محمد شمص / لبنان
تمرّ العلاقات السعودية ــ المصرية بمرحلة فتورٍ، بل توترٍ أحياناً، على خلفيّة الملفات الخلافية الشائكة بين الجانبين. فبعد أن فشلت الرياض في إقناع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالانفتاح والحوار مع حركة الاخوان المسلمين والدفع نحو تسوية سياسية معها (تُصنف الحركة في القاهرة تنظيماً ارهابياً على صلة بالجماعات التكفيرية والسلفية القتالية)، بدأت الأزمة بين القاهرة والرياض تأخذ منحى تصعيدياً، من بوابة اليمن وباب المندب هذه المرة. هذا الممر المائي، يُعتبر ثاني أهم مضيق في العالم بعد قناة السويس.
يبلغ عدد السفن التي تمر عبره نحو 21 الف ناقلة سنوياً ويشكّل سبعة في المئة من انتاج النفط العالمي، كما أن مصر سعت للسيطرة عليه خلال حرب الـ1973.
أي شخص تخصص بـ«جيوبوليتيكا» الخليج واقتصاد الممرات البحرية في المنطقة، يدرك تماماً أنّ أي توتر أمني أو عدم استقرار في باب المندب سيؤثر مباشرة في قناة السويس، عصب الاقتصاد المصري الذي أصيب بشلل شبه تامّ بعد هجوم القوات السعودية البحري المتواصل على هذا المضيق منذ أكثر من أسبوع. التقدم الوحيد الذي حققته هذه القوات هو الإضرار بالاقتصاد المصري وخنق التجارة وحركة السفن في قناة السويس.
لكن لماذا نقلت السعودية المعركة من مأرب التي اعتبرها اعلام الرياض استراتيجية ومصيرية للدخول الى صنعاء، الى باب المندب؟
1- إن اعلان مصر رسمياً دعمها للتدخل الروسي النوعي في سوريا وبدء الضربات الجوية ضد المجموعات الارهابية والحديث عن تنسيق روسي ــ مصري مشترك، أزعج المسؤولين السعوديين. لذلك، قررت الرياض فتح المعركة في باب المندب، متجاهلةً مصالح المصريين الاقتصادية بغية تحقيق هدفين: الاول، تحقيق خرق في هذا المضيق بعد فشل هجوم مأرب. ثانياً، بعث رسالة تأديب الى القيادة المصرية على موقفها من التدخل الروسي في سوريا. الرسالة السعودية للمصريين مفادها «أننا نملك مفاتيح المنطقة واقتصادها ولا نقبل بابتزازنا المستمر مادياً وسياسياً».
2- الانزعاج السعودي تُرجم أيضاً بعملية أمنية في عدن: محاولة اغتيال رئيس الحكومة الموالي للامارات خالد البحاح. وهو يُعتبر مرشح الامارات للمرحلة المقبلة في اليمن ويلتقي مع القيادة المصرية في عدائه لـ«الاخوان» وحزب الاصلاح. أما بالنسبة للرياض، فتتمسك بالرئيس السابق عبد ربه منصور هادي.
التفجيرات استهدفت أيضاً مركز قيادة العمليات العسكرية للقوات الاماراتية مُسفرة عن مقتل 18 جندياً وضابطاً اماراتياً. أصابع الاتهام، تشير الى تورط السعودية وحلفائها (حزب الاصلاح اليمني ــ الاخوان المسلمين)، على الرغم من البيان الذي صدر عن «داعش» وتبنيه العمليّة، استناداً الى رئيس تحرير صحيفة «الراي اليوم» عبد الباري عطوان. المعلومات تؤكدها أيضاً مصادر يمنية مطلعة.
3- في المقابل، بدأت الامارات (يجمعها مع مصر العداء لتظيم الاخوان) بسط نفوذها في مناطق انتشارها في اليمن، حيث أكدت مصادر عسكرية يمنية أن الامارات سيطرت عسكريّاً على وادي وهضبة حضرموت وأنشأت فيها ثلاثة معسكرات ضخمة في مناطق عيوة والخايرة وثومة، اضافة الى أنها في صدد انشاء معسكرات اخرى.
المصادر نفسها أكدت أن جميع هذه المناطق غنية بمنابع وحقول النفط ويُمنع عناصر وجنود هادي من الدخول اليها. وتضيف أن سكان حضرموت يتحدثون عن «احتلال اماراتي ناعم» لهذه المناطق وأنها أضحت الامارة الثامنة في الامارات العربية المتحدة.
4- وليس بعيداً عن صراع النفوذ بين الامارات والسعودية حول اليمن، نُشر في الاعلام السعودي خبر وفاة عبد الرحمن بافضل، القيادي البارز في الاخوان المسلمين وأحد أهم رموزها المقيم في الرياض، في حادث سير غامض، في ظل صمت وعدم نعيه أو تأكيد خبر موته من قبل حزب الاصلاح اليمني الاخواني وقيادات الاخوان في العالم. عبد الرحمن بافضل قاد كذلك «الاخوان» في اوروبا وعمل نائباً ووزيراً في حكومة الرئيس الاسبق علي عبد الله صالح.
الابتزاز المصري للسعودية بدأ يتزايد، بحسب تغريدات السعودي الشهير «مجتهد» وكشفه أن المسوؤلين السعوديين ينقسمون حول كيفية الردّ على المصريين وابتزازات الرئيس السيسي الاقتصادية والمادية لهم. ففي وقت قرر ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان الردّ بمجاملة السيسي عبر دعمه مادياً وتفادياً للخلافات والمواجهة مع مصر، اختار الامير محمد بن نايف الردّ على الابتزاز المصري بابتزاز مقابل عبر زيادة الانفتاح السعودي على الاخوان المسلمين، وكان آخرها دعوة الشيخ يوسف القرضاوي للمشاركة في العيد الوطني في السفارة السعودية في قطر وتوجيه دعوة له لزيارة «المملكة». ويشير «مجتهد» في تغريدة له أن مصر ستتخذ اجراءات عدة، اذا لم يستمر الدعم السعودي المادي لها (على الرغم من اعتذار السعودية بسبب وضعها المادي الصعب وأعباء الحرب على اليمن)، من هذه الخطوات:
1- تصعيد الحملة، في وسائل الاعلام المصرية، ضد السعودية
2- دعم سياسة ايران اقليمياً
3- فتح ملفات تتعلق بفساد بعض الامراء السعوديين
اما في المحافظات اليمنية الجنوبية، فيبدو أن جبهة التحالف السعودي ــ الاماراتي بدأت تُستنزف جراء هذه الخلافات والصراعات، حيث تتنافس القوات السعودية والاماراتية على المناطق الغنية بالنفط، على الرغم من الاتفاق السعودي ــ الاماراتي بأن تخضع مناطق مأرب والجوف وحضرموت لنفوذ وسيطرة السعودية. أما محافظة عدن، فتكون تحت النفوذ الاماراتي. بيد أنّ الامارات أخلت بالاتفاق ووضعت يدها على وادي وهضبة حضرموت، وهي تمنع حضور السعودية وتعزيز نفوذها في عدن ومينائها الحيوي، الذي يُعدّ منافساً رئيسياً وتاريخياً لميناء دبي.
صراع النفوذ بين السعودية والامارات على منابع النفط هو جزء من المشهد المأزوم في المحافظات الجنوبية التي ترزح تحت وطأة الاحتلال السعودي ــ الاماراتي. يُضاف اليه الانتشار السريع والواسع للجماعات التكفيرية وتنظيم «داعش»، الذي أعلن عن امارتيّ اب وعدن بعد اعلانه امارة حضرموت والبدء بتنفيذ أحكام اعدام علنية في محافظة عدن. يُعتبر هذا الامر، مؤشراً واضحاً لصورة المشهد الذي سيهيمن على المناطق كافة التي قد تسقط بأيدي القوات السعودية وبأن التجربة السورية قد تتكرر.
الخلافات المتعاظمة على السلطة بين هادي ورئيس حكومته البحاح، ظهر أيضاً في الانقسام والتخبط حول قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران بعد حادثة منى ومقتل الحجاج الايرانيين والتصعيد الايراني ضد السعودية. فطلبت الرياض من البحرين واليمن الردّ على «الجمهورية الاسلامية»، لذلك أعلن وزير الخارجية اليمني رياض ياسين قطع العلاقات مع طهران، فيما نفى المتحدث باسم حكومة البحاح راجح بادي ذلك.
أما الحراك الجنوبي، الذي يعاني تشتتاً وانقساماً بين رموزه الغائبين أو المغيبين عن الساحة والمشهد السياسي، فتشير مصادر يمنية مطلعة أن قاعدته الشعبية تتململ ويصيبها الاحباط والاحساس بالغبن والتهميش بعد وعود السعودية الرنانة لهم كدعم الانفصال عن الشمال. من أبرز هؤلاء الرموز: الرئيس السابق لجمهورية اليمن الجنوبي علي سالم البيض، المقيم حالياً في بريطانيا. تشير المصادر، نقلاً عن زواره، إلى أنه نادم على انحيازه الى جانب التحالف السعودي وحربه على اليمن.
إن هذه الخلافات، التي تنعكس سلباً على التحالف السعودي سياسياً وعسكرياً، ليست التحدي الوحيد للتحالف. تعاني السعودية أزمة مادية كبيرة نتيجة الحرب على اليمن، الامر الذي دفع الملك سلمان بن عبد العزيز الى ااعلان اجراءات تقشف وتجميد مشاريع كبرى ووقف التعيينات وشراء السيارات. وتشير الارقام الى أن كلفة الحرب على اليمن بلغت 195 مليون دولار عن كل يوم. وكشفت بعض المعلومات، عن أن السعودية ترصد مليارات الدولارات لتمويل حملة علاقات عامة في الولايات المتحدة الاميركية ودول اخرى لمواجهة الانتقادات اللاذعة التي تواجهها على خلفية قتلها الاطفال والمدنيين في اليمن والحكم بالاعدام على الشاب السعودي علي النمر. لذلك، طالبت منظمة العفو الدولية دول العالم بوقف بيع الاسلحة للسعودية. ونشر الكاتب الاميركي لي فانغ مقالاً في موقع «ذا انترسبت» يتحدث عن توقيع السعودية اتفاقيتين مع كلّ من شركة «بولمان» العملاقة للعلاقات وشركة «بوديستا غروب».
في المقلب الآخر، يُظهر الجيش اليمني واللّجان الشعبية وأنصار الله بَسالةً وتماسكاً في صدّ وافشال هجمات عدة شنتها القوات السعودية ــ الاماراتية، بمشاركة اسرائيلية، على باب المندب واستهداف بارجة سعودية، بحسب مصادر عسكرية. وحذّر رئيس المكتب السياسي لحركة أنصار الله صالح الصماد من عواقب معركة باب المندب وارتداداتها، قال في بيان أصدره: «اتجه العدوان لفتح جبهات جديدة من باب المندب، الذي حرص شعبنا كل الحرص على تحييده عن الصراع طيلة الاشهر الماضية لحساسية ذلك. لكن حاول العدوان افتعاله، لتسويغ عدوانه واستجلاب من لم يستجلبهم من القوى الدولية». ويعتبر اليمنيون أن باب المندب سيبقى بوابة الدموع للغزاة، في اشارة الى ما ذكره المؤرخ والفيلسوف العربي ابن خلدون عن أصل تسمية باب المندب أو بوابة الدموع، فقال إن «غزاة اليمن عبر باب المندب، لا يعود أحد منهم. فيبدأ البكاء والندب والعويل عليهم في بلدانهم، ولهذا سمي باب المندب».
فهل يعي المسوؤلون السعوديون هذه الحقائق التاريخية قبل فوات الأوان؟
الاخبار اللبنانية