السيمر / السبت 27 . 05 . 2017
حسين ابو سعود
بعد ان استشرت الطائفية في بعض المجتمعات الاسلامية وصارت تهدد وحدة المجتمع الاسلامي ظهرت الحاجة الى عقد المؤتمرات والندوات و ورش العمل لبحث هذه المعضلة ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة للتخلص من اثارها السيئة ومن هذه المؤتمرات المؤتمر السنوي الثالث لمركز الدراسات الأكاديمية الشيعية الذي عقد في لندن وقد حضرت وقائعه واستمعت الى طروحات المفكرين والعلماء بهذا الشأن وقد وصف احدهم التقريب بانه اكذوبة كبيرة ولكني وصفت ذلك بالحلم المستحيل لتخفيف وطأة كلمة الأكذوبة ، وقد وجدت بان الكل يسعى الى الحل دون معرفة الحل، وقد تحدث احدهم بشكل جميل عن التفاصيل ولكن عندما وصل الى طرح الحل انتهى الوقت المخصص له فأنهى الحديث وكنت متشوقا لأسمع منه الحل المرضي للأطراف وليس الحلول التعجيزية المستحيلة، وقلة الوقت المتاح مشكلة يعاني منها المتحدثون جميعا في هكذا مؤتمرات اذ لا تكفي نصف ساعة او ساعة للتعبير عن واقع كئيب ومشكلة قائمة خاصة وان العنوان كبير وملّح وضروري والجواب قد يأتي في ندوات عدة موسعة وليس في ندوة واحدة لان الحديث عن الطائفية ذو شجون وهو حديث الضياع بين الهويات الوطنية والدينية والمذهبية وأيهما يجب ان تتقدم على الاخرى ،في وقت لا تستحق القومية ان نفتخر بها ولا المذهب يستحق ان يُفتخر به باعتباره من صنع البشر.
وقد اعترف غير واحد بفشل الخطاب الشيعي في الشارع السني وذلك لتعدد الخطاب واختلافه بين فئة واُخرى ، وهذه مشكلة كبيرة لان المهتمين بهذا الشأن لا يعرفون ماذا يريدون ولا يقدمون التعريف الصحيح القريب من الحقيقة للمشكلة، فالطائفية داء ونحن لم نبحث عن المناعة الموجودة في الدين الاسلامي امام هذا الداء مع ان المناعة موجودة ولكن لا يريد احد ان يعود الى الاسلام في خضم المذهبية السائدة ،والحكومات تمنع او تسمح للطائفية بالانتشار في حين ان الدولة الشرعية القوية لا ترغب في اي تشرذم وتفرق وتمذهب ، والطائفية ليست جديدة على الساحة وهي موجودة في الغرب ايضا ولكن يُنظر اليها على انها تنوع وفسيفساء في حين ان الطائفية في الشرق تعني الدماء والقتل، ونحن بعد ان ضيعنا الاسلام في المذاهب لم نعد ندري أين نبحث عنه، لقد أغرقتنا المذاهب في بحر الطائفية ولم يبق للخروج من سبيل في مجتمعات تفتقد فضاء الحرية فلا احد يستطيع ان يكون شيعيا بين السنة ولا سنيا بين الشيعة، وان استطاع احدهم ذلك الا انه لا يستطيع ان يظهر آراءه الشخصية، وهذه مشكلة قائمة حتى بين أبناء المذهب الواحد اذ يصعب إظهار الرأي وفهم الأمور التاريخية وغيرها خشية التسقيط وقد بلغني بان احد المفكرين الإسلاميين قال: لقد وضعت عقلي في صندوق بسبب الخوف من التسقيط لأنه كان يميل الى التشكيك بحثا عن الصحيح.
من العيوب الكبرى للمهتمين في هذا الشأن هو التصور الخاطئ للخلاف وحصره بين الشيعة والسنة كمذهبين فقهيين والامر ليس كذلك البتة ولا يمكن بحال من الأحوال تحميل الدين مسئولية التقاتل والدماء وتحميل الفقه (ظلما) تبعة الخلافات بين المذهبين فالمسألة سياسية بحتة بدأت من الفترة بعد وفاة الرسول الاكرم عليه الصلاة والسلام الى يومنا هذا ، والا فما معنى التقاتل في دولة مثل الصومال ولا يوجد فيها شيعي واحد، فالسياسة لعبة ولكنها ليست نظيفة، وقد يكون للشيعة مطالب وللسنة مطالب مشروعة منها قضايا اللعن والسب والشتم وبعض القضايا الفقهية الاختلافية الرئيسية.
وما يقال حول اعادة كتابة التاريخ فانه عمل مستحيل لا يمكن ان يتحقق ، والأفضل منها هو ترك التاريخ اذا لا يخدم الحاضر والمستقبل ، وعلينا إلقاء الجزء القاتم الذي لا يخدم من التاريخ في خانة النسيان بدلا من تنقيحه وإعادة كتابته والبدء بتسطير تاريخ جديد زاهر يبدأ من اليوم لتفتخر به الأجيال القادمة عوضا عن التاريخ المليء بالخلافات والحروب والمشاكل.
ومشكلة هذا المؤتمر تشبه مشكلة المؤتمرات الاخرى وهي انعدام المتابعة للمقررات والتوصيات من خلال لجنة من المختصين المخلصين واصحاب الخبرة، علما بان بعض المؤتمرات تشكل لجان المتابعة لكنها تنحل بانتهاء اعمال المؤتمر فلا متابعة ولا تنفيذ ، وفي كل الأحوال تظل هكذا مؤتمرات جهدا مباركا بلا أدنى ريب ولكن عيب هذا المؤتمر هو كثرة المواضيع والعناوين التي بلغت تسعة محاور في وقت ضيق جدا، والقضية تحتاج الى مؤتمر آخر له محور واحد فقط على شكل سؤال وهو : ماذا يريد الشيعي من السني وماذا يريد السني من الشيعي؟ ولماذا لا يقبل الاخر خطاب الآخر وهذا يحتاج الى استماع عميق للطرفين، أقول هذا من واقع الخبرة في مؤتمرات عديدة مشابهة اشتركت فيها، لكي لا يكون هذا المؤتمر مجرد ترف فكري كما باقي المؤتمرات.
أحجمت عن ذكر الأسماء والزمان والمكان مخافة التعرض الى نقد ولوم ان انا خانني النقل الدقيق لطروحات المشاركين.