السيمر / السبت 17 . 02 . 2018
محمد ضياء عيسى العقابي
صرح يوم الجمعة 9/2/2018 السيد ريكس تيلرسون وزير خارجية الولايات بأنه ينوي الطلب من حلف الأطلسي إتخاذ التدابير اللازمة لإقامة قواعد في العراق لـ “التدريب”. فما الذي تريده أمريكا من وراء خدعة التدريب هذه؟
أعتقد أن أمريكا تريد من وراء هذه الخطوة، بعد أن دحر العراقيون داعش، تأكيدَ إغراء الأوربيين (عبر حلف الأطلسي الذي أحضرته أمريكا الى العراق من قبل) بمشاركتهم في تقاسم الكعكة (السياسية – الإقتصادية) العراقية بعد محاولة قطع تواصل ومن ثم عزل العراق عن محيطه الطبيعي العربي نحو سوريا والإسلامي نحو إيران وهذا ما تفعله الآن أمريكا عند الحدود العراقية السورية إنطلاقاً من التنف على الحدود الأردنية السورية العراقية.
إذاً، تريد أمريكا طمأنة أوربا بدفن سياسة بوش الذي أراد الإنفراد بقيادة العالم والإنفراد بالهيمنة على العراق ومن بعده الهيمنة على دول المنطقة الأخرى. نعم غيّر الرئيس أوباما سياسة بوش إلا أن الرئيس ترامب أعاد وأنعش شكوك الإستفراد بالكيكة في أذهان الأوربيين خاصة وأن المرحلة بلغت حد إقتطاف المكاسب الاقتصادية الى جانب النفوذ السياسي في العراق والمنطقة. لذا وجب التطمين.
إن رئيس السيد تيلرسون أي السيد ترامب هو الرئيس الذي لم ولا يخفي إحتقاره للعراق وقادته إذ قال عنهم “إن العراق مجموعة قبائل متقاتلة وقادته مجموعة لصوص” لذا شدد على عزمه على تسخير أموال العراق وشبابه لمحاربة النظام الإيراني الذي يعده ترامب وإسرائيل وحكام السعودية والإمارات بكونه رأس الإرهاب في العالم ينبغي القضاء عليه فقط لأن النظام الإيراني يقف بجانب الحق الفلسطيني من جهة ولأن إيران، الداعمة للعراق وسوريا ولبنان ضد الإرهاب ومشغّليه، تقع جغرافياً وسياسياً في طريق السعي الأمريكي للتوجه نحو الحدود الروسية والصينية لضخ الإرهابيين إليهما وتخريبهما وهو شرط أمريكا للهيمنة المطلقة على العالم وإستعباده.
إن محاربة إيران أمر لا ناقة للعراق فيه ولا جمل بل فيه ضرر بالغ للعراق وفيه ضرر أبلغ للقضية الفلسطينية التي تسعى أمريكا وعملاؤها الى تصفيتها الأمر الذي عارضه بشدة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يوم رفض الإنخراط في ضرب النظام والجيش العربي السوريين وهو الطريق المفضي الى تصفية القضية الفلسطينية الأمر الذي إذا تحقق فسوف يعرّض أمن كافة الأقطار العربية الى أبلغ الأخطار. لذا حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي مواصلة ذات النهج المالكي لأنه يمثل موقف حزب الدعوة وإئتلاف دولة القانون والتحالف الوطني، وآمل أن يبدي العبادي من الإنتباه والصلابة ما يلزم.
مرة أخرى، فما الذي تريده أمريكا، زيادة على ما ورد أعلاه، من وراء خدعة التدريب هذه؟
كل المشهد الأمريكي، من كونغرس وإعلام وتصريحات مسؤولين مدنيين وعسكريين، يشير الى أن أمريكا مصرة على الوجود العسكري في العراق ولها غايات تعلنها ليل نهار ولا تخفيها إلا في وسائل إعلامها الموجهة للداخل العراقي كفضائية (الحرة – عراق)، ويسمعها القاصي والداني في العالم حتى الطرشان إلا المستثقفون العراقيون والفاشلون، ونتفهَّمُ طَرَشَ الطغمويين(1) والإنفصاليين!!.
