محمد ضياء عيسى العقابي
“وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين” – هذا مقتبس من القرآن الكريم ينطوي على توجيه الى النبي. وهو توجيه للبشر أيضاً ليقوموا بالتذكير أينما تنفع الذكرى.
أحب أن أذكِّر الحكومة العراقية بأمرين هامين:
أولاً: يجب ألا يغيب عن بالها أبداً أن قوتها تكمن في دعامتين أساسيتين هما الشعب وديمقراطية الشعب اللذان أفرزا الحشد الشعبي. فلا حاجة إذاً للتخوف من/ أو التعويل على/ أو إرضاء ل/ هذا أو ذاك من دول العالم وخاصة أمريكا(1)، أو دول الإقليم وخاصة السعودية وتركيا وقطر، أو قوى الداخل وخاصة الطغمويين(2) والبرزانيين وذيولهم؛ أي ضرورة عدم التهاون مع تلك الجهات بما يتنافى ومصلحة الشعب والوطن وفق الدستور والقوانين والمصالح العراقية وعلى رأسها الإستقلال والسيادة الوطنيتين، مهما بلغت مشاكلنا الأمنية والمالية ومعظمها مفتعل عن قصد.
ثانياً: أذكِّر بالمباحثات في أوسلو التي جرت بين المرحوم ياسر عرفات ووزير خارجية الولايات المتحدة (قبل عقد الإتفاقية المعروفة مع إسرائيل) والتي وعد فيها الوزير الأمريكي عرفات بفتح أبواب الدنيا كلها أمام السلطة الفلسطينية إذا ما إعترفت منظمة التحرير بإسرائيل وأدانت الإرهاب أي الابتعاد عن فصائل الكفاح المسلح الفلسطينية!!! نفذت منظمة التحرير ما طلبه الوزير الأمريكي وعدلت برنامج عملها ونظامها الداخلي وحصل الانقسام الفلسطيني الداخلي، ولكنها لم تحصل على أي شيء حتى هذا اليوم بل على العكس فإن القيادة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية تقضم المزيد والمزيد كل يوم من فلسطين والقدس وأماكنها المقدسة المسيحية منها والإسلامية وخاصة المسجد الأقصى. كما إن اضطهادها للفلسطينيين يزداد شراسة يوماً بعد يوم.
كما كان الأمريكيون أثناء الحرب الباردة يشنون حرباً باردة على الزعماء الوطنيين كجمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم وغيرهما متهمة إياهم بالشيوعية أو بالخضوع للشيوعيين المحليين آملة دفع القادة الى اضطهاد اليسار المحلي ظناً منهم أن ذلك كان سينهي عداء الولايات المتحدة. ولكن سرعان ما يقع الانشقاق بين صفوف الشعب ويضعف الحكم ويُتاح المجال لتحرك القوى العميلة والإنقضاض على النظام بأكمله كما حصل في إنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 برعاية وكالة الاستخبارات المركزية.
ما يجب إدراكه وتذكّره مما سبق هي ضرورة عدم السماح لأمريكا بإستدراج المسؤولين العراقيين الى موقع الاصطدام بالشعب وبالأخص بالحشد الشعبي ففي ذلك دمار العراق التام، وليفهم من يريد أن يفهم.
بصراحة، وجّه تشكيل الحشد الشعبي بناءً على دعوة السيد علي السيستاني للجهاد الكفائي – وجّه صفعة قوية جداً لآمال أمريكا وعملائها وهم حكام السعودية وتركيا وقطر والطغمويون والبرزانيون والفاشلون وغيرهم وكلهم يطمحون الى الإطاحة بالنظام الديمقراطي ومحاولة فرض دكتاتورية جديدة أو ديمقراطية شكلية لدولة فاشلة تخدم المشاريع الأمريكية الإسرائيلية.
عليه فإن أمريكا قد فتحت فوهات مدافعها نحو الحشد الشعبي وشنت حرباً باردة عليه (وأحياناً ساخنة كما يُقال) وقد ظهرت منها بادرتان هما:
– محاولة تشويه سمعة الحشد وإنجازاته ومحاولة عرقلة اندفاعه ضد داعش في صلاح الدين والأنبار.
– عدم استعداد أمريكا لدخول أية ساحة معركة يتواجد فيها عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله بحجة ولائهما لإيران وهو أسلوب معروف لفتح ثغرة في جدار الحشد تمهيداً لتوسيعها وخلق الصراعات الداخلية كما فعل الأمريكيون في حالة الثورة الفلسطينية.
عليه أقول:
إن التصادم، قبل التأني والتدقيق، مع الحشد الشعبي أو مع أحد فصائله لهو أمر في غاية الخطورة وهو بداية الإنزلاق الى هاوية سحيقة جداً وكارثة لا تبقي ولا تذر. فالحشد هو الذي حمى ويحمي العراق من المخططات الجهنمية التي تقودها أمريكا بهدف إخضاع العراق لإرادتها.
أُشير بهذا الى الصدام الذي حصل يوم 4/9/2015 بين قوة من عمليات بغداد حاصرت مقر “كتائب حزب الله” في شارع فلسطين أسفرت عن مقتل أحد العناصر الأمنية وجرح آخرين على خلفية سمعنا روايتين عنها. ربط إحداها الموضوع باختطاف 16 مواطناً تركياً في منطقة الحبيبية في بغداد. وأشارت الأخرى الى مطالبة الأجهزة الأمنية كتائبَ حزب الله بتسليمها والي بغداد لتنظيم داعش الإرهابي الذي إعتقلته كتائب الحزب.
بناءً على تقييم الخبير العسكري والأمني اللواء الركن المتقاعد عبد الكريم خلف، فإن معلومة كيدية سُربت الى الأجهزة الأمنية لإفتعال الصدام. وأشار اللواء خلف الى أن كتائب حزب الله هي من أكثر فصائل الحشد الشعبي إنضباطاً وحرصاً على النظام العام وعلى أرواح الناس حتى أثناء مقاومتها للوجود العسكري الأمريكي في العراق.
وذهبت الى هذا التقييم، أيضاً، قيادة الحشد الشعبي التي أكدت عدم تورط أي من فصائلها بأعمال منافية للقوانين. وأكد ذلك أيضاً أمين عام هيئة الحشد الشعبي السيد محمد الحيدري.
لهذا فإني أعتبر الإصطدام يمثل سيراً على هدى الاستدراج الامريكي وذلك في أحسن الاحتمالات وأكثرها براءة.
أذكّر وأناشد الدكتور حيدر العبادي بالانتباه الى هذه المسألة بالغة الخطورة.
كما أناشد كافة قيادات أطراف التحالف الوطني الى التنبه؛ إذ أجزم أن بعضهم يقف ويتصرف دون مستوى المسؤولية بكثير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): ما علاقة السفير الأمريكي بمؤتمر إصلاح قطاع الأمن والدفاع المنعقد في بغداد يوم 6/9/2015 حتى لا يكتفي بتصدّر الحضور بل راح يلقي خطاباً يؤكد فيه على ترويج أمر لم يبت فيه مجلس النواب بعد وهو مشروع قانون الحرس الوطني؟ أليس هذا تدخلاً في الشؤون الداخلية؟
ألم يكن وزير الداخلية السيد محمد سالم الغبان على حق عندما انتقد في كلمته في المؤتمر – إنتقد دراسة إصلاح قطاع الأمن والدفاع من قبل سياسيين و”آخرين”، وربما قصد السفير الأمريكي؟
هل جاء حَشرُ السفير بناءً على نداءات صالح المطلك المتلاحقة التي يطالب بها أمريكا أن تتحمل مسؤولياتها “الأدبية” وتتدخل في الوضع العراقي لصالح الطغمويين؟ أو بناءً على شكوى علاوي والنجيفي الشهيرة التي ظهرت في الصحف الأمريكية عشية إخراج القوات الأمريكية من العراق إذ قالوا للشعب الأمريكي إن أوباما سحب القوات الأمريكية والعراق في حالة حرب أهلية؟!!!
(2): الطغمويون هم لملوم من جميع أطياف الشعب العراقي حكموا العراق وفق صيغة تبادل المصالح مع القوى الإمبريالية وبالحديد والنار منذ تأسيسه للإنتفاع من ثروات العراق المادية والمعنوية بذرائع مختلفة منها إدعاء القومية.
بعد سقوط نظامهم في عام 2003 أثار الطغمويون الطائفية بأعلى وتيرة، بعد أن كانت مبطنة منذ تأسيس الدولة العراقية، وذلك لشق صفوف الشعب وللإصطفاف مع المشروع الطائفي السعودي المطروح على نطاق المنطقة والعالم لدرء خطر الديمقراطية على النظام في المملكة. وقد انتفع الامريكيون من اثارة الطائفية في العراق بقدر كبير وربما كانوا المحرضين على تأجيجها.
فرض الطغمويون والأمريكيون، بالإبتزاز، المحاصصة ومفهوم الشراكة والتوافق المغشوشين، مقابل مجرد المشاركة في العملية السياسية. يصر الطغمويون على استرداد سلطتهم بكل الطرق بضمنها التخريب ونشر الفساد عبر العملية السياسية والتستر والتعاون مع الإرهاب وذلك للحيلولة دون إستكمال دولة المؤسسات الديمقراطية.
شكل الطغمويون والبرزانيون العنصريون تحالفاً غير رسمي مع الأمريكيين وتوابعهم في المنطقة كل لغايته؛ ويجمعهم دفع العراق باتجاه الديمقراطية المشوهة والدولة الفاشلة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني القاضي بتفتيت البلدان العربية من داخلها.
الطغمويون لا يمثلون أية طائفة أو مكون لكنهم يدعون تمثيلهم السنة لتشريف أنفسهم بهم والخروج من شرنقة الطغموية الخانقة الى ساحة الطائفة الأرحب. غير أن السنة براء منهم خاصة بعد توريط الطغمويين الجماهيرَ السنية فدفعوا بها الى حياة النزوح في المخيمات تحت رحمة البؤس وداعش.
للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995