السيمر / الاحد 21 . 05 . 2017
ضياء الشكرجي
هذه هي الحلقة الحادية والتسعون من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل»، وتكون هذه الحلقة مشتملة على مقالة واحدة واستثناءً قصيرة نسبيا.
بين تنزيه الله وتنزيه الدين
نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
مشكلة جُلّ الدينيين، أنهم إذا ما خُيِّروا بين تنزيه الله وتنزيه الدين، نزّهوا دينهم، ولو على حساب تنزيه الله، وذلك من حيث لا يشعرون، لتماهي الله والدين عندهم. وهكذا عندما يُخيَّرون بين تنزيه الله وتنزيه نبيهم أو إمامهم أو خليفة نبيهم أو قديسهم، اختاروا – كذلك من حيث لا يشعرون – تنزيه هؤلاء عـلى تنزيه الله، فينسبون إلى الله ما لا يليق بجلاله وجماله وحكمته وعدله ورحمته، ولأنهم يعيشون غالبا في عقلهم الباطني إدراك إن كل ذلك لا يليق بجلاله سبحانه، لكنهم حيث هم موقنون من صدق دينهم، يتحول الوهم عندهم إلى حقيقة، والنسبي إلى مطلق، والممكن إلى واجب، يعتبرون لذلك ما يعتريهم من إحساس باطني، أو من شك، أو من ثمة نفور نفسي من تلك المقولات الدينية المتعارضة مع جلال الله، من وساوس الشيطان، أو يقنعون أنفسهم قسرا بالمقولة الدينية التبريرية، بأن الله أعلم بحكمة ما لا يدركون حكمته، وبعدل ما لا يرونه متطابقا مع موازين العدل، وبصدق تحقق ما يرون فيه ما لا يمكن أن يكون إلا وهما وخرافة. وبهذا يمارسون – أيضا من حيث لا يشعرون – تعطيل العقل، ونسبة ما لا يليق إلى الله، ويتهمون الأسئلة التي تثيرها عقولهم في الوعي الباطني بأنها وساوس الشيطان، فيدفنون أسئلتهم، ويوبخون عقولهم، ويستعيذون بربهم الذي صوره لهم دينهم من الشيطان الرجيم، ومن سوء العاقبة بالضلال من بعد الهدى، أي باعتماد العقل بعد اعتماد الدين.
وهكذا هم يُعلون من حيث لا يشعرون عـلى سبيل المثال الداني، ويُدنون العالي، فيجعل الشيعة عـلى سبيل المثال عَليّاً من حيث النتيجة، لا من حيث التصريح أعلى مقاما من الرسول، فالقرآن يصرح بأن النبي لا يعلم الغيب، بينما تجد الكثير من الشيعة – باستثناء عقلائهم ومعتدليهم طبعا – ينسب علم الغيب كله لعلي، مع إقرارهم بنفي القرآن لذلك فيما يتعلق بنبيهم، بل غلاتهم، لا أعني الغلاة المؤلهين لعلي، فهؤلاء خارجون عن التشيع، بل الغلاة في الولاء لأهل البيت يُعلون فاطمة من حيث النتيجة إلى ما هو فوق محمد وعلي. وهكذا هم الكثير من السنة، إذ يجعلون أبا بكر وعمرا على سبيل المثال من حيث النتيجة، لا من حيث التصريح، أعلى مقاما من نبيهم، حيث ينظّرون – ولو محقين من حيث الواقع – لوقوع النبي في أخطاء، ربما لا لشيء، إلا من أجل نفي العصمة عنه كما يعتقدها الشيعة، مخالفة لهم، بينما لا يسمحون للقول باحتمال وقوع أبي بكر أو عمر في ثمة خطأ. وعموم المسلمين من كل فرقهم وطوائفهم يجعلون – من حيث لا يشعرون ولا يقصدون – نبيهم وقرآنهم وإسلامهم، أعلى مقاما، وأجل مكانة من الله سبحانه، وذلك من حيث النتيجة، ومن حيث لا يعون، وهكذا نجد جُلّ أصحاب الديانات التوحيدية، ولا نتكلم عن غيرها، لأن التوحيد هو الحد الأدنى من التنزيه، أقول جُلّهم يختارون أن ينزهوا أنبياءهم وقِدّيسيهم وصِدّيقيهم وعقائدهم وشرائعهم وكتبهم ومذاهبهم وكنائسهم ودياناتهم ومذاهبهم، حتى لو كان ذلك على حساب تنزيه الله، تنزه وعلا فوق ما يعتقدون. وكأن الأديان التوحيدية عندما أرادت فيما أرادت تنزيه العبادة من الوثنية، وتنزيه الله من الشركاء، كأنها قد استبدلت الأصنام والأوثان بالدين، فغدا الدين بمثابة هبل معنوي يُعبَد ويُقدَّس ويُنزَّه من دون الله، فاستُعيض عن الوثن المادي بوثن معنوي، وغدا الأنبياء شركاء لله من حيث أرادت هذه الأديان تنزيهه تعالى من الشرك، فمنهم من ادعى لنبيه البُنوّة لله، ثم الألوهية متجسدة بشخصه دما ولحما، ومنهم من رفض البنوة لله، واعتبر النبي ليس إلا بشرا، بل وتنزل، فلم يعتبره إلا عبدا من عبيد الله، إلا أنهم جعلوا طاعته ومعصيته، ورضاه وسخطه، وحلاله وحرامه، وتشريعاته وأحكامه، بمثابة طاعة الله ومعصيته، ورضاه وسخطه، وحلاله وحرامه، وتشريعاته وأحكامه، بل تنزلوا إلى ما دون النبي، ليجعلوا طاعة من كان قريبا من نفس النبي وحبيبا إلى قلبه معيارا لطاعة الله وحبه ورضاه، ولم يكتفوا، بل نسبوا إلى هؤلاء الأولياء علما مطلقا، وقدرة مطلقة، كما هو علم الله وقدرته. أقول هذا ولو إننا نقرّ إلى حد كبير من الناحية الفلسفية أن تكون طاعة الرسول المكلف من الله والمبعوث منه نبيا، طاعة لله، ولا بد أن يكون بحكم العقل قبل حكم القرآن «لا يَنطِقُ عَنِ الهَوى، إِن هُوَ إِلّا وَحيٌ يّوحى»، لأن الله عندما يختار إنسانا لمثل هذه المهمة المفترضة من قبل الأديان، فلا بد أن يتمتع ذلك الإنسان بعقلية وروحية تجعلانه بالضرورة – ولو على النحو النسبي لا المطلق، ولكن بدرجة عالية جدا – لا يفكر، ولا تتفاعل عواطفه، ولا يتصرف، إلا عـلى ضوء فهم وروح الرسالة الإلهية، ولكن هذا كله إذا ما صدقت نبوته ورسوليته، عكس ما يثبت البحث الموضوعي العلمي المتجرد والمعمق، الذي يوصل إلى القطع بامتناع نسبة هذه الأديان والكتب والرسل إلى الله. وأذكّر هنا بما سبق وطرحته بأن النبوة/الدين/الوحي/الكتاب من حيث المبدأ وكمفهوم مجرد من ممكنات العقل، بينما الأديان كمصاديق (بالمصطلح المنطقي للمصداق)؛ كمصاديق وأمثلة في الواقع لذلك المفهوم النظري المجرد، إنما هي ممتنعة النسبة إلى الله، وممتنمعة الصدق عقليا فلسفيا ومنطقيا.
كتبت في 08/02/2009، وروجعت في 31/08/2009