السيمر / الأحد 09 . 10 . 2016
عبد الجبار نوري
أن أستذ كار واقعة الطف 61 هجرية 680 م على أرض كربلاء بين الجيش الأموي الحاكم – عهد يزيد بن معاوية – بتعداد 30 ألف من جند الشام وبين الأمام الحسين بن علي وأصحابهُ وعيالهُ بتعداد 80 رجل فقط، وهنا لعبت العقيدة الثورية التي ركيزتها الحق المبين،المستندة على(قوّة المنطق لا منطق القوّة)، وفتية آمنوا بعدالة قضيتهم، لابسين القلوب على الدروع مضحين صابرين ومحتسبين وهي أبجديات المدرسة الهاشمية وأقمارها بل كواكبها اللامعة في سماء سوح النضال ضد الخواء الفكري وانعدام البعد الأنساني وقادتها من سماسرة السلطة والدم، ومسار بحثنا اليوم أحد هذه الكواكب المضيئة في فضاءات الأنسنة والفضيلة هو الجندي الشابوالسيد الجليل ” علي بن الحسين ” الملقب ب ” علي الأكبر ” ——
هوأبن الأمام الحسين الأكبر، ولد في المدينة المنورة في 11 شعبان سنة 33 هجرية، وأمهُ ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وكان عمره سبعة أعوام عندما أستشهد جدهُ علي بن أبي طالب بهذا عاش المدرسة العلوية كطفلٍ ينهل من علوم سيد العالمين ووصي رسوله الكريم، وتقدم العمر سبعة عشر عاما كان نصيبهُ سوح الوغى في واقعة الطف في كربلاء، ليقف بصلابة ضد الباطل والتسلط القمعي الأموي، والعبث الصبياني اليزيدي، فجسّد ملحمة الفداء من أجل المباديء الخيّرة والحق والعدالة، ووقوفهِ إلى جانب والده العظيم في محنتهِ مع يزيد بن معاوية الفاسق بشهادة الأغلبية الساحقة من الباحثين في التأريخ الأسلامي، وأصبح خليفة على المسلمين بقوة منطق الحديد والنار، واليوم بفضل هذه الكواكب العلوية لم تعد كربلاء صحراء على شاطيء الفرات بل أصبحت قبلة الأحرار في العالم، ومزاراً لملايين البشر، وحسب قناعتي البحثية في بطون كتب التأريخ الأموي خاصة لم ينصف ذكؤر أخبار السيد على الأكبر في أدوار حياته المقدسة، ولأن التأريخ أصيب بحمى الأهواء والمطامع والتي أخذت برجالها وعاظ السلاطين إلى التزلف والوقوف مع الباطل، وآخرين أعمتهم العصبية الهوجاء، وأجاد تأريخهم بذكر أخبار القيان والمغنين والجواري والأماء وأسواق النخاسة.
صفاته
لقد كان الشهيد علي الكبر أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خُلُقاً، وكان أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً بجده محمد (ص)، حاوياً صفات الجلالة والجمال الهاشمي متسامياً بمباديء المدرسة العلوية المهذبة ومتجرداً ومستغنيا عن عالم الملك الزائل، وناهيك عن قوّة أيمانهِ ونفوذ بصيرتهِ.
*الشجاعة / فهو أشد المقاتلين بأساً وأمضاهم عزيمة، وتشهد لهُ سوح الطف فلم يفتأ مُغيراً بوجه القوم يحمل على الميمنة ويعيدها على الميسرة ويغوصُ في الأوساط فلم يقابله جحفلٌ ألا ردهُ ولا كماة ألا وجندلهُ، غير أن كثرة الجراح ونزيف الدماء لم تترك لهُ بقيّة يساور بها الرجال ويباشر الحرب، وما أنتابهُ من مضاضة الحرب وما أكتوت به حشاشتهُ من لظى الحر وأحتدام العطش وثقل الحديد، مع هذا كله أصبح حضورهُ بارزاً في واقعة كربلاء الطف كشخصية عسكرية محورية في القيادة والمشورة والصولات الحيدرية، حتى تثاقل أليه المنون خوفاً ووجلاً من هيبتهِ وجلالهِ، وآن للفارس أن يترجل ويبشّر ببزوغ شمس الحياة للآخرين.
