الرئيسية / مقالات / نسخة الى الاستاذ جاسم الحلفي والاستاذ احمد عبد الحسين / عن التيار المدني الذي هو غير مدني بالمطلق!

نسخة الى الاستاذ جاسم الحلفي والاستاذ احمد عبد الحسين / عن التيار المدني الذي هو غير مدني بالمطلق!

السيمر / الخميس 11 . 08 . 2016

عامر بدر حسون

يمكن القول، بين الجد والمزاح، ان التيار الصدري استكمل تأثيث كيانه بما يلزم:
– تيار عسكري اسمه “سرايا السلام”.
– تيار عقائدي ملتزم بقيادة السيد مقتدى الصدر، صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في تياره دون منازع.
– تيار اقتصادي واعلامي كما هو شان بقية الاحزاب.
– تيار مدني (جاء جاهزا هذه المرة) هو المعروف منذ فترة بالتيار المدني!
ودفعا للالتباس فان التيار المدني الذي اقصده هو التيار الذي يقوده السيدان جاسم الحلفي واحمد عبد الحسين!
***
التيار المدني التحق (على ارض الواقع) بالتيار الصدري واصبح من الصعب التفريق بينهما في الاقوال والافعال. اقول هذا رغم الزعم انه مستقل وان التيار الصدري هو من التحق بهم في التظاهرات!
اعرف ان نوايا ومكونات وافكار التيار المدني مختلفة نظريا عن التيار الصدري. لكن العبرة بالافعال وليست بالاقوال. وما قدمته افعال التيار المدني هنا يمكن تلخيصه بالاتي:
– الموافقة والمساهمة العلنية في اقتحام المنطقة الخضراء واقتحام البرلمان ومجلس الوزراء.
– الهجوم على مقار الاحزاب وتخريبها واغلاقها. لست متاكدا في الحقيقة ان كان التيار ساهم فعليا بهذه العمليات ام لا، لكن منشورات السيد احمد عبد الحسين تهوّن من شانها وتوافق عليها.
بودي ان اضع هنا نص منشور للسيد احمد عبد الحسين نشره على صفحته بتاريخ 11-6-2016 كمصدر لما اقول:
***
(خلل
أولا:
يمسك المقاتل العراقي بالداعشي فيصفعه راشديين اثنين ليصوره موبايل ما وينشر الفيلم فتقوم القيامة ويغدو المقاتل لا الداعشيّ مداناً ويصدر “اتحاد القوى العراقية” بياناً يعتبر ما حدث جريمة حرب!
ثانياً:
يمسك المتظاهر علبة سبري ويكتب على مقر حزب فاسد “مغلق بأمر الشعب”، ويطلق الرفاق عليه النار، ومع ذلك يصبح المتظاهر، لا الحزب الفاسد، مداناً، ويصدر “اتحاد القوى الفيسبوكية” بياناً يعتبر فعل المتظاهر جريمة حرب.
ثالثاً:
هناك خلل في الضمير.)
***
واذ اتفق مع السيد احمد عبد الحسين، كليا، ان هناك خللا في الضمير فبودي ان اضيف ان هناك خللا فكريا ايضا وهو لا يقل خطورة عن الخلل في الضمير.
ورغم انني لست بصدد مناقشة المنشور لكنني في الواقع لا استطيع المرور على ماجاء فيه من تهاون في قضية الضمير، عندما اختصر جرائم الحرب التي حصلت بانها مجرد “راشديين من مقاتل عراقي لداعشي”!
هل الامر هكذا حقا؟
هل الذين ضربوا واهينوا وتعذبوا دواعش؟
حتى رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء وهيئات دولية اعترفوا بوجود انتهاكات وجرائم ضد النازحين.. جرائم قتل وتعذيب واهانة وهناك لجان للتحقيق فيها. وهي جرائم بالمناسبة تخص مرتكبيها ويجب ان تتم ملاحقتهم حتى ينالوا العقاب العادل.
لكن ان يقوم احمد عبد الحسين باختصار الجريمة المعلنة الى مجرد “راشديين” لداعشي فتلك ام الكوارث!
***
من اين اخذ السيد احمد عبد الحسين افكاره، كاحد قادة تظاهرات التيار المدني؟
احمد عبد الحسين يمثل شريحة من الشباب التي ولدت ودرست في زمن البعث.
والمصيبة الاكبر في مدرسة البعث هي المفاهيم التي قدمتها للعراقيين عن انفسهم وعن الاخرين وعن السياسة ومفاهيمها.. وهي مدرسة تحتقر فكرة الديمقراطية وتؤمن بفرض الراي بالقوة، وقد سمع جيلنا صدام وهو يقول انه مستعد للتضحية بعدة ملايين (قتلا) ليحصل على شعب مطيع ومناسب له!
***
احمد عبد الحسين، المثقف والشاعر والصحفي والثائر تعرض الى هذه المفاهيم، لكنه كان ايضا شجاعا وبطلا فرفضها ودفع ثمن الرفض غربة وتشردا.
