السيمر / فيينا / الثلاثاء 26 . 12 . 2023
بعد أسابيع من العمليات العسكرية المستمرة التي تستهدف القوات الامريكية المتمركزة في العراق، اعلن أخيرا اليوم الاثنين، عن وقوع وللمرة الأولى “ضحايا” من بين صفوف القوات الامريكية بعد تجاوز عدد الهجمات نحو المئة منذ الثامن عشر من أكتوبر الماضي، حيث أعلنت الفصائل بداية عمليات استهدافها للقوات الامريكية ردا على دعم واشنطن المستمر للنظام الإسرائيلي في الحرب التي يشنها ضد القطاع المحاصر.
الإعلان عن وقوع الضحايا والذي رفضت الحكومة الامريكية كشف تفاصيله، بحسب ما بينت الاسوشيتد برس، أوضح ان التهديدات التي أطلقتها واشنطن خلال الفترة الماضية ضد الحكومة العراقية من “تبعات وخيمة” عليها في حال “لم تمنع الفصائل” من استهداف القوات الامريكية ومصالحها في البلاد، وقعت على صمم بحسب ما بينت صحيفة ذا كرايدل الامريكية. الولايات المتحدة والتي قالت الصحيفة انها تعامل العراق على انه “باحتها الخلفية”، وجدت نفسها في موقف “صعب” نتيجة لعدم قدرتها على حماية قواتها في العراق واعتمادها الكامل على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لــ “التوسط والعمل” على إيقاف الاستهداف، امر تضرر بشكل كبير بسبب “التهديدات” الامريكية المستمرة وخصوصا تلك التي أتت عبر رئيس جهاز السي أي ايه الأمريكي ويليام بيرنز. خروج الحكومة العراقية عن “دائرة التأثير” الامريكية وتحول موقفها من المؤثر وراء تحركاتها الى ساعية للحصول على وساطتها، تحدثت عنه الصحف ومراكز التحليل الامريكية، التي اكدت ان التهديدات التي استخدمتها واشنطن والتي وصلت الى حد استخدام الدولار والاقتصاد، تركت موقفها “ضعيفا” امام حكومة بغداد التي اشارت الى انها قد لا تكون “جدية كفاية” في تحقيق تلك الوساطة او منع استهداف قواتها، بحسب وصفها.
التهديدات الاقتصادية والعسكرية.. أمريكا تعامل العراق كــ “باحة خلفية”
شهد الثامن من ديسمبر الحالي، انتقالة جديدة في استهداف المصالح الامريكية في العراق بعد سقوط صواريخ على مقر سفارتها في بغداد بحسب ذا كرايدل، هذا التغير في استراتيجية الفصائل من استهداف القواعد العسكرية، الى استهداف البعثة الامريكية الدبلوماسية بشكل رسمي، رسم توجها جديدا “اقلق” الإدارة الامريكية. خلال الساعات التي تبعت الهجوم، تعرضت الحكومة العراقية الى سيل من التهديدات والتواصل المستمر من الحكومة الامريكية، كان أولها اتصالات هاتفية وزيارة من وزير الخارجية انتوني بلينكن، تبعتها أخرى من وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن، واخرها أتت عبر مدير السي أي ايه الامريكية ويليام بيرنز بما تحمله من تهديد ووعيد. الصحيفة كشفت ان بيرنز “حذر السوداني شخصيا من عواقب وخيمة على الحكومة العراقية في حال لم تنجح بإيقاف الهجمات ضد القواعد والبعثات الدبلوماسية الامريكية وبشكل عاجل”، تبعتها أخرى صدرت عن اوستن ثم بلينكن، وتمخض عنها “وعد” من حكومة الكاظمي بــ “حماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية واعتبار الهجمات ضدها تقويضا