أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / 118 دفاعا عن القرآن تلوى كلماته إلى غير معناها

118 دفاعا عن القرآن تلوى كلماته إلى غير معناها

السيمر / الأربعاء 19 . 07 . 2017

ضياء الشكرجي

هذه هي الحلقة الثامنة عشر بعد المئة من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين.

وصلني بالبريد الألكتروني موضوع كتبه مسلم لم يذكر اسمه، يدافع عن القرآن بنفي وجود حكم بقطع يد السارق، وذلك فيما جاء في الآية 38 من سورة المائدة «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقطَعوا أَيدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزيزٌ حَكيمٌ». حيث فسر قطع اليد بمعنى منعها عن السرقة. وهناك مجموعة تفسيرات لكلمات وردت في القرآن، بادعاء معنى آخر لها غير المعنى الظاهر، ففسروا كلمة الضرب في «فَاضرِبوهُنَّ …» والرجال في «وَعَلَى الأَعرافِ رِجالٌ …»، وفي «في بُيوتٍ … يُسَبِّحُ لَهُ فيها بِالغُدُوِّ وَالآصالِ رِجالٌ …» وكلمة القتل في «فَاقتُلوهُم أَينَما ثَقَفتُموهُم»، والكفر أينما وردت عبارة «الَّذينَ كَفَروا»، وغيرها إلى غير المعاني الظاهرة لكل من تلك الكلمات. ففسروا كلمة (الضرب)، أي ضرب النساء الناشزات بالمفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل، وفسروا كلمة (الرجال) بالأشخاص رجالا ونساءً، وفسروا كلمة (القتل) أي قتل غير المسلمين منع أذاهم. وسأقتصر هنا على ما وردني من تفسير «فَاقطَعوا أَيدِيَهما» فيما يتعلق بالسارق والسارقة.
وجدت هذا الرجل الذي وصلني تفسيره لكلمة (القطع) يريد أن يقنعنا إن كلمة «فَاقطَعوا» في آية «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقطَعوا أَيدِيَهُما» تعني (وامنعوا)، كما، وفسر «أيدِيَهُما» بمعنى (قوتهما). ولأمر على ما أورده من أدلة على ما يذهب إليه، واضعا مناقشتي بين مضلعين [هكذا]، إذ جاء في كلامه ما يأتي:
يعتقد الكثير إن قطع يد السارق تعني بترها، لكن القطع معناه المنع وليس البتر [هذه التبريرات نعرفها، فهناك من يقول «فَاضرِبوهُنَّ» لا تعني الضرب، وهناك من يقول إن الكفر لا تعني عدم الإيمان أي عدم اعتناق الإسلام. فلو صحت هذه التفاسير أو التخريجات، لكان هذا سببا آخر للتشكيك بإلهية القرآن، لأن هذا يعني إن مؤلفه لا يعرف كيف يوصل الفكرة واضحة للجميع، بلا لبس وبلا حاجة إلى تأويل، وهذا ما يتعالى ويتنزه عنه الله]، ومن ذلك قولنا فلان قطع الطريق، فليس المعنى أنه أخذ منشارا وشق الطريق نصفين [الكلمة عندما تستعمل بغير معناها المشهور، أو بغير معناها الحقيقي، بل بمعنى مجازي، فلا بد من قرينة تدل على ذلك، على الأقل من خلال السياق، وإلا فخلاف الحكمة أن يقول المرء شيئا ويعني به شيئا آخر من غير قرينة]. بل المعنى أنه منع الاستفادة من منافع الطريق، وهذا هو المراد من قوله تعالى «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما …» – المائدة. أي اقطعوا (امنعوا) قوتهما التي استخدماها في السرقة، والمنع يكون بالحبس مثلا. فالقطع يرد في القرآن، والمراد منه المنع قال تعالى «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم …» – محمد. وقال تعالى «والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل …» – الرعد، أي يمتنعون ويمنعون العمل بعهد الله، والآيات كثيرة [في المثالين المذكورين واضح المعنى المجازي للقطع من خلال السياق، وهذا لا ينطبق على آية قطع اليد]. واليد ترد في القرآن، والمراد منها القوة. قال تعالى «وذكر عبدنا داوود ذا الأيدي إنه أواب» – ص. أي صاحب القوة [إذا استعملت كلمة في نص ما بالمعنى المجازي لا يجوز تفسير الكلمة كلما وردت بنفس المعنى المجازي، فالأصل أن تفهم الكلمة بمعناها الحقيقي، ما لم يكن هناك ما يدل على استخدامها بمعنى مجازي، ولا أدري بماذا سيفسر صاحبنا وجوب غسل اليدين في الوضوء، فهل تعني غسل القوتين، وأي قوتين هاتان، وما معنى غسل القوة]. وقال سبحانه «واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار» – ص. أي أولي القوة في الحق، وليس المراد أن عندهم أيدي كثيرة. ولو كان المراد بالقطع في الآية هو البتر، لوجب علينا أن نقطع أيدي (جوارح) السارق والسارقة الأربع، لأن الآية تقول أيديهما ولم تقل يديهما، ولم يقل بذلك أحد. [هناك عدة مواقع في القرآن حصل فيها مثل هذه الأخطاء البلاغية وأحيانا النحوية، على سبيل المثال قول «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلوبِهِم وَعَلى سَمعِهِم وَعَلى أَبصارِهِم»، فجاءت القلوب والأبصار بصيغة الجمع، بينما السمع