السيمر / الأربعاء 17 . 05 . 2017
عريب الرنتاوي / الاردن
حركة محمومة تشهدها عواصم المنطقة بانتظار مجيء الزائر الكبير، حتى الدول غير المدرجة على برنامج أول رحلة خارجية لدونالد ترامب، تبدو في “عجقة” من أمرها … الرهانات كبيرة، وتذهب في كل اتجاه … البعض يعتقد أن “الدولة الفلسطينية، باتت على مرمى حجر، بل أن القدس الشرقية ستكون عاصمتها، هؤلاء لم يقرؤوا حرفاً واحداً مما قاله الرجل ومساعدوه ومقربوه … أحلامهم أو تفكيرهم الرغائيي، يدفعهم لتقويل الرجل ما لم يقله.
بعضهم الآخر، بدأ بصياغة كتب النعي لإيران وحلفائها في المنطقة، ويتحضر على أحر من الجمر، للمشاركة في حفلة “قطع رأس النظام السوري” … أخشى أن يخيب ظنهم، مثلما خاب ظن أسلافهم الذين راهنوا على جورج بوش الأب والابن … بعضهم لم يستفق حتى الآن من هول صدمة اختيار دولة عربية – إسلامية لتكون أول محطة خارجية لرئيس أمريكي … نسي هؤلاء أو تناسوا أن فاتورة هذا الاختيار تجاوزت الـ “340 مليار دولار، ستضخ في عروق البنى التحتية الأمريكية المتهالكة وصناعة السلاح والحرب خلال أقل من عقد واحد… هل ثمة بلد واحد في العالم يمكن أن يدفع نصف هذا الرقم ليحظى بشرف الرقصة الأولى؟!… ثلث هذا المبلغ هي كلفة مشروع إعادة إحياء طريق الحرير الجديدة، التي ستربط قارات العالم القديمة الثلاث بالصين صاحبة المشروع ورائدته، عبر شبكة عملاقة من الطرق والسكك والموانئ وغيرها، أي عرب نحن؟
لا يتعظ العرب من تاريخهم قط، لا القديم ولا الجديد، رغم أن واشنطن باعتهم الأوهام بأفدح الأثمان أكثر من مرة، هم أصحاب الأمثال والمواعظ المحذرة من اللدغ من الحجر الواحد مرتين، لكنهم يصرون على وضع أصابعهم المرتعشة في الجحر ذاته، مرات ومرات … جيّشَتهم الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية، لقاء وعد بعملية سلام ذات مغزى، أخذت الولايات المتحدة ما تريد، وتبعثر السلام وتطايرت أوراق وضل طريقه.
عادوا في حرب الخليج الثالثة، لاصطفاف خلف واشنطن نظير خريطة طريق ووعد بالدولة … انتهت الحرب والعراق معها، ولم تأت الدولة وانتشر سرطان الاستيطان في الجسم الفلسطيني … وها هي اليوم تبعيهم البضاعة ذاتها للمرة الثالثة على التوالي، وبسعر أعلى هذه المرة، مقابل وعد بأن يصدر عن دونالد ترامب تصريح يتحدث فيه عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، أي نصر هذا؟ … وأية أثمان سيتحصل الرجل عليها نظير وعد آخر، يضاف إلى ركام الوعود والقرارات الدولية المركونة في الأدراج وعلى الأرفف.
سيجبي دونالد ترامب أموال المنطقة وسينظف صناديقها السيادية وغير السيادية … شأنه في ذلك شأن أسلافه، ولكن بطريقة أكثر جشعاً هذه المرة … كل عشرة أو خمسة عشر عاماً، يجري إشعال حريق في المنطقة، أو التلويح بعدو خارجي يتهدد أنظمتها وحكامها، لتكون النتيجة إعادة تدوير كل ما تراكم من “بترودولارات” وإعادتها للخزائن الأمريكية والغربية … يحدث هذا منذ مطلع سبعينات القرن الفائت، ومنذ أن أصبح النفط ذهباً أسوداً، ويستمر حتى اليوم.
ترامب في المنطقة، لا بعقلية رجل الأعمال، فعلها من قبله ساركوزي وهولاند، براون وتيريز ماي، كلهم جابوا العواصم العربية، بحثاً عن صفقات وعقود … ترامب يأتي بعقلية الجابي، ومحصل الضرائب العثماني القديم، يأتي على الأخضر واليابس، لا يغادر قرية إلا بعد أن يفرغ بيوتها من حبات القمح والذرة … ترامب يأتي بعقلية شيلوخ، تاجر البندقية الشهير، الذي يفكر بالعائد والأرباح، قبل أن يلقي التحية على ضيوفه ومستضيفيه.
وسيعود من مغائر علي بابا محملاً بالذهب والياقوت والفضة … أما فلسطين، فستبقى بانتظار غودو، فلا دولة واحدة ولا دولتين، هذه حلول باتت وراء ظهور الفلسطينيين الذين يحيون ذكرى مرور سبعة عقود على نكبتهم الأولى، وخمسة عقود على نكبتهم الثانية …. وسندخل من بعده في سجال بيزنطي ونخوض في بحر من التلاوم وتقاذف الاتهامات، سيبقى القديم على قدمه، اللهم ألا خزائن المال، فسيصفر الريح فيها.
حتى الحلم بضرب إيران وتدمير هلالها ومنع اكتماله “بدراً” كما وعود قيس الخزعلي، وقطع رأس الأسد ونظامه … حتى” حلم ليلة الصيف” هذا، لن يتحقق للعرب الواهمين … خيارات ترامب مع إيران محدودة للغاية، وأوراقه لن تكون أفضل من أوراق أسلافه، كلهم غادروا بعد وعود وتعهدات وها هي إيران تتحضر لإقامة الأفراح والليالي الملاح بيوبيلها الأربعين … أما رأس الأسد، فقد يظل بين كتفيه، وكل من طالبوا بقطعه من قبل، غادروا مواقهم إلا أردوغان … ذهبوا جميعاً وبقي الأسد، وأخشى أن يذهب ترامب، وتبقى إيران والأسد والهلال وسراب الدولة الذي يطارده الفلسطينيون كما يطاردون خيط دخان.
والطامة الكبرى، إن تطور المشهد في واشنطن صوب “عزل الرئيس” وعدم تمكينه من إتمام ولايته … من يطالبون بتنحية ترامب في واشنطن يتزايدون، وربما يزيدون عمن يطالبون بتنحية الأسد … “عدم الأهلية”، “روابطه الروسية”، “تهربه الضريبي”، وأخيراً “مرضه العقلي” وفقا للنيويورك تايمز، جميعها سيناريوهات يجري بناؤها على نار ساخنة، وقد تكون نتيجتها خروج الرئيس من نافذة البيت الأبيض، بعد أن دخله من بوابته العريضة … ساعتئد سيندم المتفائلون برئيس “الحزم” و”العزم”، حين لا ينفع الندم…. و”شرفت يا دونالد بابا … يبتاع البوتين – جيت”.
مركز القدس للدراسات السياسية