كانت بداية التشرد في ايران، ولعله دخل الحوزة ودرس فيها، لست متاكدا من هذا، لكن الخيارات امام العراقيين الهاربين كانت قليلة وقاسية.
اتقن في ايران اللغة الفارسية وترجم عنها. لكنه رفض الخضوع لصرامة الحياة وتقييد الفكر هناك، فكانت محطته التالية دمشق.
في دمشق اختبر احمد عبد الحسين حياة مختلفة وتعرف على افكار جديدة واصدقاء مختلفين وسجل نجاحات لا شك فيها. وعمل لفترة طويلة او قصيرة في “نداء الرافدين” الجريدة التي كان يصدرها بيان جبر (باقر جبر) في دمشق للنطق باسم المجلس الاسلامي الاعلى.
وفجاة اصبح احمد عبد الحسين في كندا شانه شان كثير من العراقيين في البحث عن الماوى والحرية.
وما ان سقط نظام صدام حسين حتى عاد الى العراق ونشط في العمل الصحفي والاعلامي، وهو ترك منذ فترة العمل الاعلامي وتفرغ للعمل السياسي في قيادة تظاهرات المدنيين.
***
وسيرة احمد عبد الحسين كما ترى سيرة مشرفة لمثقف وسياسي ثوري.
لكن الحياة ليست “سيفي” يقدم لها وينتهي الامر، ففي كل لحظة علينا ان نراجع افكارنا ونتلمس خطواتنا ونرى الى اية عقلية ننتمي وماذا نريد وكيف نحققه؟
دخل احمد عبد الحسين لعبة السياسة، والسياسة تحتاج الى شعارات والى تحالفات ومواجهات، والشخص الناجح والشريف هو من يبقي عينه مفتوحة على الاهداف النبيلة التي انطلق منها وان لا يسمح لتحالفاته وعداواته في التاثير على جوهره واحكامه وموقفه.
لكن احمد عبد الحسين تغير.. تغير كثيرا في الواقع، فهو يرى في جريمة حرب معترف بها رسميا “مجرد راشديين على رقبة داعشي”! وهو يرى في الهجوم على مقرات احزاب وتحطيمها مجرد (علبة سبراي حملها متظاهر وكتب بها على المقرات الحزبية مغلق بامر الشعب) وهو يرى في اقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان ومجلس الوزراء اعمالا مدنية سلمية!
كيف وصل الى هذا؟
***
لنعد لمنظومة احمد عبد الحسين الفكرية، ومنظومة العراقيين عموما من ابناء جيله، وسنرى انها تؤمن بالعمل الثوري، سواء كانت قومية ام اسلامية ام علمانية.
ويبدو ان الثوري عندنا، فردا ام حزبا، ينظر باستهانة واحتقار للعمل المدني الحضاري (الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني ومن يؤيدها ويساندها فيه) العمل في هذه المنظمات قائم على احترام القوانين، حتى ان لم يحترمها الاخر، وهي تؤمن باعمال الكناسة والتثقيف والتدريب وتقديم الخدمات بغض النظر عمن يتلقى تلك الخدمات. وهي تؤمن قبل هذا وذاك بسلمية عملها البنّاء وابتعادها عن العمل الحزبي او السياسي المباشر.
لكن هذه المباديء النبيلة ومنظماتها يمكن ان تستغل اسوا استغلال، فهي عند السيئين باب للارتزاق او الوجاهة. لكن اخطر انواع الاستغلال يحصل عندما ياخذ صفتها واسمها اناس ثوريون يؤمنون بالاعمال الثورية العنيفة ولا يرون ضيرا من استخدام اسوأ الوسائل لتحقيق “انبل” الاهداف. وهو ما فعله “التيار المدني” الذي يسهم في قيادته احمد عبد الحسين.
***
السيد جاسم الحلفي له وضع مختلف في هذا النقاش، فهو اصلا ثوري بامتياز، وله تاريخ مشرف ايضا في محاربة نظام صدام حسين، وهو قائد في الحزب الشيوعي العراقي.
ولست متاكدا ان كان في الحقيقة يمثل نفسه ام يمثل الحزب الشيوعي في المساهمة بقيادة التظاهرات؟
ساتوقف عند هذا عندما اتاكد من صفته الرسمية في التظاهرات، فيكون النقاش معه او مع الحزب الشيوعي العراقي. لكن الاسئلة الموجهة للسيد احمد تعنيه باعتباره شريكا في القيادة.
***
هل ان الاوان لمراجعة الذات والنظر الى نقطة البداية للتظاهرات المدنية، المستقلة، وما انتهت اليه؟
الم يحن الاوان لتحديد صفة التظاهرات والمنطلقات الفكرية التي تنتمي لها؟
ايها السيدان!
ايها الصديقان (ان سمحتما لي بالتذكير بالصداقة)!
المكان الذي وصلتما اليه هو غير المكان الذي وعدتما به الناس، وليس عيبا التوقف قليلا للتاكد ان كان هذا هو ما اردتماه في الخطوة الاولى.

اترك تعليقاً