للسيادة العراقية”. السوداني أعلن بعد سلسلة التهديدات بحسب الصحيفة، ان الهجمات “تقوض وتهين السيادة العراقية بالإضافة الى تعريض امنها واستقرارها للخطر”، لياتي بعدها اعلان في الرابع عشر من ديسمبر، عن اعتقال عناصر شاركت في الهجمات ضد المصالح الامريكية في العراق من قبل الحكومة، كان من بينهم بحسب الصحيفة، أعضاء يعملون في أجهزتها الأمنية. مصادر من داخل الحكومة العراقية اكدت لصحيفة ذا كرايدل، ان واشنطن بعثت برسائل مستمرة كان معظمها “تهديدات كريهة” لحكومة السوداني، وتضمنت توعدا بــ “فرض عقوبات اقتصادية على العراق، بالإضافة الى تنفيذ تدخل عسكري مباشر داخل البلاد ضد الفصائل في حال لم تتمكن حكومة السوداني من إيقاف أنشطتها ضد المصالح الامريكية”. التهديدات بحسب تصريحات المسؤولين العراقيين للصحيفة تضمنت أيضا “تلاعبا بتدفق الدولار الى العراق لفرض ضغط على حكومة بغداد، بالإضافة الى التهديد بسحب الشركات النفطية الامريكية من العراق وترك حقولها دون بديل”، امر قالت انه سيترك تاثيرا سلبيا كبيرا على الوضع الاقتصادي العراقي. الباحث السياسي عماد الاطرشي صرح للصحيفة، بان واشنطن باتت تتعامل مع العراق على انه “باحتها الخلفية”، موضحا “تستخدم واشنطن الان العقوبات الاقتصادية والتهديدات بالتدخل العسكري لزعزعة قرارات بغداد والتاثير على علاقاتها الأجنبية، الامر الذي يتطلب موقفا حازما من حكومة بغداد يواجه العداء الذي تظهره أمريكا ضدها الان”، بحسب وصفه. الضغوط والتهديدات الامريكية بحسب الصحيفة، خلقت “شقاقا وهوة” داخل الحكومة العراقية التي وجدت نفسها بين فريقين، مرتبطان بالإطار التنسيقي الذي خرجت من لدنه حكومة السوداني، الأول يدعوا الى مواجهة الضغط الأمريكي وعدم الانصياع له، واخر يعارض أي مواجهة ضد واشنطن حتى وان كانت دبلوماسية.
شقاق داخلي واستهداف خارجي.. واشنطن قد لا تملك اليد الطولى
الخلافات الحالية داخل الحكومة العراقية وخصوصا بين جهات الاطار التنسيقي المسيطرة الان على مقاليد السلطة، تركت اثرها على الوساطة والجهود التي تقوم بها للحد من تاثيرات الازمة بين الفصائل والقوات الامريكية والمستمرة منذ بدا الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في الثامن عشر من أكتوبر الماضي. الحكومة العراقية والتي قال مركز جاكوبن فاونديشن للدراسات والبحوث انها تعرضت وبشكل متعمد الى “التفتيت المستمر والمتعمد من قبل واشنطن الى جهات طائفية وأحزاب مذهبية”، لم تستطع اتخاذ موقف حازم وموحد حتى اللحظة حول التعامل مع التهديدات الامريكية من جانب، وإصرار الفصائل النشطة داخل العراق على استهدافها حتى “إيقاف إسرائيل الهجوم على قطاع غزة”، بحسب ما أعلن عنه بعض القادة في حديث لصحيفة ذا كرايدل. الصحيفة اكدت أيضا ان محاولاتها المستمرة للحصول على تصريحات من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حول الازمة الحالية ونواياه المقبلة لإيقاف الهجمات على القوات الامريكية واعتقال المنفذين، ووجهت بالرفض التام امام مطالب الكشف عن التفاصيل او احتمالية