الرئيسية / مقالات / نعيم الفردوس السياسي

نعيم الفردوس السياسي

الثلاثاء 10 . 11 . 2015

كاظم فنجان الحمامي

لو تمسكنا بالتجرد الذي يجنبنا المواقف الدفاعية المتحيزة، فسوف نتوصل إلى نتيجةٍ يقينيةٍ، تثبت بما لا يقبل الشك والتأويل: أن المواطن العراقي تعرض لأضرار فادحة، وأن جزءاً من تلك الأضرار كان نتيجة للبذخ الذي تعيشه الطبقة السياسية الانتهازية المترفة، التي ظلت تتأرجح بين قطبين متنافرين، أحدهما يتظاهر بالانتماء إلى واحات الوعظ والتنظير، والآخر ينبع من أعماق مستنقعات الطائفية.
ربما لم يسمع الناس في القارات البعيدة بأخبار ملائكة الامتيازات الخرافية، الذين ولدوا في العراق، وخرجوا من رحم العملية السياسية قبل بضعة أعوام، ثم تربعوا فوق قمم المراكز القيادية المرموقة، فتسيدوا علينا في غفلة من غفلات الزمن، ليتحكموا بالعباد، ويتلاعبوا بثروات البلاد كيفما يشاءون، حتى أرتقى بهم الترف البرمكي إلى منازل الملوك والأباطرة، فالرواتب الفلكية التي يتقاضونها لا مثيل لها في الكون كله، والحصانة التي يتمتعون بها تجاوزت حصانة الفراعنة، وقوافل الحمايات التي تجري خلف مواكبهم الأميرية تفوقت على مواكب نابليون بونابرت ولويس السادس عشر، وتضخمت أرصدتهم في البنوك والمصارف الدولية حتى طغت على كنوز قارون.
أغلب الظن أن أبطال السيرك السياسي تحصنوا بدروع المحاصصة المذهبية، ليزايدوا بها ضد بعضهم البعض، ويزكوا أنفسهم بطرق التضليل، وربما تسلحوا بها للانتقاص من الآخرين، فانزلقوا في هذه المتاهات المريبة، حتى أصبحت المتاجرة بالدين من الأمور المرجحة، وأصبح التخلي عن المبادئ الوطنية والإنسانية أمراً مستساغاً، لا يبخس من قيمة صاحبه، بل أصبح التبرير لهذه الازدواجية امراً تذود عنه الفئات المتعاطفة طائفياً مع الباحثين عن الثراء الفاحش على حساب أولاد الخايبة. حتى جاء اليوم الذي انقلبت فيه المعايير، واكتسبت فيه الأشياء الذميمة أسماءً حسنة، فصارت السرقة فروسية، وصار سلوك معظم رجال السياسة متصفاً بالبذخ والغرور والتعالي، بينما تمسكت عوائلهم بالبقاء خارج العراق، واقتصرت انشطتهم في الغالب على التسوق والسهر، فطغى النمط النفعي الاستهلاكي على توجهاتهم الضيقة، وتوهموا أنهم قادرون على شراء كل شيء بأموالهم، حتى قيل أنهم اشتروا أصوات الناس لضمان الفوز في الانتخابات. وظهرت علينا طبقات هلامية هجينة من المتنعمين بهذا الفردوس الرافديني العجيب، طبقات غير واضحة الملامح. ما انفكت تتفاخر بزهو الاقطاع السياسي، وليس زهو النهوض والتقدم إلى الأمام، ولا زهو المقدرة على العطاء الوطني المثمر.