الأربعاء 11 . 11 . 2015
أحمد الشرقاوي / مصر
قال الأمير السعودي ‘ تركي بن بندر بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود’، خلال “منتدى الحوار” الذي عقده الأسبوع الماضي في بيته بباريس بحضور نخبة من الطبقة العربية المثقفة التي تقيم في فرنسا، منهم رجال صحافة ورجال فكر وسياسة وغيرهم: “إن المسلم الشيعي خير من المسلم السلفي”..
ويشرح الأمير المنشق وجهة نظره هذه بالقول: إن “المسلم الشيعي لا يرتكب عملا مُحرما ، لكن السلفي يعمل عملا شنيعا نهى عنه الإسلام و حرمه، و هو قتل النفس”.. يتفق أغلب الحضور مع رأي الأمير معلقين على قوله بالقول: إن “السلفية ليس لها الحق بقتل الشيعة لمجرد أنهم من أتباع آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ويختلفون معهم في الرأي”..
يسترسل الأمير تركي في توضيح وجهة نظره فيقول: “إن المسلم الشيعي أفضل من المسلم السلفي، لأن الأول يتقرب إلى الله بزيارة الحُسين، فيما الثاني يقتل الأول تقرباً إلى “الشيطان” رغم أنه يقول تقرباً إلى الله”..
يسود الصمت في انتظار مزيد من التوضيح..
يتابع الأمير شرح فكرته قائلا: “أنا مثلا، تمّ تكفيري من قبل علماء السوء في السعودية بحجة انتقادي للملك ورفضي لولايته رغم إن هذا حق من حقوقي الشخصية الإنسانية”..
يستطرد الأمير في سرد تجربته الشخصية مع نظام آل سعود فيقول: “في السابق كنت أسمع أن الشيعة ‘كفار’ لأنهم يرفضون خلافة ‘أبي بكر وعمر وعثمان’، و اليوم تأكد لي أن من يرفض الحاكم السياسي يتم تكفيره من قبل علماء السوء حاشية ذلك الحاكم”..
يطرح الأمير خلاصة ما استفاده من هذه التجربة فيقول: “بما أن أبا بكر وعمر وعثمان هم حكام سياسيون، فمن حق أي مواطن رفضهم وهذه ديمقراطية”.. ثم يؤكد:
“من هنا أتت كلمة ‘الروافض’ التي تُطلق على من رفض حكومات ‘أبي بكر وعمر وعثمان’، ويُقصد بها اليوم ‘المعارضة السياسية’ وهذه ليست منقصة ولا حراما ولا عيبا”.
خلاصة الأمير وإن كانت موضوعية من وجهة نظر عقلية ومنطقية، إلا أنها لامست ما أصبح يعرف في ثقافة الصنم بالمجال المحرم البحث فيه، أو المسكوت عنه في الخطاب الديني والسياسي، أو الممنوع الخوض فيه لتداخل الديني والسياسي معا..
يفهم من حديث الأمير، أن “الرافضي” هو تحديدا من يرفض خلافة الصحابة، ويعتبرها مسألة سياسية، وأن إضفاء صبغة القداسة على أشخاص لا يستحقونها يفتح المجال لتكفير كل من يعارضهم في السياسة، هذا علما أن القداسة هي من مجال الله جل جلاله دون سواه، ولا يمكن صبغها على البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويصيبون ويخطئون حتى لو كانوا أنبياء معصومين أو أولياء مخلصين، فأحرى حكاما صالحين أو فاسدين.. من هنا وجوب التفريق بين المجال الديني والسياسي في الحكم تجربة الحكام.. لماذا؟..
لأنه من هنا جاءت فكرة تكفير كل من يخرج على ولي الأمر حتى لو عارضه بالرأي، ما يستوجب وفق هذا المنطقة الرجعي المتخلف الذي يستغل الدين في السياسة، قطع عنقه لأنه ارتكب جريمة في حق الحاكم “المقدس” الذي جعله الله خليفة له على عباده ضدا في إرادتهم (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)، بالرغم من أن القرآن يؤكد أن الإنسان، كل إنسان، هو خليفة لله في أرضه، وأن الله أراد الناس أن يكونوا عبادا له بقلوبهم أحرارا بأفعالهم، لا عبيدا بأعناقهم للحكام الفاسدين المستبدين..
ما من شك أن إقامة الأمير تركي في باريس، عاصمة الأنوار والمعرفة، واحتكاكه كل أسبوع في “منتدى الحوار” مع نخبة من السياسيين والمفكرين والمثقفين والإعلاميين وغيرهم.. غيرت قناعاته، وبدلت أفكاره، ووسعت من آفاق مداركه، وأكسبته معارف جديدة غريبة عن ثقافة بلده “السعودية”، وجعلته يخوض مغامرة البحث عن الحقيقة الجميلة، وساعدته على التمييز بالعمق المطلوب بين الخطأ والصواب، بين الحق والباطل، بين الظاهر والباطن، بين الحقيقة والضلال.. وليس بعد الحقيقة إلا الضلال كما يقول تعالى في محكم كتابه.
هذا الانقلاب الثوري على الذات، جعل الأمير تركي يكتشف بأنه في باريس ولد من جديد، وأن حياته قبل ذلك لم تكن شيئا مذكورا، وأن حياته بعد ذلك أصبحت لها قيمة ومعنى، لأن الحقيقة حررته فاستبدل ذاكرته التي كان يخزن فيها نفايات ثقافة السلفية الوهابية، بعقل جديد منفتح على النقد بعقلانية تلامس منهج سؤال المعرفة المحرم في بلاده.
