معمر حبار
يقول أستاذ جامعي عبر إحدى الفضائيات بغضب شديد، العرب ساهموا في استقبال اللاجئين وتقديم كافة المساعدة وبكرم شديد، ثم يتساءل مستنكرا..
لماذا يتم الحديث عن إستقبال ميركل للاجئين السوريين، ولا يتم التحدث عن الكرم العربي؟.
إن العرب كانوا بطريقة أو بأخرى سببا في مأساة السوريين، بالإضافة إلى كونهم مارسوا عملية إنتقاء وهم يستقبلون اللاجئين السوريين، حسب الميولات السياسية والمواقف المؤيدة والمعارضة. بينما ميركل لم تكن – فيما نعلم – سببا في الأزمة السورية ولم تفرق بين مسلم ومسيحي، ولم تميز بين مؤيد ومعارض، بل عاتبت بشدة زملاءها الأوربيين خاصة منهم أوربا الشرقية، لاشتراطهم استقبال اللاجئين المسيحيين دون اللاجئين المسلمين، مستنكرة عليهم هذه العنصرية وداعية إياهم إستقبال المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
ليس المجال هنا مقارنة ماقامت به السيدة ميركل تجاه اللاجئين السوريين دون استثناء ولا تمييز، وبين ماقام به بعض العرب تجاه إخوانهم اللاجئين السوريين. إنما الحديث عن أجنبي سارع لاحتضان العربي من جهة، ومن جهة ثانية إمرأة وحيدة تسمى ميركل، تنتفض لوحدها بل تنتفض ضد زملائها الأوربيين لاستضافة رجال العرب، والفارين من جرائم رجال العرب.
المسألة إذن، في جرائم عربية تجاه إخوانهم العرب، حيث فرضوا على إخوانهم التشريد والنفي والذلة والمسكنة وسفك الأرواح ونسف البنايات وحرق الزرع والنبات، وزادوا عليها أن أهانوا اللاجئين من إخوانهم حين ميّزوا بين لون العمامة، وقسّموا اللاجئين إلى طوائف، ولم يراعوا حق الأخوة ولا الانسانية التي لا تفرّق بين الدين واللغة والتاريخ.
قريش بعثت بداهية العرب عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة، بهدايا غالية ورشاوى تسيل لعاب القطط الكبرى ليرشوا بها الحبشي، لكي يسلمهم اللاجئين، وطردهم النجاشي المسيحي من أضيق الأبواب وأصغرها، واستقبل رجال العرب الفارين بأرواحهم من رجال العرب.
وهاهي أمامكم السيدة ميركل خليفة النجاشي في المروءة والشجاعة، تقتفي آثاره وتستقبل رجال العرب الفارين بأرواحهم من رجال العرب.
وأجزم لو وضعت الشمس عن يمين السيدة ميركل ووضع القمر في شمالها، لفضلت إبقاء اللاجئين السوريين معها ولو كلفها الأمر تقديم الاستقالة، أو تنحيتها من المنصب الذي لاتسعى إليه أبدا.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم النجاشي بصلاة الغائب، عرفانا بما قدم من خدمة تجاه العرب المسلمين وصيانة أرواحهم. والمطلوب منا اليوم أن نعترف بفضل السيدة ميركل ونقدم لها أدنى معروف، ولعل أدناه شكرها والثناء عليها والشد على يديها ومساعدتها واتخاذها قدوة لرجال العرب في أن يكونوا مثلها في حماية الأرواح واستقبال اللاجئين ومد العون لهم دون النظر إلى طائفة أو دين أو لغة، وأن لايكونوا سببا في انتهاك حرمات إخوانهم، وتهجيرهم وتشريدهم ونفيهم.
كتبت منذ سنوات عن مساهمة الكفار والمسيحين في دعم ومساندة الدعوة الاسلامية في مراحلها الأولى من حياة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفردت لذلك مقالات متفرقة معزّزة بأشخاص ووقائع. واليوم حان الوقت ليعترف المتتبع من فضل المسيحيين في استقبال اللاجئين السوريين، وحماية أعراضهم وأرواحهم، وعلى رأسهم السيدة المرأة المسيحية ميركل.