فيينا / الأثنين 15 . 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب واقعة الطّف للمؤلف أبو مخنف الازديي: قال محمّد بن بشر الهمداني: اجتمعنا في منزل سليمان بن ُصرد الخزاعي فخطبنا، فقال: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً عليه السّلام قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكّة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ؛ فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه، فاكتبوا إليه، وإنْ خفتم الوهل والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه. فـقالوا: لا، بل نقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا إليه. فكتبوا إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي، من سليمان بن ُصرد والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شدّاد، وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك: فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة، فابتزّها وغصبها فيئها، وتأمر عليها بغير رضى منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود. إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ، والنّعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إنْ شاء الله، والسّلام عليك ورحمة الله. ثمّ سرّحنا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني وعبد الله بن وال التميمي. فخرج الرجلان مسرعين حتّى قدما على الحسين عليه السّلام بمكّة، لعشر مضين من شهر رمضان. ثمّ لبثنا يومين، ثمّ سرّحنا إليه قيس بن مسهر الصيداوي (الأسدي، رجع إلى العراق مع مسلم بن عقيل عليه السّلام، فلمّا تضايق به الأمر في بطن المضيق، أرسله بكتابه إلى الحسين عليه السّلام 5 / 354، فرجع مع الإمام عليه السّلام حتّى بلغ بطن الحاجر، فبعثه بكتابه إلى أهل الكوفة حتّى انتهى إلى القادسيّة، فأخذه الحصين بن تميم التميمي فبعث به إلى ابن زياد، فأمر به فرمي من فوق القصر فقُطّع فمات (رحمه الله) 5 / 395. فلمّا بلغ الحسين عليه السّلام إلى عذيب الهجانات، بلغه خبره فترقرقت عيناه ولمْ يملك دمعه، وقال: “فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ” (الأحزاب 23). اللهمّ، اجعل لنا ولهم الجنّة نزل، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ورغائب مذخور ثوابك 5 / 405) وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي وعمارة بن عبيد السّلولي، فحملوا معهم نحواً من (مئة) وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة.
وعن موقف عمرو بن سعيد الأشدق يقول أبو مخنف الازديي في في كتابه واقعة الطّف: و لمّا خرج الحسين عليه السّلام من مكّة اعترضه رُسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد. فقالوا له: انصرف، أين تذهب؟ فأبى عليهم. وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسّياط، ومضى الحسين عليه السّلام على وجهه. فنادوه: يا حسين، ألاَ تتّقي الله، تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الاُمة فتأوّل حسين عليه السّلام قول الله عزّ وجلّ: “لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ” (يونس 41) قال علي بن الحسين بن علي عليهما السّلام: (لمّا خرجنا من مكّة كتب عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب إلى الحسين بن علي عليه السّلام مع ابنيه عون ومحمّد: أمّا بعد، فإنّي أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي ؛ فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي تتوجّه له أنْ يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إنْ هلكت اليوم طفيء نور الأرض ؛ فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسّير، فإنّي في أثر الكتاب، والسّلام).
ومن المنازل (البيضة) يقول أبو مخنف الازديي: و بالبيضة خطب الحسين عليه السّلام أصحابه وأصحاب الحرّ: فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: (أيّها النّاس، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله، ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلمْ يُغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله. ألاَ وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركو طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلال الله، وأنا أحقّ مَن غيّر. قد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم، أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإنْ تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أسوة، وإنْ لمْ تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم! والمغرور من اغتّربكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم: “فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ” (الفتح 10) وسيُغني الله عنكم، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته). وأقبل الحرّ يسايره، وهو يقول له: يا حسين، إني أذكّرك الله في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقتلنّ، ولئن قُوتلت لتهلكنّ فيما أرى. فقال له الحسين عليه السّلام: أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أنْ تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك؟ ولكن أقول: كما قال أخو الأوس لابن عمّه، ولقيه وهو يُريد نصرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال له: أين تذهب، فإنّك مقتول؟ فقال: سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما وآسى الرجال الصالحين بنفسه * ممّا وفارق مثبوراً يغش ويُرغما. فلمّا سمع ذلك الحرّ منه تنحّى عنه.
ومن المنازل (عذيب الهجانات) يقول أبو مخنف الازديي في كتابه: عذيب الهجانات، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم، يجنبون فرساً لنافع بن هلال، ومعهم دليلهم الطرّماح بن عدي على فرسه. فقال الحسين عليه السّلام: (أمَا والله، إنّي لأرجو أنْ يكون خيراً ما أراد الله بنا، قُتلنا أمْ ظفرنا). وأقبل الحرّ بن يزيد، فقال للإمام عليه السّلام: إنّ هؤلاء النّفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادّهم. فقال له الحسين عليه السّلام: (لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني أنْ لا تعرض لي بشيء حتّى يأتيك كتاب من ابن زياد). فقال الحرّ: أجل، لكن لمْ يأتوا معك. قال الحسين عليه السّلام: (هم أصحابي، وهم بمنزلة مَن جاء معي، فإنّ تممت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك). فكفّ عنهم الحرّ. ثمّ قال لهم الحسين عليه السّلام: (أخبروني خبر النّاس وراءكم؟). فقال له مجمّع بن عبد الله العائذي، وهو أحد النّفر الأربعة الذين جاؤوه: أمّا، أشراف النّاس، فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائزهم، يستمال ودّهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألب واحد عليك ؛ وأمّا سائر النّاس بعد، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك. قال عليه السّلام: (أخبروني، فهل لكم برسولي إليكم؟). قالوا: مَن هو؟ قال: (قيس بن مسهر الصيداوي). قالوا: نعم، أخذه الحصين بن تميم فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد أنْ يلعنك ويلعن أباك فصلّى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه، ودعا إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فأُلقي من طمار القصر. رقرقت عينا الحسين عليه السّلام ولمْ يملك دمعه، ثمّ قال: “مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً” (الأحزاب 23) اللهمّ، اجعل لنا ولهم الجنّة نزلاً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك، ورغائب مذخور ثوابك).