جاء بصيغة المفرد، وهذا خلاف البلاغة، أو إن المؤلف ذكر الأيدي بصيغة الجمع بقول «أَيدِيَهُما» وليس بصيغة المثنى «يَدَيهُما»، لتضاف هذه الآية للمتشابهات، أي متعددة المعاني، ليأتي فقيه متشدد، ليقول بوجوب قطع كلتا يدي السارق، لأنه لو قطعت يمناه، فسوف يسرق بيسراه، أو هي كما بينت من الأخطاء التي لا يخلو القرآن منها] وكذلك لو كان المراد من القطع في الآية هو البتر لبطلت الآية الثانية التي وردت بعدها مباشرة، لأن الله يقول فيها «فَمَن تابَ مِن بَعدِ ظُلمِهِ وَأَصلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتوبُ عَلَيهِ، إِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ» – المائدة. فلو بترنا يده فما فائدة توبته وبترت يده [لا أعرف هل كاتب هذه السطور جاهل بفهم القرآن، أم يريد أن يستغفل المتلقين، فالتوبة هنا أخروية، وتعني توبة الله على السارق، وعدم معاقبته في الآخرة، وهذا لا يلغي الحكم الدنيوي، فلا تلازم بين إقامة الحدود في الدنيا، وبين الجزاء في الآخرة، فثمة معاقَبٌ في الدنيا بأحد الحدود الشرعية قد يُغفَرُ له ويُتاب عليه في الآخرة، وثمة مَعفِيٍّ عنه في الدنيا بمبرر شرعي قد يستحق العقاب في الآخرة، طبعا حسب فهم الإسلام والقرآن والفقه الإسلامي]. ولكن عندما نقول أن القطع بمعنى المنع تظهر فائدة الآية الثانية، فمن صلحت حاله عفونا عنه، والأمر نسبي بحسب جرمه. [ثم أقول له قبل أن تنتقل بنا إلى الآية التالية لهذه الآية كان عليك أن تورد الآية نفسها كاملة، وهي «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقطَعوا أَيدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزيزٌ حَكيمٌ»، فذيل الآية يبين العلة من قطع اليد، ألا هو (النَّكال) أي التنكيل به، أي إخزاءه في المجتمع، ليظهر أمام الناس مقطوع اليد، حتى يعرف الجميع أنه سارق.] ثالثا – لو كان القطع بمعنى البتر لخلت الحكمة من هذا الحد، فمن سرق مليار بترنا يده، ومن سرق ألف دولار بترنا يده، فأين العدل؟ [هذا السؤال لا يوجه إلى غير المؤمنين بإلهية القرآن، بل يوجه إلى مؤلفه، فعدم عدالة أحكام الإسلام، ليس في هذه القضية حصرا، بل في الكثير من القضايا، هو مما يدل على امتناع صدور هذه الأحكام من الله] ولكن عندما يكون القطع بمعنى المنع يظهر العدل جليا، فكل سارق يحاسب بقدر جرمه. رابعا – ورد تطبيق عملي في القرآن الكريم لعقوبة السارق في سورة يوسف. قال تعالى «قالوا يا أَيُّهَا العَزيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيخًا كَبيرًا (فَخُذ أَحَدَنا مَكانَهُ) إِنّا نَراكَ مِنَ المُحسِنينَ * قالَ مَعاذَ اللهِ (أَن نَّأخُذَ) إِلا مَن وَجَدنا مَتاعَنا عِندَهُ إِنا إِذًا لَظالِمونَ» – يوسف. قالوا خذ أحدنا مكانه، ولم يقولوا ابتر (اقطع) يد أحدنا بدل يده. وقال لهم يوسف «مَعاذَ الله أن نأخذ» ولم يقل لهم أن نبتر (نقطع). [مرة ثانية أسأل، هل هو جهل أم استغفال للآخرين؟ أولا: لم تكن أحكام الإسلام سائدة في زمن يوسف، وثانيا: كان يوسف تحت سلطة فرعون، فهل كانت مصر الفراعنة تعمل بشريعة الإسلام؟ ونحن نعلم إن الإسلام نفسه يقر بتبدل شرائع الله حسب شريعة كل من الأديان التي ينسخ لاحقها سابقها.] وأخيرا الله سبحانه و تعالى لا يشرع لنا حكما يخلق عاهات في المجتمع، فبتر اليد ينقلب سلبا على نفسية السارق وأهله وأولاده وتشويها للإسلام [بالضبط إن الله من المستحيل أن يشرع هكذا أحكام، ولذا فتشريعات الإسلام، كما تشريعات كل الأديان، بكل تأكيد ليست تشريعات الله، وهذا واحد من أهم الأسباب التي تجعلنا نقول بامتناع نسبة الإسلام وعموم الأديان الإبراهيمية وغيرها إلى الله]، والله تعالى يقول [لم يَقُل بل قُوِّل] عن دينه العظيم [أي دين محمد] «هُوَ الَّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» – التوبة. [هنا تتحقق وحدة الشاهد والمشهود له، وبه يكون الدور المحال منطقيا]. والله أعلم. [صحيح: الله أعلم، وهو يعلم أن ما نسب إليه من أديان وشرائع ليس من صنعه، وما أوحى بها، ولا أنزل كتابا، ولا أرسل رسولا، إنما أودع في الإنسان عقلا يفكر به، وضميرا يحاسبه ويقوم مسيرته.] هذه مناقشتي باختصار لما ورد من ليّ كلمات القرآن إلى غير معناها، تبريرا له، ودفاعا عنه، ولو بحسن قصد من البعض، مع احترامي للمؤمنين بالإسلام، لاسيما لعقلائهم وطيبيهم، وكذلك احترامي لغير المؤمنين بالله، وللمؤمنين بغير الإسلام من الأديان، وباللاأدريين والإلهيين اللادينيين من أقراني، خاصة لعقلاء وإنسانيي كل ممن ذكرت ومن لم أذكر.

أواخر شباط 2017

اترك تعليقاً