د. صادق اطيمش
طالما يكرر التاريخ احداثاً ومواقف لحكام لم ينتبهوا إلا في نهاية المطاف لما تؤول اليه سياساتهم الخاطئة وتصرفاتهم الطائشة تجاه شعوبهم، هذا إذا كانوا من الساسة المحظوظين الذين يمتلكون قدرة التفكير بالنتائج واستخلاص العبر منها. اما اولئك التعيسي الحظ الذين ارتبطت سياساتهم وتصرفاتهم بغباءهم ونهمهم وبفكرة الإلتصاق بكرسي الحكم الذي جعله بعضهم قميصاً البسه اياه الله ولن ينزعه منه إلا الله، فهم كذلك النوع من الذباب الذي كتبت له الطبيعة يوماً واحداً للحياة، إلا ان افراده حينما يغادر بعضهم البعض في مساء ذلك اليوم يقول بعضهم لبعض: وداعاً إلى الغد، وكأنه يريد التعبير عن الإستمرار في الحياة التي لا قدرة له على الإستمرار عليها، إذ ان ذلك يخالف ما خططت له الطبيعة. هكذا تتحدث الأساطير عن هذا النوع من الذباب الذي يعكس الوقائع التي نعيشها اليوم مع بعض الحكام والساسة الذين لايفقهون منطق التاريخ ولا يعون كل الإشارات التي تبعث لهم بها شعوبهم بان ينتبهوا لما تعيشه هذه الشعوب التي قد تخرج في يوم ما عن طور الإشارة لتدخل في طور التنفيذ لجعل هذا الذباب السياسي يحلم بيوم غده فقط، ولا قدرة له على رؤيته، إذ ان ارادة هذه الشعوب، التي قد تضاهي او تزيد على ارادة الطبيعة احياناً، سوف لن تسمح له بذلك.
وهذا ما نراه ينعكس على واقع الشعب في كوردستان العراق اليوم، بعد ان انعكس بشكل جلي وواضح على الواقع المعاش على ارض العراق الأخرى خارج الإقليم، وعلى ساسة العراق عرباً وكورداً من اللصوص والفاسدين والمزورين من تجار الإسلام السياسي ودعاة التوجه القومي الشوفيني.
طالما نبه اصدقاء الشعب الكوردي ومؤازري نضاله التحرري من اجل تحقيق المصير ومن اجل الحياة الحرة الكريمة في مجتمع ديمقراطي ودولة مدنية، إلى مخاطر السياسة التي انتهجتها الأحزاب الحاكمة في اقليم كوردستان والتي تبنت فيها رؤى وتوجهات اقتصادية وثقافية وحتى قومية خاطئة لم يكن من الممكن التوقع لها بغير الفشل على المدى البعيد الذي لم يرى افقه ساسة وموجهو وقادة هذه الأحزاب. وطالما إنطلقت الدعوات من اصدقاء الشعب الكوردي ايضاً إلى ضرورة العمل المشترك مع كل قوى التحرر الساعية إلى نفس الأهداف التي تسعى لها حركة التحرر الكوردية، وعدم الإنحباس في متاهات الفكر الرجعي المتخلف الذي سعى البعض لإعطاءه صبغة الخصوصية لعزل حركة التحرر الكوردية ونهجها الديمقراطي التقدمي عن مثيلاتها في المحيط الذي فرضته القوى الإستعمارية على الشعب الكوردي حينما قسمت ارض كوردستان بين ثلاث قوميات كبرى سعت حكوماتها التسلطية المتعاقبة إلى إضهاد حركات التحرر الديمقراطي على اراضيها، دون ان تفرق بين قومية او دين هذه الحركات.
ولا يسعنا إلا ان نضع الهبة الجماهيرية، التي اعلنها الشعب الكوردي اليوم على ارض كوردستان العراق، ضمن التحرك الجماهيري الذي تشهده المنطقة عموماً والتي يشكل الشعب الكوردي واجهة ناصعة من واجهاتها النضالية. ومن هذا المنطلق نعيد ما سبق وان تطرقنا وتطرق له كل اصدقاء الشعب الكوردي والمتعلق بعدم الخلط الذي يمارسه البعض بين الساسة الكورد وما انتجته سياستهم الخاطئة وتصرفاتهم الطائشة تجاه الشعب الكوردي اولاً وتجاه مناصري هذا الشعب ثانياً وبين تطلعات وقضية الشعب الكوردي التي تصب في جوهر المبدأ القاضي بحق الأمم والشعوب بتقرير مصيرها، هذا المبدأ الإنساني الثوري الذي لا يمكن وضع القناعة به ضمن سياقات سياسية شاذة وتصرفات شخصية انانية لسياسيين لا يعون مصالح الشعوب وخاصة شعوبهم بالذات. وإن كل ما يمكن قوله لهؤلاء السياسيين، الذين قد يتواجد بعض القادرين على استخلاص العبر بينهم، أن يحذروا غضب شعوبهم. ولا نستثني سياسيي كوردستان العراق من هذا النداء الذي لا يريد منه اصدقاء الشعب الكوردي إلا عدم التفريط بالمكتسبات النضالية التي حققها هذا الشعب في العراق لحد الآن، والتي اثبت تاريخ نضال الشعب العراقي وقواه الثورية التقدمية بان التضامن الكفاحي الذي ارتبط به نضال الشعب الكوردي مع نضال الشعب العراقي شكل الضمان الأكيد لتحقيق هذه المكتسبات التي ستظل دون المستوى المطلوب ما لم تتحقق آمال الشعب الكوردي على كل ارض كوردستان شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وذلك هو ما يسعى اليه ايضاً التضامن الأممي بين حركات التحرر الوطني والقومي عموماً.