مشكلة أعدائنا في العالم أنهم لا يقيسون الأمر بطريقة تتناسب وطبيعة المقاومة نفسها. يعتقد الطغاة بأن القتل وسيلة نافعة للردع. ولم يتعلموا من دروس المقاومة ضد إسرائيل منذ 75 عاماً. وحتى في هذه الحرب، هم لا يعرفون معنى الانخراط في هذه المعركة. ويقيسون الأمر على أساس تقديرات تخص بعض الأوساط التي تستخدم عبارات بالية مثل الواقعية والعقلانية والحسابات المباشرة. فيعتقد الغرب، وليس إسرائيل فقط، بأن قدرة المقاومة على التحمل تبقى رهن ما قد تخسره. واستناداً إلى فلسفة التدمير، بحيث يشعر كل من يقاوم بأنه سيخسر كل ما لديه. يفترض العدو الأميركي (والإسرائيلي معه) أن الجميع في لبنان لن يقاتلوا إذا كان لديهم ما يخسرونه. ولذلك يركّزون اليوم في حملتهم الدعائية، على تضخيم نتائج الحرب، ليس بقصد عرض العضلات فقط، بل في محاولة لدفع الناس إلى الشعور بأنهم يخسرون الكثير جراء خيار المقاومة. لكن، كما في كل مرة، سرعان ما يكتشف هؤلاء بأن الناس لديهم الكثير ليخسروه، لكنهم مستعدون فعلاً، لا قولاً، لدفع الأثمان بأغلى ما يملكونه. وهم يعرفون أنه في لبنان، وخلال العقدين الماضيين، تطور الواقع المادي للمقاومة، جسماً وبيئة ومجتمعاً، إلى مستويات عالية جداً، وهي تملك الكثير الكثير من البشر والإمكانات والطاقات وأدوات الحياة والإنتاج. ولكن ذلك لم يؤثّر على قرارها، سواء المتعلق بالإسناد الناري للمقاومة في غزة، أو التصدي للعدوان الواسع على لبنان. وها هي المقاومة تخوض معركة تدفع فيها الأثمان الكبيرة. وهي تفعل ذلك من دون تردّد أو خوف. ويسقط منها عشرات الشهداء في المواجهات اليومية عند الحدود، ويُقتل من ناسها المئات في البيوت أو أماكن النزوح. ومع ذلك، فالعدو لا يريد أن يتعلم الدرس. ولن يكون بمقدور العدوين الأميركي والإسرائيلي فهم الأمر على حقيقته. فكيف سيتعاملان مع حقيقة أن بضعة آلاف من المقاومين فقط، هم من يديرون المعركة اليوم، وأن عشرات الألوف لم ينخرطوا بعد. ولدى هؤلاء الكثير من المهام لحظة اتخاذ القرار.
إن فهمنا العميق لمعنى هذه الحرب يسهّل علينا تقدير كلفة الصمود والمقاومة والتحدي، ليس لكي أن نختار بين المقاومة والاستسلام، بل لنعرف بأننا أمام حرب تتطلب الكثير من التضحيات، مثلما تحتاج إلى الكثير من العقل والشجاعة.