وقوع “مواجهة بين الحكومة والفصائل”، بحسب تعبيرها، مضيفة “بكل حال حصلنا على توضيح فقط من المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، والذي اخبرنا بان الوجود الأمريكي العسكري في العراق ضمن قوات التحالف له مهمة تتمحور حول التدريب وتقديم الاستشارة للقوات العراقية”، متابعا “استهداف هذه القوات خارج المؤسسة العسكرية العراقية الرسمية يعتبر فعلا خارجا عن القانون”، بحسب وصفه. موقف العوادي عارضه اخر صدر عن عضو اللجنة البرلمانية للامن والدفاع وعد قدو، والذي اكد للصحيفة “ان المقاومة الإسلامية هي جزء من البناء السياسي والأمني في العراق، وبدونهم فان العراق لن يكون محررا من داعش وتلك الهجمات لن تكون قد وقعت ضد القوات الامريكية أساسا”. تصريحات القدو والعوادي قالت الصحيفة انها تبين بشكل واضح “التضارب والشقاق الحالي في موقف الحكومة العراقية”، متابعة “تصريحات أخرى اكدت هذا التباين في المواقف صدرت عن تحالف الفتح الذي يقوده هادي العامري، والذي اكد قائد تحالفه السياسي علي حسين لذا كرايدل ان الضربات التي توجه لواشنطن الداعمة لإسرائيل هي رد فعل طبيعي جدا ومتوقع”. الحكومة العراقية بحسب الصحيفة ومركز جاكوبن فاوديشن وجدت نفسها واقعة بين الخلافات الحالية وغير قادرة على تحقيق وفاق فعلي ونهائي حول ما يجب ان تتخذه من موقف ضد الأمريكيين او الفصائل النشطة في البلاد، مشددة انها وعلى الرغم من ذلك، فقد قامت بدور وساطة فعلي. تلك الوساطة وصلت الى “مستويات حيوية” من الأهمية بعد تنفيذ الفصائل ضربات عابرة للحدود استهدفت ايلات الإسرائيلية بحسب صحيفة جيروسليم بوست التي اكدت ان الطائرات المسيرة التي اطلقت من داخل العراق، تم “اعتراضها” من قبل الدفاعات الجوية الأردنية، متهمة الحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء تنسيق تلك الهجمات من داخل العراق مستعينا بالفصائل، بحسب وصفها.
الفصائل توافق على هدنة.. أربعة ترفض و”ضحايا” أمريكيين يسقطون
الحكومة العراقية قامت بدورها بتقديم وساطة للامريكيين لدى الفصائل بحسب ذا كرايدل التي قالت ان مصادر داخلية خاصة بها كشفت لها عن وقوع تلك الوساطة فعلا على الرغم من الخلافات الكبيرة بين اطراف الحكومة العراقية حول التعامل مع الازمة بين الفصائل والوجود الأمريكي. الصحيفة وعبر مصدرها الخاص، اكدت ان الفصائل المسلحة وبجزء كبير منها، اقتنعت بوساطة الكاظمي ووافقت على عدم تنفيذ أي عمليات استهداف مستقبلية ضد القوات الامريكية، الا ان أربعة منها “رفضت وبشكل واضح”، واضعة شروطا امام الموافقة على وقف اطلاق النار ضد المعسكرات الامريكية. فصيل انصار الله الاوفياء، حركة النجباء، الوية سيد الشهداء وحزب الله، رفضوا وساطة الكاظمي بحسب الصحيفة، مؤكدة ورود تصريحات عن بعض مسؤوليها حول موقفهم الرسمي، كان ابرزها ما اعلنه قائد كتائب سيد الشهداء أبو الاء الولائي، والذي حصلت ذا كرايدل على تصريح من مكتبه الخاص اعلن خلاله “احترام الكتائب كافة الوسطاء والوساطة التي قامت بها الحكومات للتواصل مع المقاومة وقادتها”، متابعا “نحن نؤمن بحركة بعض القادة السياسيين لكن هذا الامر لا يمكن النقاش به حتى إيقاف الحرب والازمة في قطاع غزة”، في إشارة الى طلب إيقاف استهداف القواعد والمصالح الامريكية. وعلى الرغم من رفض الفصائل الأربع عروض الهدنة واستمرار الخلافات داخل حكومة السوداني، الا ان إشارات صدرت من بعض الساسة من بينهم قائد تحالف النصر عقيل الرديني، الذي قال ان الحكومة “تملك موقفا حازما وواضحا ومعلنا في الأمم المتحدة حول الازمة في غزة، وتحاول الان استغلال علاقاتها مع واشنطن لحل المعضلة وتخفيف معاناة الفلسطينيين من جانب، ورفع الحرج عن فصائل المقاومة من جانب اخر”، بحسب وصفه، مؤكدا ان حكومة السوداني ستستمر بــ “اتخاذ ارض وسطى بين الطرفين”. مسؤول تحالف النصر اكد أيضا ان على واشنطن ان “تتفهم غضب العراقيين” والذي عبروا عنه من خلال التظاهر المسلح والسلمي من وقت لأخر، بحسب وصفه. الباحث الأمني والاستراتيجي فاضل أبو رغيف اكد للصحيفة ان واشنطن باتت “تصعد” من ضغوطها على الحكومة العراقية لايقاف الهجمات ضد قواعها على الرغم من فقدانها جزء مهم من الدعم داخل بغداد نتيجة لتلك الضغوط، في إشارة الى التهديدات التي تطلقها واشنطن، امر أكده أيضا الباحث في مركز البحوث السياسية احسان الشمري، الذي عبر للصحيفة عن عدم وجود امل كبير فعلي في ان تحقق الوساطة أي نجاح كون أسباب استهداف الفصائل للوجود الأمريكي “متعددة ومستمرة”. الشمري توقع أيضا ان تفشل جهود الوساطة بإيقاف الحرب المتصاعدة ضد الأمريكيين حاليا في العراق على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تفرضها واشنطن على بغداد. حتى اللحظة، فان القوات الامريكية وبحسب الاسوشيتد برس، تعرضت الى ما يزيد عن المئة هجمة منذ أكتوبر الماضي، قادت أخيرا في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، الى وقوع “ضحايا” أمريكيين، بحسب ما اعلنه مسؤول رفيع المستوى في القيادة الامريكية للوكالة دون الكشف عن هويته. الان وبعد وقوع ضحايا أمريكيين وتراجع جهود الوساطة نتيجة لفقدان واشنطن حظوتها لدى بغداد بعد تعاملها “بالتهديد والوعيد” ضد العراق الذي ترى فيه “باحة خلفية لامريكا”، فان ما يحمله المستقبل حول ما اذا كانت واشنطن ستنفذ تهديداتها ضد بغداد التي توعدت بها في حال وقوع “ضحايا” أمريكيين، وما سيحمله تنفيذ تلك التهديدات من تبعات على علاقة واشنطن ببغداد ورد فعلها، ما يزال قيد الترجيح، خصوصا مع رفض المسؤولين الأمريكيين الكشف عن تفاصيل وقوع الضحايا في الضربة الأخيرة التي طالت معسكرا يضم قواتها قرب مطار أربيل، مكتفين بالإعلان عن قيامهم بــ “تقييم للخسائر”، قد يكون الهدف منه منع الكشف عن وقوع الضحايا وبالتالي احراج واشنطن نحو تنفيذ وعيدها ضد بغداد، والذي سيؤدي بالتأكيد الى نتائج سلبية كبيرة على العلاقات بين الطرفين ،قد تتسبب بنتيجة عكسية تتصاعد معها نسبة الهجمات ضد القوات التي وصفتها وسائل اعلام أمريكية ومراكز تحليل في وقت سابق بانها “ضعيفة” في العراق، وبحسب ما أوردت المطلع في تقرير سابق.
المصدر / المطلع