السيمر / الاحد 11 . 06 . 2017
ضياء الشكرجي
أما فيما يتعلق الأمر بداعية شن الحرب على الإلحاد الثاني، أعني نوري المالكي، فأريد أن أذكّر بما تناولته في مقالة لي في 10/04/2012 ردا على خطبة نارية كان قد ألقاها المالكي في التاسع من نيسان عامئذ، حيث كانت الذكرى الثانية والثلاثين على إعدام المرجع محمد باقر الصدر، إذ جاء في كلامه:
«الصدر الذي هو مدرسة للفكر التي نشأنا وتسلحنا بها في وقت كانت التحديات الفكرية الإلحادية والماركسية والعلمانية والتي استطعنا بفكره تهديم كل هذه الأفكار الغريبة».
وكتبت في حينها أن رئيس مجلس وزراء جمهورية العراق آنئذ قد تكلم بصفته الحزبية بوصفه (الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية)، ولم يتكلم بصفته الرسمية كرئيس لمجلس الوزراء. ولحد هنا الأمر قد يكون طبيعيا، ولكن المستهجن في الأمر أنه تكلم مرة ثانية بصفته الحاج أبو إسراء، أو الحاج جواد المالكي، وكأنه يتحدث في حسينية الشهيد الصدر أو الحسينية الحيدرية التي كان يديرها حزب الدعوة في منطقة السيدة زينب في دمشق، حيث كان المالكي مسؤول التنظيم لحزب الدعوة في المهجر السوري، لغاية سقوط ديكتاتورية صدام.
كامل الجملة التي بدأت بها مقالتي للمالكي كانت كالآتي:
«إن الدولة التي تتنوع بمكوناتها لا يمكن أن تبنى بمكون واحد على حساب مكون آخر، واليوم ونحن نستذكر استشهاد الصدر الذي هو مدرسة للفكر التي نشأنا وتسلحنا بها في وقت كانت التحديات الفكرية الإلحادية والماركسية والعلمانية، والتي استطعنا بفكره تهديم كل هذه الأفكار الغربية.» ولا أدري ما هي العلاقة، أو كما يعبر العراقيون أين (الربّاط) بين كون «الدولة المتنوعة بمكوناتها لا يمكن أن تبنى بمكون واحد على حساب مكون آخر»، وبين قوله إن «الصدر مدرسة للفكر نشأوا وتسلحوا بها، فاستطاعوا بفكرها مواجهة التحديات الفكرية الإلحادية والماركسية والعلمانية وهدم أفكارها». أفليس هناك من تناقض بين رفضه لإلغاء التنوع (المكوناتي) ودعوته إلى محاربة التنوع الفكري المتمثل بما أسماه بـ:
1.الإلحاد.
2.الماركسية.
3.العلمانية.
4.الحداثوية.
يبدو إن المالكي يريد إحياء وتفعيل شعار «الشيوعية كفر وإلحاد»، فتوى جد صاحب الدعوة الأخير يالضرب بيد من حديد على الإلحاد رئيس التحالف الشيعسلامي.
ودعوت القارئ في تلك المقالة ليتأمل جيدا كيف دمج المالكي بين (الإلحاد)، و(الماركسية)، و(العلمانية)، و(الحداثوية) التي ذكرها في جملة لاحقة محرضا علماء الدين لمواجهة خطرها وخطر بقية المفردات. وفي هذا نوع من التشويش والخلط المتعمدين كما يبدو، فهو يريد من جهة وبشكل غير مباشر أن يتهم كل العلمانيين والحداثويين بـ(الإلحاد)، وبالتالي كونهم يمثلون خطرا على الدين، لأنه عاد ليكون كـ(داعية) مدافعا عن حمى (الدين) وحمى (المذهب). فهل تصلح مثل هذه الثقافة التي يحملها رئيس وزراءنا – آنذاك – ليقود العراق الذي يفترض به – وحسب الدستور الذي شارك في كتابته – أنه «دولة […] نظام الحكم فيها […] ديمقراطي»، وأنه «بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب»، وأن «لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة»، وأن الدولة فيه «تكفل حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني»؟
ووجهت في تلك المقالة سؤالا لـ(الدعاة)، ما إذا كانوا ما يزالون يحلمون بتحويل العراق إلى دولة ثيوقراطية تطارد فيها محاكم التفتيش من يزاول حرية الفكر والعقيدة، ثم عقبت بأن هذا الحلم لن يتحقق، لأننا – نحن المؤمنين بمقدس الحرية – سيبقى صوتنا صادحا، ما زالت هناك فسحة من حرية يبقى المالكي مضطرا بالالتزام بإبقائها، لاستحالة التأسيس لديكتاتورية جديدة، لتعدد المتصارعين على التفرد بالسلطة.
