسم الماضية، بشكل خاص: التضامن، الكرم، والانضباط التكتيكي، والتي باتت تتجلى الآن في كل مباراة لباريس سان جرمان. لعل من أبرز الأمثلة على ذلك، ما يقدمه اللاعب الجورجي خفيتشا كفاراتسخيليا البالغ 24 عاما والذي يجمع براعة النقاء الفني والأداء الهجومي العملاق.
يتساءل كزافييه باريت: “هل كان باريس سان جرمان ليضم لاعبا مثل كفاراتسخيليا في فترة ميسي-نيمار؟ قطعا لا. لكن اليوم، هناك تناسق في سياسة التعاقدات. وهو ما يجعل من التشكيلة ودّية لأنها تلعب جيدا ولأنها شابة”.
تذكر صحيفة ليكيب الفرنسية بأن باريس سان جرمان، كونه الفريق الأكثر شبابا في البطولة، قد يصبح السبت (تاريخ نهائي دوري أبطال أوروبا) ثاني أصغر تشكيلة تفوز بالكأس، بعد أجاكس أمستردام في موسم 1994-1995.
ولم يمنع هذا النضج المبكر أن يكون الباريسيون من بين أكثر الفرق خبرة من ناحية عدد المباريات التي خاضوها في دوري أبطال أوروبا. لعل من أبرز رموز هذه الشبيبة الجريئة، ديزيري دويه 19 عاما، أو برادلي باركولا 22 عاما اللاعب الأساسي في خط هجوم باريس سان جرمان مع عثمان ديمبيلي، الذي يعد من جانبه المرشح الأوفر حظا للظفر بالكرة الذهبية في حال تغلب الفريق السبت على إنتر ميلان.
يشرح إريك رابساندراتانا: “حين ننظر إلى هذا الفريق، نرى لاعبين متميزين يعملون سوية ولديهم هدف واحد. تتوافق هذه العقلية الجديدة حتما مع ما تمليه الرياضة الجماعية وعالية المستوى”.
لويس إنريكي: “في الرياضة، الأمر الأهم هو القيم”
يمكن لنادي باريس سان جرمان اليوم أيضا أن يعوّل على قدرة لاعبيه وقوتهم الذهنية حتى في أحلك المواقف، مثلما فعلوه عبر قلب تأخرهم خلال الشوط الأول في مواجهة مع مانشستر سيتي.
تقطع هذه الرزانة والسكينة خلال اللعب مع ذكريات مؤلمة سابقة لـ”الريمونتادا (فوز أو نتيجة غير متوقعة”) في مارس/آذار 2017 أمام برشلونة، وكذا الهزيمة غير المبررة أمام مانشستر يونايتد لاحقا بعد عامين.
على أية حال، فإضافة إلى تمكنه من تأكيد مكانته وهويته الكروية، قام باريس سان جرمان أيضا بتحسين إدارته المؤسفة سابقا خارج الملاعب، والتي ينتقدها مراقبون بشكل دوري. فاليوم، أثبت مدرب الفريق الباريسي أن أيام “المعاملة التفضيلية” وتقييد المدربين بمطالب المالك القطري قد ولّت، مؤكدا على أنه الآن القائد الوحيد على أرض الملعب.
تعقيبا، اعتبر كزافييه باريت بأن “باريس سان جرمان ترك للويس إنريكي حرية اختيار اللاعبين بالتوافق مع مدير رياضي. ومن هذه الناحية، ينبغي التأكيد على أن لويس كامبوس يقوم بعمل رائع، كما فعل في كل مكان مرّ به في السابق، في موناكو وليل”.
بعيدا عن تلك الصورة التي تظهره مغرورا، يبدو أن باريس سان جرمان اليوم يُرسّخ قيما تحظى باهتمام المشجعين: الصرامة، التفاؤل ولكن أيضا شكل من أشكال البساطة، على طريقة لويس إنريكي الذي لا يتردد في ركوب دراجته للذهاب إلى مركز التدريب أو تبادل أطراف الحديث مع الأنصار.
حتى أن لويس إنريكي أكد خلال مؤتمر صحفي عشية مباراة الإياب ضد أرسنال: “هو شيء إيجابي للغاية، لأنها في نهاية المطاف رياضة، وفي الرياضة، الأمر الأهم هو القيم”.
لقد بات العديد من أنصار الجيل الجديد من لاعبي باريس سان جرمان على ثقة، بأن سنوات الجفاف التهديفي وخيبات الأمل الأوروبية قد ولّت بلا رجعة.
في هذا الصدد، صرّح أحد رواد ملعب “بارك دي برانس” لوكالة الأنباء الفرنسية: “هذه أول مرة يرغب فيها الناس، ووسائل الإعلام، برؤية باريس سان جرمان يفوز، لأنه أصبح أقل إزعاجا مما كان سابقا. هذه المباراة النهائية، هي اللحظة البارزة أكثر بالنسبة لشركة قطر للاستثمارات الرياضية”.
من جهة أخرى، يراهن كزافييه باريت على حماسة الشباب الباريسي أمام فريق إنتر ميلان الأكبر سنا. وقال في هذا الإطار: “هذا العام، لا يمكن أن يخسر باريس سان جرمان. أنا متأكد بأنهم سيفوزون”.
يوافقه هذا الرأي إريك رابيساندراتانا: “لو كانت هناك لحظة لفوز باريس سان جرمان بدوري أبطال أوروبا فهي الآن”. وأردف قائلا: “لكن لا شيء مضمون بشكل قطعي. لسنا في مأمن من بطاقة حمراء، إصابة، أو أي شيء آخر. ففي كرة القدم، أحيانا، لا توجد أية جدارة”.
المصدر / فرانس 24
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات