فيينا / الجمعة 11. 10 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
ابراهيم الامين / لبنان
هي الحرب المفتوحة، حيث لا يملك العدو فيها سوى سلاح القتل. لا شيء غير القتل. والقتل بهدف إلغاء كل أشكال الحياة. حياة الناس العاديين، منازلهم، أعمالهم، أرزاقهم، مدارسهم، أشغالهم، وكل المطارح التي تسمح لهم بالحياة.
القتل، لكُل ما فيه حركة أو أثر لحياة، قتل القادة، والمُقاومين، وقتل الناس الذين قرروا المُقاومة، والاستمرار في المُقاومة، قتلهم، لأن العدو، لا يجد حلاً مع هؤلاء، سوى بإبادتهم، وإزالة كُل أثر لهم عن هذه الأرض.
هي الحرب.
حيث لا يبقى لنا من جدران سوى قاماتنا، لكن هويتنا تبقى قائمة. وفينا الوجوه التي لا تختفي، والتي لا تهرب، والتي تعرف أنها تُمثل الذاكرة، وتُمثل الحاضر، وتُمثل كل ما يخيف الغزاة.
ولأنها الحرب، ها نحن هنا، باقون في أمكنتنا الحقيقية، ومُستمرون برفع الصوت، ليس بوجه المُجرم المُتجول في كل الأنحاء، بل برفع الصوت أعلى، في وجه كُل الذين باعوا أنفسهم للأعداء. وهم الذين فعلوا ذلك مُنذ عُقود، إن لم يكن أكثر. وعندما اختفوا قليلاً عن المشهد، تبين أنهم كانوا يشحذون السكاكين. ولأن الغبي لا يُغيّر في طبيعته، ولا حتى في سلوكه، فهو سريع الانفعال، وسريع العطب أيضاً. وهؤلاء، ليسوا أجساماً من كواكب بعيدة. هم، مع الأسف، من أبناء هذه الأرض. لكن تاريخهم، كان صورة طبق الأصل، عن صورة المُجرم الأصلي، وهم كانوا وسيبقون مُجرد عملاء، صغار، وتفه!
العدو، الذي فعل ويفعل ما يفعله في فلسطين. والذي فعل ويفعل ما يفعله في لبنان، والذي يستعد لأن يُكمل فعله في سوريا والعراق واليمن وإيران، هو نفسه العدو، الذي يُريد أيضاً القيام بما هو أكثر، في الدول التي يعتقد أنها حلقة له. وهذا الأردن لم يعد أمامه من خيار سوى القبول بأن يكون الوطن البديل لأهل فلسطين. وهذه مصر، يُريدون لها أن تكون كعجوز لا يقوى على الحراك، وممنوع عليه قول لا. أما الخليج، فليس لدى العدو من فكرة لحكمه، إلا على طريقة محمد بن زايد، وفقط محمد بن زايد.
أحلام العدو، هي أحلام الاستعمار العالمي. وإسرائيل، مهما تصرفت باستعلاء وعنجهية، تبقى الأداة القذرة، لكُل الغرب الرأسمالي الذي لم يشبع من دماء الشعوب وثرواتها. وكل هؤلاء يعتقدون أن بمقدورهم اليوم تحقيق ما فشلوا في إنجازه خلال ثلاثة عُقود. تلك الخطة التي انطلقت يوم سقط الاتحاد السوفياتي. وهم لذلك، يُمارسون أقسى ما يُمكنهم القيام به، وهو القتل.
ها هي غزة. عام من كل أنواع التوحش والقتل الأعمى، أكثر من 60 ألف شهيد معروف أو مفقود، وأكثر من مئة ألف مُصاب، وكل المنازل، كل المنازل أُصيبت ومع ذلك، ليس بمقدور العدو اقتلاع الناس من الأرض. والمهزوم فقط من يعتبر فعل العدو هو الانتصار. والمهزوم فقط هو من لا يجد في صُمود الناس قوة، وقوة هائلة من أجل الانتصار. هو مهزوم، ولا مكان له بيننا.
الآن، ينتشر المئات وخلفهم المئات وخلفهم الألوف من المقاومين، الذين يعرفون أن البقاء في الأرض، هو أصل المُقاومة. وأن الموت من أجل هذه الأرض هو عنوان المُقاومة. وأن طهارة هذه الأرض هي انتصار المُقاومة.
في لبنان اليوم، عودة إلى المشهد الحقيقي للانقسام، لكنه ليس انقساماً بين نصفين. هو فرز، وأشبه بانعزال أقلية عن الأغلبية. وهي أقلية، تُحاول أن تُكرر مشهد العام 1982. هي أقلية بكُل ما تعنيه الكلمة من معنى. أقلية على مُستوى العدد. وأقلية على مُستوى التنظيم. وأقلية على مُستوى القدرة الاقتصادية والاجتماعية. وأقلية لا تملك الشرعية التي تسمح لها بالنمو. وهي تضمر كُل الأشياء البالية. لكنها، أقلية مجنونة، مغامرة، مسكونة بهاجس التفوق. ومُستعدة لتكرار تجارب الماضي. ومُستعدة للتضحية بمن تبقى معها، غصباً عنهم أو حتى بإرادتهم. هي أقلية، تعتقد أن هذه الحرب ستُعيد إليها السطوة على مُقدرات البلاد. وهي أقلية غبية، لا تعرف معنى التغيير الذي يحصل في التاريخ.
من يعتقد في لبنان، سواء كان مسؤولاً في أي مُؤسسة رسمية، أو قائداً سياسياً، أو مجموعة أو تنظيم، وبأي لبوس كان، سياسيا أو طائفيا، مدنيا أو عسكريا، من يعتقد من هؤلاء، أن هذه الحرب ستُعيد لبنان إلى الزمن الإسرائيلي، فهو مجنون. وهو أكثر غباءً عندما يعتقد أن العدو يعمل عنده. وإذا كان اللبنانيون، باسم العيش والتسامح، تهربوا من كتابة التاريخ الحقيقي لهذا البلاد البائسة، فإن العدو، كتب وحلل وروى تاريخه العسكري والسياسي في لبنان. وهذا الأرشيف مفتوح لمن يُريد أن يفهم. حيث يُجمع كل من عمل من الكيان في ملف لبنان، عسكرياً كان، أو رجل أمن أو سياسياً. كل هؤلاء كتبوا وشرحوا ووصلوا إلى خُلاصة واحدة. لقد توهّم بعض اللبنانيين أنهم حلفاء لنا، لكننا نحن، كنا أكثر وهماً، عندما أعتقدنا أن بوسعهم إنجاز المهمة.
هذه البلاد، لم تعد مساحة لكي يُفرغ العالم قذارته فوقها، وهذه أرض لا تسمح للاحتلال بأن يعيش أو يستريح. لكن، قبل ذلك وفوقه، هي بلاد ستلفظ العملاء، وهذه المرة ستفعل ذلك بقسوة، علّ العالم يفهم معنى المقاومة.
وهي ليست التجربة الأولى مع أُوُلئك، الذين يغرقون، شخصياً، ويغرقون معهم، كل من حولهم، في نقاشات حول السبب والمُسبب. وكأن هؤلاء، لا يعرفون حقيقة إسرائيل، وحقيقة أميركا، وحقيقة أوروبا الإستعمارية. هؤلاء من نخب نسبوا لأنفسهم صفات أهل الفلسفة والتاريخ وعلم الإجتماع، ونصبوا أنفسهم أساتذة في العلوم السياسية، ونراهم في المحطات الحاسمة، مٌجرد أصنام، مثل شواهد القبور، لا يعرفون سوى البحث عن خلاصهم الفردي.
في العام 1982 سقط كثيرون من هذا الصنف. وتاهوا في عواصم العالم بحثاً عن ملاذ آمن. وعندما عادوا إلينا بعد إنهزام إسرائيل صاروا يتلون آياتهم حول حقوق الإنسان، والتوازنات الدولية، وأهمية إستقطاب الرأي العام في العالم. وطلبوا منا تغيير خطابنا، وحولوا المُناضل إلى ناشط يلتزم برنامج من برعاه، سواء كان أكاديمياً، أو فاعلاً في مُؤسسات المُجتمع، صار هؤلاء، يتحدثون عن الفردية كعلاج في مُجتمعات مُعقدة. وصاروا يسقطون كل ظواهر الحياة في الغرب على سلوكياتهم، وعلى أنماط عيشهم هنا، وعندما تأتي على ذكر الاستعمار والإحتلال والطغيان، يُمارسون أبشع أنواع التبعية، وبدل أن يكونوا أكثر صراحة في خضوعهم للمشروع الغربي، ثقافة وسياسة وأقتصادا وفهما اجتماعياً، صاروا ينتقدون رافضي الهيمنة، ويقولون عن الدعوات إلى المقاومة، بأنها لغة خشبية تقود إلى البؤس والانهيار، ثم يعرضون أمثلة، مُتحدثين عن دول مثل كوبا وكوريا وفنزويلا وإيران وسوريا واليمن، كأنها دول خلقت لتكون بائسة، لا يريد هؤلاء الحديث عن نتائج الاستعمار ونهب الثروات. لكن، هلا يشرح لنا هؤلاء، كيف سيكون عليه الوضع في مدن مثل باريس أو لندن او نيويورك لو حُوصرت، ومنع عنها الفيول لانتاج الكهرباء والطاقة أو توزيع المياه؟
هذه الفئة من البشر، هي جزء من الأقلية التي لم تعد تخجل من الدعوة جهاراً نهاراً إلى الإستسلام. وصاروا من ضمن الفرقة التي تصلي لأن تنتصر إسرائيل في فلسطين ولبنان، وفي سوريا والعراق أيضاً.
أما نحن، فلكُل الذين يحاولون إسكات صوتنا، من داخل الحُدود أو من خارجها، لسنا أبناء جبلة تختلف عن الصامدين في أرضهم. وكُل ما نعرفه، ونثق به، ونحن على قناعة تامة به، هو أننا باقون هنا، ومُستمرون!
المصدر / الأخبار اللبنانية
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك