السيمر / الثلاثاء 10 . 01 . 2017
معمر حبار / الجزائر
زميلنا سمير تاملوت Samir Tamaloult، صاحب الحنجرة الذهبية والأداء الجيد والذي أوصي وسائل الإعلام الجزائرية والعربية والدولية الاهتمام به والاستفادة من مواهبه التي لا تنقطع، تحدث عن الروائي الجزائري الطهار وطار رحمة الله عليه متطرقا لرواية “اللاز”، حيث تحدث عبرها عن شيوعي ضمن صفوف جيش التحرير وكان يدافع عن الثورة، وطالب من الثوار أن يحاسبوه بكونه ثوري وليس لأنه شيوعي. وقد استطاع هذا الشيوعي بحكم علاقته غير أخلاقية مع المحتلين الفرنسيين أن يخرج عددا لابأس به من الجزائريين القابعين في سجون المحتل الفرنسي. وقد كتبت الرواية سنة 1956 أي إبان الاستدمار الفرنسي للجزائر، وهي تعبّر عن مرحلة من مراحل التاريخ الجزائري.أتدخل وأقول.. كنا نقرأ ونحن صغار دون تمييز، ثم خلف من بعدهم خلف ليحذروا خلق الله من خلق الله، فحرّموا القراءة بزعم أن هذا شيوعي، وذاك كافر، وآخر في النار، وهؤلاء مرتدون، فكانت النتيجة أن ضاعت القراءة، وساد المجتمع الذي لا يقرأ، وتعرّض أهل العلم للقتل والتكفير. وعلي لابوانت لم يكن مثقفا ولا متدينا، لكنه شجاع يغار منه أبطال الثورة الجزائرية، لذلك باعوه بالتعبير الجزائري العامي إلى الاحتلال الفرنسي حسدا من عند أنفسهم، لأنهم لم يستطيعوا أن يكونوا مثله في الشجاعة والمروءة التي اعترف بها المحتل الفرنسي والذي فجّر بيته رفقه حسيبة بن بوعلي وصحبه. وفي السبعينات لم يكن هذا التدين السائد الآن، لكن لم يكن هذا التدهور الأخلاقي والانهيار القيمي من انتهاك للعرض، والسرقة، والسطو، والنهب باسم الدين كما هو سائد الآن. ومن حرم نفسه قراءة الطاهر وطار فقد حرم نفسه التعرف على فترة زمنية مرّت بها الجزائر بغض النظر عن مسار تلك الفترة، خاصة وأن روايته كتبت سنة 1956. ويبقى طبعا الكتاب كغيره من الكتب يخضع للنقد والأخذ والرد.
صلينا المغرب قضاء والعشاء قصرا بمحطة القطار المحمدية. وكانت المحطة نظيفة جميلة، وحسن استقبال يشكر عليه القائمون على المحطة ، وتوفر الماء الساخن بدورة المياه، فتحية تقدير للقائمين على محطة المحمدية. وتطرق على إثرها الفتية إلى موضوع الصلاة والخشوع، فقلت.. الوضوء دوما، والتبكير للمسجد حسب ظروف المرء، وركعتين قبل الأذان، وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم قبل الصلاة، ودخول الصلاة بتلك الهيئة المهيبة تساعد بشكل كبير على الخشوع. أما اللهو والعبث قبل الصلاة فإنها تجعل المصلي يدخل الصلاة بجو بارد و مضحك لا يمكنه بحال أن يذوق طعم الخشوع. فالخشوع حالة تسبق الصلاة، ونتيجة لما قبل الصلاة.
تطرق الشباب العزاب كعادتهم في جميع الرحلات إلى موضوع الزواج بالمتعلمة صاحبة الشهادة أو غير المتعلمة. بعضهم يرى أن الشهادة مقدمة على غيرها خاصة في هذا العصر الذي ساد فيه العلم و الشهادة، و يرى الآخر أن الأخلاق والقيم مقدمة على غيرها لأن الشهادة بلا أخلاق مفسدة للزواج. وراح كل منهم يقدم ما يراه مناسبا لفكرته، وفي جو حماسي يعبّر بصدق عن حماس الشباب الأعزب. وتدخلت مضيفا، فقلت.. إنسحاب الرجل من ميدانه الذي خلق له جعل المرأة تتدخل بشكل مفرط في أمورالزواج، وأمسى الرجل تابعا للمرأة في الشكليات والمظاهر ويخضع لها في الصغائر، وحين يحدث مشكل يصمت الرجل لأنه لم يعد صاحب الكلمة فتنهار البيوت لأنها لم تجد الرجل الذي يحافظ على أركانها، لأنها عثرت حينها على رجلا يلهث وراء المظاهر التي غرق فيها ولم يستطع أن يخرج منها، فهو من غرق لغرق، ولا مجيب.
تحدث الشباب عن الفتنة، فقلت.. الفتنة غير محددة المعالم والأوصاف، وما يراه المرء فتنة قد لايراه الآخر، والمرأة كالرجل سواء. والألماني ، والإنجليزي، والسويسري، والطلياني لم تعد الجميلة الشقراء تثيرهم، لذلك تراهم يتحملون عناء السفر لقطع القارات من أجل ما يرونه فتنة، ونراه عذابا ومقتا وسوء عقاب.
منير مانع كما عرفته.. من الشخصيات التي أثارت إنتباهي خلال هذه الرحلة الثقافية، زميلنا منير مانع Mounir Manaa ، الذي ظلّ يتحدث طيلة الرحلة عن كتب طه عبد الرحمن المغربي الذي يجيد قراءتها، ويوصي كثيرا بقراءتها، ويستشهد بكثرة بأقواله. وقد وجدته شغوفا بشراء الكتب وقراءتها، ملما بأخبار الأولين والآخرين، عارفا باتفاقاتهم واختلافاتهم، نادما على بعض الحركات التي انتمى إليها في صغره، وحامدا ربه أن رزقه البصيرة فأصبح يقرأ بشغف وينتقد بأدب، وكان في كل مرة يوصيني بشدة أن أقرأ لطه عبد الرحمن وأنا الذي لم أقرأ له إلا القليل. وكان مرحا ينثر الضحك بين الأحباب، ويضفي على المجلس لمسة المرح، وكم أتمنى أن يجمعنا لقاء آخر على الحرف والسطر. يخبرني بأنه لم يقرأ كثيرا للعالم محمد سعيد رمضان البوطي رحمة الله عليه، فأقول له.. إقرأ كتاب “والدي” للبوطي تقف على شخصيته جيدا التي يتحدث عنها من خلال قلب صاف صادق مخلص، وقد أكد في أواخر أيامه أنه يرفض الهروب من سورية رغم الإغراءات التي قدمت له ، لأنه أب كما يقول ولا يمكن للأب أن يفرط في أبنائه ويغادرهم وهم في أشد الحاجة إليه، وهذا موقف خالد يسجل للإمام محمد سعيد رمضان البوطي رحمة الله عليه، الذي لقي ربه وهو يفسر كتاب ربه، وفي بيت ربه، وبين عباده المصلين، وتلك خاتمة يتمناها الكثير من محبيه والحاقدين عليه.
مساجد وزوايا ومكتبات.. وصلنا بشار يوم الجمعة على الساعة الثامنة صباحا وتحت برودة قاسية جدا. وكان أول مكان ندخله هو مصلى صغير بالمدينة لا نعرف إسمه ولكن 5 نخلات ملاصقة له ميّزته عن غيره. علّق أحد الزملاء، ونحن نصلي صلاة الصبح والفجر بالمصلى.. من محاسن الجزائر أنك تقضي 1000 كلم ومن أقصى البلاد فتجد نفس العادات والعبادات والقيم والأخلاق، بينما في دول عربية أخرى بمجرد ما يقطع المرء بعض الكيلومترات، يتغير الدين والعادات ويتحول إلى سفك دماء ونسف حضارات. فحافظو أيها الجزائريون على النعمة التي بين أيديكم. ومازال المصلى محافظا على تقاليده التي تربى عليها المجتمع الجزائري منذ 15 قرنا، ويكفي أن ألواح حفظ القرآن الكريم ما زالت تزيّن المساجد. وقد أخبرني زميلنا يوسف لخمي وهو من الذين درسوا على يد الإمام العلامة بلكبير رحمة الله عليه، أن الألواح للطُلْبٙة يحفظون نسبة كبيرة من القرآن الكريم، وليسوا من المبتدئين كما تدل عليها الآيات المكتوبة في اللوح.
زيارة أولياء الله الصالحين.. زرنا مسجد وزاوية العارف بالله الولي الصالح الشيخ سيدي امحمد بن أبي المولود في 1055 هجري والمتوفي يوم الخميس 11 رمضان 1145 هجري، الموافق لمارس 1733، كما جاء في اللوحة الموضوعة في أعلى المدخل. والمسجد يضم قبور سيدي محمد الشريف، وسيدي عبد الوهاب، وسيدي أحمد بن أبي زيان وإبنه سيدي أحمد البداوي، وسيدي محمد لعرج رحمة الله عليهم جميعا. ودعونا الله لأولياء الله جميعا بالمغفرة ودخول الفردوس، فنحن ندعو لأولياء الله الصالحين ولا نطلب منهم شيئا. وقد لاحظت زيارة النسوة بشكل كبير رفقة أزواجهم، وبناتهم. ومن الملاحظات التي ظلت تزعج الزائر، ذلك الإهمال الشديد للمسجد الذي يضم أولياء الله الصالحين، وعدم الترميم للمكان ما جعله عرضة للإهمال، ونقص النظافة البادية على البساط وأماكن أخرى، وهو يسيئ للأحياء والأموات. ونحن متجهون من جديد لوسط بشار لصلاة الجمعة، نسمع الأذان الأول عبر مكبر الصوت وبالحرف الواحد: “يا عباد الله تأهبوا للصلاة”، وأعترف أني لأول مرة أسمع مثل هذا النداء وأنا في 51 من عمري. وزرنا المكتبة المخطوطات مرتين يوم الخميس ويوم الجمعة عصرا ووجدناها مغلقة ولا ندري أسباب ذلك، وحرمنا من زيارة هذا المعلم الذي يظل المرء رؤيته وزيارته والانتفاع بفوائده.
حول إلغاء صلاة الجمعة.. لاحظت أن بعض الزملاء يتساءل عن أن المسافر تسقط عنه الجمعة ويبحث عمن يبرره له ذلك، فتدخلت بقوة وقلت.. نأكل، ونشرب، ونزور، ونفرح ولم يقل أحد أن الأكل، والشرب وأمور أخرى تسقط عن المسافر. وزيارتنا لبشار فرصة لنعرف من خلالها إمام بشار، ومساجد بشار، والصلاة في بشار، والجمعة في بشار، وهذه فرص لا يمكن تعويضها ، فاغتنموها لنستفيد منها ونحدث الناس والأبناء عنها. والذين يرفضون زيارة أولياء الله الصالحين بزعم أنها كفر وشرك، هم أنفسهم الذين يزورون المتاحف الرومانية ويلتقطون صورا مع الآلهة الرومانية العارية، ويزورون المسارح الرومانية حيث القتل وسفك الأرواح بالمجان.
مسجد عبد الله بن عمر.. إمتاز إمام وخطيب الجمعة بصوت تهتز له الأركان، وبقراءة تذيب الحديد، وقد أبدع في المد الذي يقدمه على طبقات وأمواج بعضها فوق بعض. بينما في صلاة المغرب صلى بنا إمام شاب طويل القامة، إنسحب غاضبا بعد السلام حين رفع المؤذن يديه ودعا كما يدعو الجزائريين المؤمنين المخلصين بالدعاء جهرا وجماعة فانصرف الإمام غاضبا ، وكان ذلك من سوء أدب الإمام وقلة أدبه، وكان عليه أن يتنظر نهاية الدعاء ولو خالفه في قرارة نفسه. وكان هذا المظهر من أسوء ما رأيت في بشار، ولا يقل فحشا وقبحا عن ما رأيته في تاغيت.
تحتوي المكتبة المجاورة لمسجد عبد الله بن عمر على كتب لا علاقة لها بالمجتمع الجزائري، فهي مستوردة من حيث الفكر والهدف الذي يضر بالجزائر أكثر مما ينفعها، وأشيد بالكتب المدرسية التي توجد عبر كافة مكتبات الجزائر.
قطار الاستدمار الفرنسي يسرق الفحم الجزائري.. زرنا القنادسة ورأى الجميع أن مصنع إستخراج الحديد من منطقة القنادسة ببشار على حاله تقريبا، بنفس خيوط الكهرباء، والمصابيح القديمة، والمصعد، وآثار الصكة الحديدية التي تنقل الفحم وتسرقه إلى فرنسا. يحدثنا الشيخ الجار للمنجم، الذي كان دلينا ، فيقول.. كانت فرنسا الاستدمارية تنقل الفحم إلى ميناء وهران ثم إلى فرنسا، وبنت فرنسا صناعتها على نهب حديد وفحم الجزائر. وحدّثنا أن منطقة القنادسة شهدت وهج أول مصباح بفضل ما تملكه من الفحم، ثم قال.. بعد إكتشاف الكهرباء وتطورها لم يعد للفحم قيمته المعهودة، وكانت من عوامل تراجع أهمية الفحم وغلق المنجم. ودلنا على القطار الذي كان يسرق الفحم الجزائري إلى فرنسا لاستغلاله، ومازال شاهدا على أيام النهب الفرنسي لخيرات الجزائر، لمن أراد أن يلتقط له صورا ويحدّث بها الأبناء والأحفاد والعالم أجمع، وقد أخذ الزملاء صورا تذكارية يجدها القارىء طي المقال.
حديقة الشهيد بن جودي.. دشنت الحديقة كما هو مكتوب في اللوحة الخاصة بالتدشين يوم 17 أفريل 2015، أي مرّ على تدشينها عام واحد و8 أشهر، لكنها في حالة سيّئة جدا من حيث النخيل المتساقط، والأوساخ المترامية، والحوض العفن المتسخ الراكد، وإنعدام سلة المهملات لمساعدة الزوار على وضع بقايا الأكل والشرب وغيرها، وانعدام حنفية يستعين بها الزوار خاصة في فصل الربيع والصيف. ونصيحتنا للقائمين على الحديقة الجذابة، أن يهتموا بها وبما يجعلها قبلة للزائر وصاحب البيت.
العودة إلى الديار.. عدنا إلى الديار بتاريخ: السبت 01 ربيع الثاني 1438، الموافق لـ 01 جانفي 2017 ، وتطرق الزملاء في الحافلة ونحن عائدون إلى الديار قادمين من بشار وتاغيت إلى مواضيع عدة منها تعدد الزوجات، فالتقطنا هذه الأفكار على لسان الأحبة، وهم يناقشون الموضوع بحماس، فقالوا.. في المشرق العربي تعرف الزوجة مسبقا أن زوجها سيتزوج الثانية والرابعة لذلك لايطرح هذا المشكل. ولماذا إذن يطرح في الجزائر بهذه الحدة والقسوة؟. وزواج المصلحة حرام، وزواج المتعة حرام. ولا ضير في أن يتزوج المرء لأجل الشهوة مادام يحصن نفسه. والزواج لأجل المتعة لايولد حبا ولو جاء بالأولاد. والإنسان ليس جنس فقط بل أعلى بكثير. وقبل التعدد لابد من التطرق للزواج. وكن أمينا صادقا وفيا، يكون لك الزوج أمينا صادقا وفيا. والتعدد علاقة بين طرفين تتعدى الجسد. وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن التعددية هناك نساء يمارسن التعددية كعشيقات والرجال يمارسون التعدد كعشاق. والزواج كالتعدد ليس عيب أن يكون لذة وليس عيب أن يكون روح. والتعدد من المواضيع التي لا يمكن للمناقشين والمختلفين أن يرسوا فيها على موضوع محدد.
تساءل الزملاء لموضوع: لماذا العزوف عن الزواج؟، فناقشوا الموضوع كالعادة بحماس، فذكروا الأسباب وقالوا.. الأولياء الذين لم ينزلوا إلى الشرع في تسهيل المهور تحولوا إلى بائع. وجهل معظم الأزواج بمقاصد الزواج. وشروط الفتيات التعجيزية التي تفرضها وتطلبها. وتأخر الزواج مرده للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. والذي يريد الزواج يبحث عن غرفة والغرفة فيها سرير وليس سبورة. والذي يريد أن يتزوج مع التي تريحه ولو كانت أمية، وليس بالضرورة أن تكون متعلمة وصاحبة شهادة علمية. والمشكلة اليوم أن الرجل أصبح عاطل في البيت، ويريد المرأة العاملة. وقال زميل: حين أسأل زميلي العاطل، يجيبني.. أنا ماكث في البيت. وتحدّث الأستاذ في الإقتصاد عبد الحميد رولامي، فقال.. أوربا تطورت لأنها قالت أن البابا ليس إلها، وسنتطور حين نعتبر الفقيه بشرا وليس إلها.
المحتل ليس بطلا.. يسألني زميل ما رأيك في البطل أردوغان؟، أجيبه.. هو بطل بين قومه وعشيرته، وأحترمه حين يكون بطلا فوق أرضه، وأقدّر الأتراك الذين يعتبرونه بطلا. لكن لا أتعامل معه على أنه بطل لأنه يقصف إخواننا العرب في سورية والعراق، ويحتل أراضي عربية سورية وعراقية. ولا يمكنني بحال أن أعتبر من يحتل أرضا عربية ويقصف إخواننا أنه بطل، وليعتبره قومه بطلا فهذا شأنه ومن حقه.
يسألني لماذا لا تظهر عليك علامات التعصب؟، أجيب.. كثرة القراءة وتنوعها، ونقد الجميع، واحترام الجميع، وعدم عبادة البشر، والثقة في ما تقرأ، والقراءة عن وعي وفقه، تجعل المرء غير متعصب لأحد وغير متعصب ضد أحد.
أقول لزميل قادم من سويسرا والتي عاش ضمنها 10 سنوات.. حاول أن تكون ذا تربية حسنة وبعدها ستنقل هذه التربية بسلاسة إلى الأبناء، لكن لا تبرر أخطاءك وبأن المجتمع كله سارق متعفن، فهذا تبرير للعوج وميل له، وتشجيع عليه. والمرء مطالب بالاستقامة لنفسه ولمن هم تحت تصرفه، وغير مطالب بما يفعل الآخرون. إستقم وسترى نتائج إستقامتك ولو في أحفادك.