الرئيسية / مقالات / دروس على أرصفة الوطن !

دروس على أرصفة الوطن !

السيمر / الأربعاء 16 . 11 . 2016

ملهم الملائكة

يتعلم الناس حب الوطن مع الرضعة الأولى اذا أحبّت الأم وطنها، لكن الأمهات لا يعرفن غالبا من أين حدوده والى أن يسير الوطن، والمدارس أمهات لولا وسائل التأنيث.
يتعلم الناس في عالمنا كيف يكرهون الوطن وكيف يهجرونه بلا أمل في العودة رغم كل الحديث المزوّق المنمق في بوستات فيسبوك عن الشوق والحنين والحب. هذه بعض دروس الكراهية:
*في المدارس الابتدائية درس اسمه التربية الوطنية، من هنا تبدأ الكراهية، فالوطنية لا تحتاج الى تربية، مادة الدرس وضعت بهذا الشكل بعد العصر العثماني والتدريس الملائي لتحل محل مادة السياسة المقرّة في المدارس الأوروبية التي وردتنا منها المدارس ومناهجها، وهكذا أخذنا من أوروبا مدراسها وحذفنا درس السياسة.
*في المدرسة لا يتعلم الطفل كيف يذهب الى الحمام ولا كيف يجلس في المرحاض ولا كيف يأكل ولا كيف يتبع آداب المائدة ولا كيف يحيي من يكبرونه ومن يصغرونه ولا كيف يحب أخوته ويحترم الغرباء ويحب أصدقاءه ويحب جيرانه.
*يقف التلاميذ للمعلم إجلالا حين يدخل، ويسكتون حين يكون الأب في البيت، ويخفون عنهما كل ما يخص مشاعرهما. فيتعلم التلاميذ عبادة الاقوياء، وتتربى نفوسهم على سياسة الخوف.
*تخلو المدارس في بلادنا من مراحيض ومكتبة ومرسم وقاعة رياضة ومختبر، وحلّ محلها مسجد أو مصلى، وهكذا يتعلم التلاميذ أنّ المهم في البداية هو ما يظهرونه للآخرين لا ما في جوفهم وما في عقلهم وما في قلبهم وما في قوة بدنهم، وبهذا يتعلمون أصول الرياء.
*يتخرج التلميذ من المدرسة غالبا وهو لم يتعلم العربية، لأنّ المناهج تدرسه القرآن من حيث هو تعليمات الجبار المتكبر الذي يراقب سكنات النفس وحركاتها ليلقي بها في سقر لأنّ صاحبها لم يصلِ الفجر قبل 40 عاما، ولا تعلمه القرآن الذي حفظ لغة العرب وجعلها من أبلغ لغات العالم وجعلهم أمة تملك نصف علوم البشرية (قبل ألف عام) .
*في المدارس والجامعات يدرس الناس التاريخ والجغرافية كما صنعها الحكام، ولا يتعلمون شيئا عن تاريخ الشعوب المحفوظ في قصصها، لأنّ دروس التاريخ والأدب العربي تختص بآداب النخبة والآداب التي تهتم لمصالح النخبة، وهكذا يتعلم العراقي كلمات مثل” الوطن العربي الكبير، القطر العراقي، مصالح قومية، الأقليات غير المسلمة، أعداء الأمة العربية، بِيضٌ صَنائِعُنا، سودٌ وقائِعُنا، خِضرٌ مَرابعُنا، حُمرٌ مَواضِينا ” فيتيه بين هذا وبين ما يراه في الشارع.
*لا يوجد في كل مناهج ومراحل الدراسة درس عن مشاعر الإنسان، ولا عن الحب، فكل العلوم “الانسانية” المقرّة تُغذّي في التلاميذ والطلبة كره الإنسانية والحقد على الآخرين والأنانية وحب الملكية والاستئثار بالمغانم والشك في الجيران، والغرور والغطرسة الفارغة. الحب مادة محرّمة في المدارس و تدرّس غالبا ضمن مادة التربية الدينية تحت مسمى “الزنى”.
*لا يوجد في دروس اللغة، دروس آداب الحديث، كيف تخاطب مديرك، وكيف تخاطب اخاك وكيف تخاطب زوجتك وكيف يخاطب الرجل المرأة التي لا يعرفها وماذا يقول الصغير للشيخ…كل ذلك غريب ولا يتعلمه الناس، فيما الشعوب تدرّس ذلك في المدارس.
*لا يتعلم التلاميذ دروس الطبخ، ولا يتعلمون كيف يصبحون فلاحين ولا كيف يصبحون ميكانيكيين ولا من أين تبدا مهنة سمكرة السيارات والنجارة والحدادة وحتى جمع القمامة والبناء .
*حامل شهادة الدكتواره يلزمه أن يطلب من كاتب عرائض المحكمة وكاتب عرائض شهادة الجنسية وكاتب عرائض العقارات والأملاك عرض شكواه أو طلبه، وكأن شهادة الدكتواره لا تشفع له أمام إرادة موظفي الدوائر الموروثة من عصر العصملي، لماذا تمنح الشهادات اذا؟
*التلاميذ في الشوارع يمشون في حوض الشارع، إذ لا توجد أرصفة للسابلة، بل أرصفة لأصحاب المحلات وتجار الجملة وباعة البسطيات وأصحاب السيارات الفخمة الفارهة. المواطن قدره أقل من ثلاجة على الرصيف.
*لا يمكن لتلميذ المدرسة أن يقصد مدرسته بدراجته أو عجلته الصغيرة أو بوسائله الخاصة، ففي الشوارع لا توجد مسارات للدراجات ولا أرصفة لدراجات وعربات الأطفال وعجلاتهم ومزلقاناتهم، ولا توجد ممرات ومصاعد لذوي الاحتياجات الخاصة ووسائل النقل التي تقلّ عن سيارة، وكأنما القانون يحمي أصحاب السيارات فحسب.
*تلامذة المدارس وطلبة الجامعات لا يسافرون الى متاحف أو حدائق أو غابات أو مراعٍ، ففي المدن لا توجد مساحات خضراء، ولا غابات حولها، والأشجار تموت ولا تشجير يحل محلها، وكأنها دعوة للصحراء أن تدخل بيوت الناس، ويسأل الناس حائرون من أين يهجم عليهم غبار الصحارى؟
*ليس أمام التلميذ إلا أن يأكل من عربة تعرض الفلافل لفات مكشوفة واللبلبي تحت اكوام الذباب والشلغم مخلوطا بالغبار والهواء البكتيري المخلوط بالعوادم والأبخرة السامة. الطعام واللحوم والفواكه والمخضرات تعرض مكشوفة في الأسواق يحوم حولها الذباب والجراثيم والغبار ودخان عوادم السيارات، وفي الفترينات تُعرض الاحذية والملابس والعطور والمكاييج والحقائب وحتى السيارات !
رن جرس الفسحة، فغادر الشبان الى أوروبا. وصل عدد اللاجئين الى ألمانيا وحدها خلال عامين مليون و400 ألف إنسان تعلموا دروس الكراهية في مدارس الوطن فحملوها معهم الى المهاجر.

اترك تعليقاً