* التواضع / فكان أشد الناس تواضعاً، فأختار أن يكون عبداً متواضعاً، والكرم / حينما يعلم وما شيءٌ أبغض إلى الله من البخل وسوء الخلق.
* البلاغة / أنهُ أفصح من نطق بالضاد، خطيباً مفوّهاً، كيف لا وأنه من تلك الشجرة والدوحة الهاشمية ومن أعلا القمة الهرمية فضلاً ما تلعبهُ الجينات الوراثية ودورها في تكوين شخصيته، فالخطبة الزينبية – عمّتهُ – الثورية المدوية التي هزت عرش الطاغية يزيد، ويكفيه فخرا في مدرسة جده الحيدرية في الكوفة والبصرة في وضع قواعد النحو للغة الضاد.
* ركيزة التقوى / والتي تجلت في رفض المفاضلة بين الشعوب، لم يكن ينظر للهاشميين كقبيلة أو حتى أمّة، بل جعل من الهاشميين مشروعاً منصفاً عابراً لسطوة القبيلة، أذ لم يكن أعتباطاً أوجزافاً خروج صفوة العرب وأعيان الأمة منهم.
* العقيدة / علي الأكبر جندي عقائدي، ولأنّهُ لُقن من المدرسة الحسينية (لم أخرج بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، أنما خرجتُ لطلب أصلاح الأمة) وأنها لعمري عزّة العقيدة في أعظم تجلياتها حين تكون الشهادة تضيف في أعمار المستشهدين في أستشهاد عبدالله الرضيع الذي يعتبر اليوم من كبار عظماء الرجال والقادة.
* الأيمان بالتغيير / عندما وضع جسدهُ وروحهُ طُعماً للسيوف والرماح لقاء تصحيح الأوضاع وتغيّرها ورسم خارطة طريق صحية ونظيفة نحو الأفضل والأصح والأحسن للشعوب المقهورة.
قال فيه شاعر / لم تر عينٌ نظرت مثلهُ من محتفٍ يمشي ومن ناعلِ
يغلي نيءّ اللحم حتى أذا أنضج لم يغلُ على الآكلِ
لا يؤثر الدنيا على دينه ولا يبيع الحق بالباطلِ
طوبى لك سيدي لقد أخذت منا كل شيء ألا الدمع، ونحن بحاجة ماسّةٍ لرجولتك في أيامنا التي تعتبر فيها الرجولة مفقودة ومغيبة،بفضل بعض قادتنا، ونحتاج عقيدتك الثورية لكنس تلك الرثاثة الفكرية التي تدعي زورا وبطلانا بأنهم مريدوك ومحبوك بيد أن سيوفهم وقلوبهم عليك و على أهل بيتك، ونشكوك سيدي بأنهم باعوا كربلاء أبيك وعراق جدك بمزاد العهر السياسي، وأفرغوا خزائننا على ملذاتهم الدنيوية، وزرعوا بيننا ألف — ألف ” مَعقلْ ” يحمل أخبارنا وأسرارنا إلى قصر الأمارة في واشنطن والرياض والدوحة وأنقرة وأربيل، ولا يسعنا ألا أن ننعيك ونردد قول الأمام الثائر بغصّة ومرارةوحسرة { على الدنيا بعدك العفا }
المصادر/* مقاتل الطالبيين /أبو الفرج الأصفهاني – تحقيق كاظم المظفر 1965 * تأريخ اليعقوبي ج2 ص184 * البلاذري- أنساب الأشراف ج3 ص 361 * الشيخ المفيد – الأرشاد ج2 ص114 * الشيخ الطوسي – رجال ص76
باحث وكاتب مقيم في السويد