السيمر / الاحد 18 . 12 . 2016
محمد ضياء عيسى العقابي
مما سجلتُه في ملاحظاتي السياسية قبل عشرات السنين، ربما حتى قبل ثورة 14 تموز عام 1958، الموقفَ الغريب التالي: على عكس جميع ناشطي العالم الذين يناضلون في سبيل قضية وطنية أو قومية والذين يقطعون المسافات الطويلة ويعبرون القارات من أجل كسب تأييد هذا الحزب أو ذاك وهذه المنظمة أو تلك وهذه الجماعة أو تلك لقضيتهم، وجدتُ أن هناك فئة ما في بلد ما تحاول إقصاء أهل ذلك البلد عن تأييد قضية ما هي قضية الشعب القومية قبل أن تكون قضية تلك الفئة الصغيرة.
أولئك هم الطغمويون(1) العراقيون والشعب هو شعب العراق والقضية هي القضية الفلسطينية.
إدّعى الطغمويون تفانيهم في سبيل القضية الفلسطينية إلا أنهم ألحوا على تكذيب ولاء غالبية أبناء شعبهم لهذه القضية بحجةٍ ظاهرية ولهدف خفي.
قالوا لهم: إنكم عجم أو عملاء العجم، وللعجم عداء تأريخي للعرب لذا فأنتم بالإحلال والإبدال أعداء العرب والقضية الفلسطينية. كما قالوا لليسار: إنكم شعوبيون ولا تهمكم القضايا القومية ومنها القضية الفلسطينية. وعلى ذات النهج أقصوا الكرد والتركمان.
وهكذا أقصوا الغالبية العظمى من أبناء الشعب.
لا يحدث موقف إقصائي خطير كهذا إلا إذا كان وراءه هدف خطير أيضاً.
نعم كان هناك هدفاً خطيراً يبرر التفريط بهكذا دعم شعبي واسع لقضية مقدسة وصعبة جداً وتحتاج لأي دعم مهما كان متواضعاً لأن القضية تواجه أعداء هم أقوى اللاعبين على الساحة الدولية: الإمبريالية والصهيونية.
الهدف هو السلطة لا غير؛ وما أدراك ما السلطة بمنافعها المادية والمعنوية خاصة إذا كان الماسك بها مغتصباً لها وهو يعرف ذلك!!!
الآلية بسيط لكيفية إدامة إغتصاب السلطة التي سلمها الإحتلال البريطاني للطغمويين على رغم أنف الشعب العراقي وذلك على النحو التالي:
أنتم أعداء العرب لذا توجَّبَ إقصاؤكم.
وإنهالت الشتائم على طول الخط على أغلبية أبناء الشعب العراقي تحت غطاء فضح إيران “عدوة العراق والعرب التأريخية”!!
دارت الأيام وإحتل الأمريكيون العراق وجرت إنتخابات حرة ديمقراطية بإدارة الأمم المتحدة وفقد الطغمويون اليدَ العليا في السلطة ورفضوا الديمقراطية ورفضوا الآخر (كما كان الحال قبلاً) رغم تمتع الطغمويين بكامل حقوقهم الدستورية ورغم محاولة الأمريكيين مساعدة “حلفاء الحلفاء البريطانيين” إلا أن ذلك لم ينفع لأن صوت الشعب وصوت السيستاني أصبح أقوى من صوت الإمبريالية.
“زعل” الأمريكيون على السلطة المنتخبة لأن حكومة المالكي أخرجت القوات الأمريكية فضُرب بالصميم المشروعُ الأمريكي العالمي الذي صممه المحافظون الجدد.
منذ ذلك الوقت (أي بعد “الزعل”) أتحدى أي شخص يستطيع أن يبرز لنا ولو تصريحاً واحداً لدعم القضية الفلسطينية والوحدة العربية من قادة الطغمويين أسامة النجيفي وأياد علاوي وطارق الهاشمي(2) وصالح المطلك ورافع العيساوي وحارث الضاري وعدنان الدليمي وحيدر الملا وخميس الخنجر وعلي حاتم السلمان وأثيل النجيفي وظافر العاني وأحمد المساري وغيرهم وغيرهم!!!! ….. لماذا؟
السبب، لأنهم دخلوا في حلف مع الأمريكيين بتوصية سعودية قطرية تركية إذ قدموا خدماتهم للأمريكيين لمساعدتهم على العودة ثانية الى العراق ولكن عبر الشباك، بعد تهيئة الظروف المناسبة لإمتطاء داعش والدخول الى الموصل، مقابل سعي أمريكي لإعادة الطغمويين الى السلطة.
فلا يمكن وليس من “اللائق”، عندئذ، التحدث بما يزعج الأمريكيين واليمين الإسرائيلي العدواني.
وهكذا نسوا الأمة العربية وفلسطين التي إنتفعوا منها مرتين: مرةً أيام إستخدام القضية بالصوت العالي لإقصاء الشعب؛ والآن بصمت أهل القبور للتملق وإستعادة سلطتهم التي فقدوها لصناديق الإقتراع.
من هذا “ناضل” الطغمويون لإبعاد روسيا، ناهيك عن إيران!!!، عن مساعدة العراق.
لم “يفك صالح المطلك ياخة” من الفلسطينيين وهم في أتعس أحوالهم اليوم فالكل يتآمر ضدهم وعلى رأسهم حكام السعودية وقطر ورأس حربتهم الجنرال أنور عشقي.
فبدل أن يكشف صالح المطلك “القومي الغيور” متآمري اليوم على القضية الفلسطينية والتضامن العربي، راح يضع يده بيد حكام السعودية وإسرائيل لتشويه صورة داعمي القضية الفلسطينية مثل جمهورية إيران الإسلامية.
في برنامج “حوار خاص” في فضائية (الحرة – عراق) بتأريخ 12/12/2016 حاور الإعلامي سعدون محسن ضمد الدكتور صالح المطلك. أقتطعُ قضية واحدة من الحوار ولا أدخل في تفاصيل الطروحات المعتادة التي يجيد السيد صالح “رنتجتها”، ولا أدخل الآن فيما هو أخطر بكثير وهو التهديد الذي وجهه للعراقيين من أنهم، الطغمويين، سيُفشلون “حكم الشيعة” كما أفشلوه منذ 2005 إذا لن يرضخوا لشروطهم وفي مقدمها إلغاء الحظر الدستوري على حزب البعث!!!
قال: إن إيران مقاطعة من قبل العالم بسبب إنتهاكات الحرس الثوري لحقوق الإنسان.
أقولُ للسيد المطلك:
لو كان ذلك صحيحاً لقوطعت إسرائيل التي إنتهكت حقوق الفلسطينيين على مدى عقود وماتزال وإنتهكت قرارات الأمم المتحدة.
وهل كان شاه إيران محترِماً لحقوق الإنسان إذ كان يحظى بأعلى درجات التقدير من جانب كل العالم الذي يدور في فلك الإمبريالية الأمريكية والصهيونية؟
ألم تنقلب أمريكا وحليفاتها على إيران بعد الثورة لسبب واحد فقط لا غير وهو موقف إيران الثورة الداعم بقوة للقضية الفلسطينية وللمقاومتين الفلسطينية واللبنانية ولدولة الممانعة سوريا لدرجة أن أصحاب المال المسموم من حكام سعوديين وغيرهم قد وقعوا في حرج شديد بسبب خيبتهم حيال القضية الفلسطينية لذا شهروا البطاقة الطائفية بوجه إيران لتحويل أنظار الجماهير العربية والإسلامية عن حقيقة الموقف وخلط الأوراق؟
الدكتور صالح المطلك يفعل كل هذا تملقاً لأمريكا وإسرائيل والسعودية من أجل تأكيد ولاءه ومن أجل ضمان ديمومة الدعم له ولرفاقه لإستعادة سلطتهم الطغموية ولو على الأشلاء العراقية والفلسطينية.
أقول للسيد المطلك: كفى إنتفاعاً وإنتهازية …. وإرحموا فلسطين وأهلها ولا تذبحوهم كما ذبحتم العراقيين والسوريين واليمنيين والبحرينيين والليبيين على يد داعش وأخواتها ورعاتها!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الطغموية والطغمويون
الطغمويون هم لملوم من جميع أطياف الشعب العراقي حكموا العراق منذ تأسيسه وفق صيغة تبادل المصالح مع القوى الإمبريالية وبالحديد والنار للإنتفاع الطبقي من ثرواته المادية والمعنوية بذرائع مختلفة منها إدعاء القومية. لقد مارسوا في العهد البعثي سياسة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي فاقترفوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ ولم يعد قادراً على إطاحة النظام سوى الله أو أمريكا. وأطاحت به أمريكا لأهدافها الخاصة ولكنها ساعدت على تأسيس النظام الديمقراطي ومن ثم أخرج العراقيون قواتها واستعاد العراق استقلاله وسيادته في 1/1/2012. غير أن الأمريكيين ركبوا حصان داعش الذي أوجده الطغمويون وحكام تركيا والسعودية وقطر بإيحاء من أمريكا نفسها، ودخلوا العراق من الشباك.
بعد سقوط نظامهم في عام 2003 أجج الطغمويون الطائفية بأعلى وتيرة، بعد أن كانت مبطنة منذ تأسيس الدولة العراقية، وذلك لشق صفوف الشعب والمحافظة على ولاء أعوانهم ودفعهم الى عرقلة بناء العراق الديمقراطي الجديد عبر الإرهاب والتخريب من داخل العملية السياسية إصطفافاً وتنفيذاً للمشروع الطائفي السعودي المطروح على نطاق المنطقة والعالم لدرء خطر الديمقراطية الزاحفة على النظام في المملكة وخاصة بعد أن كشفت إيران تآمرهم على القضية الفلسطينية حينما مدت إيران المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بالسلاح بينما إقتصر الدعم السعودي على المال المسموم.
وقد انتفع الامريكيون من اثارة الطائفية في العراق بقدر كبير جداً وكفاءة عالية مستخدمين الطغمويين أنفسهم في هذا المجال كأدوات طيعة لإضعاف العراق الجديد؛ وربما كان الأمريكيون هم المحرضين على تأجيجها وذلك من أجل تنفيذ مشروعهم الحقيقي وهو الهيمنة على منابع البترول في العالم للي أذرع جميع الدول المؤثرة عالمياً للقبول بنتائج ما بعد الحرب الباردة التي جعلت الولايات المتحدة القطب الأعظم الأوحد في العالم، الأمر الذي لو إستمر لشهدت الشعوب الويلات والمصائب بأشد مما شهدت. أفشل العراق، على يد التحالف الوطني، مشروع أمريكا هذا الذي إصطدم مع المصالح الإمبريالية الأوربية أيضاً، ولكن إدارة الديمقراطيين الأمريكية أعادت إحياءه بعد إصلاح التحالف التقليدي مع أوربا الذي خربه المحافظون الجدد.
فرض الطغمويون والأمريكيون، بالإبتزاز، المحاصصة ومفهوم الشراكة والتوافق المغشوشين، مقابل مجرد المشاركة في العملية السياسية أي العملية الديمقراطية المعترف بها عالمياً وهي الوسيلة الوحيدة القادرة على حماية مصالح الجميع وبالتالي تحقيق التعايش المشترك والسلم الأهلي. يصر الطغمويون، بعد أن خسروا هيمنتهم المطلقة على الحكم عبر صناديق الإقتراع، على استرداد سلطتهم بكل الطرق بضمنها التخريب ونشر الفساد عبر العملية السياسية والتستر والتعاون مع الإرهاب وذلك للحيلولة دون إستكمال بناء دولة المؤسسات الديمقراطية.
شكل الطغمويون والبرزانيون العنصريون تحالفاً غير رسمي مع الأمريكيين وتوابعهم في المنطقة حكام السعودية وتركيا وقطر كل لغايته؛ ولكن يجمعهم دفعُ العراق باتجاه الديمقراطية المشوهة والدولة الفاشلة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني القاضي بتفتيت البلدان العربية من داخلها.
الطغمويون لا يمثلون أية طائفة أو مكون لكنهم يدعون تمثيلهم السنة لتشريف أنفسهم بهم والخروج من شرنقة الطغموية الخانقة الى ساحة الطائفة الأرحب. غير أن السنة براء منهم خاصة بعد توريط الجماهير فدفعوا بها الى حياة النزوح في المخيمات تحت رحمة البؤس والشقاء وتهديدات داعش.
للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع الرابط التالي رجاءً:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
(2): بتأريخ 1/2/2012 (أي بعد شهر واحد من إخراج القوات الأمريكية من العراق) “توقّع” (إقرأ: دعا وحثَّ) طارق الهاشمي في فضائية أل (سي.إن.إن.) أن “الولايات المتحدة قد تضطر إلى التدخل عسكرياً في العراق مجدداً للسيطرة على الوضع ….. إن إنعدام الإستقرار في العراق سيؤثر بشكل كبير على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة”.
علما أن نائب رئيس الجمهورية كان قد سبق له أن طلب من الرئيس الأمريكي بوش تجاوزَ الديمقراطية والبناء الديمقراطي في العراق وعقد صفقة مصالح متبادلة مع السنة (إقرأ: الطغمويين، لأن السنة براء منهم)، حسبما نقلت صحيفة (ألبيسو) الإسبانية في تقرير لمراسلها في واشنطن عام 2007.