وعلى هذا الأساس، أخبر الأمير المنشق الحضور، بأنه سيستلم الجنسية الفرنسية قريباً، وبعدها سيترشح للبرلمان الفرنسي، لأن السعودية وفق قوله، “بلد متخلف يعيش في زمن العصر الحجري”..
والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: – أليس كل أمراء آل سعود يسافرون إلى عواصم العالم المتحضر، فلماذا لم يتأثروا هم أيضا بسؤال المعرفة كما تأثر الأمير تركي؟..
الجواب نجده في حديث الأمير عن حياة أمراء آل سعود حيث يقول: “السعودية بلد تحكمه عصابة تشرب الخمر 24 ساعة في اليوم باستثناء أوقات الصلوات الخمس، وتسرق أموال الشعب، وتتبرع بها للراقصات تارة وقاطعي الرؤوس تارة أخرى”..
يفهم من كلام الأمير، أن لا وقت لدى هؤلاء الحكام الأمراء للاهتمام بالمعرفة التي من شأنها تحريرهم من الجهل ومما هم فيه من ظلام وتخلف، وبالتالي، سيظلون أسرى الشهوات وعبيد الملذات إلى أن يلقوا الله بقلوب مظلمة، وعقول مقفلة، وصحائف مثقلة بالذنوب والآثام وكبائر الجرائم، فينتهي بهم المآل في أصل الجحيم وبئس المصير..
ولأول مرة، يفجر الأمير قنبلة من العيار الثقيل، فيقول للحضور: “عندما كنت ضابطا في وزارة الداخلية، في جهاز المخابرات مدة عام كامل – وهذا الحديث أبوح به لأول مرة – توجد شعبة خاصة تسمى ‘شعبة الروافض’، وهذه الشعبة لها ميزانية تعادل ميزانية تونس والأردن واليمن مجتمعةً (حوالي 35 مليار دولار تقريبا من أصل ميزانية السعودية التي تبلغ حوالي 230 مليار دولار، ينقص أو يزيد عن ذلك قليلا)..
يتابع الأمير البوح بسر الأسرار واللغز الخفي الذي يكشف حقيقة عداء آل سعود للشيعة فيقول: “من أعمالها (أي شعبة الروافض في المخابرات السعودية)، تنفيذ مؤامرات على الشيعة و تشويه صورتهم عن طريق طبع كتب مزيفة محشوة بالأكاذيب والتدليس توزع في موسم الحج وحتى تحرض على قتلهم”..
وعليه، وبعد أن شهد شاهد من أهلها، فالسؤال الذي يستحق المناقشة هو: – هل تخصيص “السعودية لهذه الميزانية الضخمة التي، لو أنفقتها في البحث العلمي المنتج، لتجاوزت إيران في ما وصلت إليه من ثورة معرفية في مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا، ولأصبحت بحق الدولة العربية الرائدة في المنطقة التي تستحق زعامة العرب والمسلمين السنة عن جدارة واستحقاق.. أقول، هل تخصيص هذه الميزانية الضخمة سنويا ومنذ نجاح الثورة على ما أفترض، يخدم الإسلام والمسلمين في شيئ؟..
أم أن الهدف الحقيقي هو محاولة تدمير التجربة الإيرانية الرائدة التي حولت الشعب الإيراني في بضع عقود قليلة إلى أحسن أمة أخرجت للناس، تضاهي الأمم المتقدمة في العلوم والتكنولوجيا والمعرفة، وتمتاز عليها بثقافتها الدينية الروحية التي تحفزها على مزيد من العطاء وعلى التضحية من أجل نهضة الشعوب العربية والإسلامية المستضعفة؟.. ولمصلحة من تفعل ذلك “السعودية”؟..
الجواب يعرفه الجميع، ويكفي إيران فخرا، أنه وفي الوقت الذي يتساءل منظورا الإسلام السلفي السياسي عن سبب تقدم الشيعة في إيران وتخلف السنة في العالم العربي، كان الإمام الخميني (ق.س)، قد ترك لأمة الإسلام وصية ذهبية عمل بها الشيعة ونبذها السنة في المنطقة، ومؤداها، أن لا سبيل لنهضة الأمة ولا من يحزنون إذا لم تتخذ من أمريكا عدوا لها، لأنها “الشيطان الأكبر” بلحمه وشحمه..
ومفاد ذلك، أن معركة الأمة الحقيقية قبل الحديث عن التنمية والنهضة وغيرها، تكمن في معركة التحرير أولا، تحرير الأرض من الإحتلال والشعوب المستضعفة من الهيمنة الإمبريالية البغيضة، وتحرير العقول من ثقافة القبور، والخنوع، والتبعية، والذل، والإهانة، ثقافة الصنم المستوردة من عصر فرعون.. ولا سبيل إلى ذلك إلا من خلال ثقافة المقاومة التي تنمي روح الجهاد وتحفز النفس للتضحية من أجل الأمة، كل الأمة..
بعد ذلك تصبح النهضة والتنمية لضمان سعادة الدنيا والخلاص في الآخرة.. مسافة السكة..
والسؤال الذي يستحق الطرح في النهاية هو: – هل أنت رافضي بالمعنى السياسي الذي عنونا به هذه المقالة؟..
أما أنا.. فرافضي وأفتخر.
ملحوظـــة:
المعلومات الواردة على لسان الأمير دقيقة وموثقة، حصلت عليها وكالة “تسنيم” للأخبار الإيرانية شبه الرسمية.
بانوراما الشرق الاوسط