وعودا إلى دعوة الضرب بيد من حديد على الإلحاد والملحدين التي أطلقها رئيس المجلس الأعلى، رئيس كتلة المواطن، رئيس الائتلاف الوطني، رئيس التحالف الوطني، رئيس مؤسسة شهيد المحراب، إلى آخر القائمة. فأقول إذا كانت فعلا هناك ظاهرة إلحاد، فبلا شك يتوزع هؤلاء المواطنون الملحدون إلى قسمين، قسم اختار الإلحاد عن قناعة، بعد تفكر وتدبر، سواء أصاب في النتيجة أو أخطأ، فهذا حقه كإنسان حر وحقه كمواطن أن يختار ما يوصله إليه عقله وما تمليه عليه قناعاته، والقمع لا يمكن أن يلغي القناعات، بل قد يجذرها ويقوي تمسك أصحابها بها. وقسم آخر، هم أولئك الذي أصيبوا بخيبة أمل في الإسلاميين، وعموم (المتدينين) الذين مارسوا السياسة فأفسدوا وسرقوا أو هدروا المال العام، وأججوا الصراعات، وأهملوا الخدمات الضرورية، وضيعوا الفرصة على العراق في الانطلاق ببداية جديدة واعدة بعد الدكتاتورية. ولكني لا أشك في أن عمار الحكيم ونوري المالكي وشركاهما يحسبون حتى المؤمنين اللادينيين ملحدين، لأن الإلحاد عندهم ليس عدم الإيمان بوجود الخالق فحسب، بل حتى الإيمان بالله دون الإيمان بالدين هو إلحاد عندهم، ثم هناك شريحة واسعة بتقديري من اللاأدريين فهم ليسوا ملحدين ولا هم مؤمنين، بل ببساطة لا يدرون، ولا يريدون أن يدروا، فدعوهم في لاأدريتهم ولا تنعتوهم ملحدين.
وأخيرا أقول لا يخفى على أحد إن دعوة الضرب من حديد، موجه إلى التيار المدني الذي يتظاهر منذ ما يقارب الثلاث سنوات ضد الفساد والمفسدين وضد المحاصصة المكوناتية والحزبية وضد الطائفية السياسية، وكل السياسات التي أضرت بالعراق وبالعراقيين وبعملية التحول الديمقراطي، وحالت دون بناء دولة المواطنة، دولة المؤسسات، دولة سيادة القانون، الدولة المدنية التي تصون الحرية الدينية من جانب، وتعتمد من جانب آخر الفصل التام بين الدين والتدين من جهة، والدولة والسياسة والشأن العام من جهة أخرى، في ظل قضاء مستقل ونزيه، وتعتمد العدالة الاجتماعية وتسعى لتحقيق مجتمع مرفه ومتقدم، يتمتع بالخدمات الضرورية، بل وما دون الضرورية؛ هذا كله الذي كان مشروعكم الإسلاموي قد أثبت فشله في تحقيق الحد الأدنى منه، أيها القلرعون طبول الحرب على التيار المدني بعد أن تريدون وصمه بالإلحاد، ولو كان علي حاضرا، لقال لكم: ملحد عادل خير من إسلامي ظالم.
08/06/2017
ملاحظة: بعض فقرات المقالة استقطعت من مقالتين سابقتين لي، هما مقالة «رئيس وزرائنا يعلن الحرب الفكرية ضدنا نحن العلمانيين» في 10/04/2012 ومقالة «لست مسلما .. لماذا؟» بثلاث حلقات في 18، و19، و21/01/2016.