تضع أمريكا على رأس غاياتها الحد من “النفوذ الإيراني” في العراق وهو خدعة أخرى مشابهة لخدعة التدريب إذ المقصود، بكل وضوح، ضرب المنشآت النووية الإيرانية بالأقل وإطاحة النظام الإيراني برمته إن سمحت لأمريكا الظروف، وهو ما يلهج به القادة الإسرائيليون المتطرفون والسياسيون الأمريكيون بمناسبة وبدون مناسبة.
أين النفوذ الإيراني في العراق؟ هل هو تطابق وجهتي النظر في تأييد ما أقرته الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية؟ هل هو إتفاق وجهتي النظر في ضرورة ألا يكون أي من الطرفين مصدر تهديد أمني للطرف الآخر؟ هل هو إدراك الطرفين ضرورة الوحدة الوطنية بدءاً بالذات الشخصية مروراً بالحزب والتحالف والإئتلاف لتتوج بوحدة الشعب والوطن؛ ووحدة وإستقرار أي من الطرفين يسهم في أمن وإستقرار الطرف الآخر؟ هل منع العراق مليون أمريكي أو سعودي إذا أرادوا زيارة العتبات المقدسة في العراق سنوياً كما يفعل الشعب الإيراني؟ للحق إيران لم تقل : أما أن تكون معنا ضد الآخر وإلا فأنت مع الآخر ضدنا وسنحاربك. أما الأمريكيون فقد قالوها صراحة ويريدوننا أن نعادي روسيا والصين وإيران دون مبرر وينافي ذلك سياستنا المعلنة بعدم الإنخراط في لعبة المحاور.
بكل تأكيد أمريكا غير منزعجة بالبتة بل هي فرحة من قيام إيران باتخاذ إجراءات بصدد المياه القادمة منها الى العراق بما أضر بالمصالح العراقية، لأن ذلك يوفر البيئة الصالحة لأمريكا وتوابعها للطعن والتشكيك في جدوى علاقات حسن الجوار. آمل أن تدخل الحكومتان العراقية والإيرانية في مفاوضات لحسم هذا الموضوع لصالح الطرفين ليكون مثالاً للتعاون يحتذى به.
نقلت فضائية (الحرة العامة) يوم 12/2/2018، أي بعد يومين من حادث إسقاط سوريا (طائرة ف – 16)، عن مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية قوله “أصبحت الحرب مع إيران حتمية”. وقبل أيام معدودة من تأريخ إسقاط تلك الطائرة صرح الوزير تيلرسون بأن “إسرائيل أوثق حليف لنا “.
إذا كان هذا هو واقع الحال فهل نستبعد وقوف أمريكا، وهي في العراق، بدعم إسرائيل في حالة إندلاع حرب مع إيران على أقل تقدير تقديم الدعم الإستخباراتي الذي تستمده من وجودها في العراق وقد يكون أكثر دقة من معلومات الأقمار الصناعية؟ إذا حصل هذا فهل يبقى معنى للحياد العراقي أم هو ضحك على الذات والذقون؟ وإذا أطاحوا النظام الإيراني، أما سيصبح العراق بعد ذلك الهدف اللاحق؟ أليست العراقيل التي تضعها أمريكا وإسرائيل وتركيا والسعودية في وجه حل القضية السورية سلمياً، مبنية على توقع نضوج هذه الظروف لتصبح أمريكا وإسرائيل وإرهابهما في موقف يؤهلهما من إسقاط النظام السوري ومن ثم اللبناني للحاق بإيران والعراق لتتم بذلك تصفية القضية الفلسطينية وتكتمل السيطرة على المنطقة وهذه هي العبودية بعينها؟ (ولا أشك أن ذلك لا يغيض بعض العراقيين وبعض العرب بتاتاً من طغمويين وإنفصاليين ومستثقفين بل يفرحهم ويتمنون أن يلعب العراق دور السعودية والإمارات وقطر المتمثل بقتل الشعوب كالشعب اليمني والليبي والبحريني لتعزيز أمن إسرائيل وتأمين مصالح أمريكا الإمبريالية مقابل مجرد أن ينال العراق كلمة مديح فارغة من مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين وصحف صفراء وكلهم تابعون لنظام عالمي إمبريالي لا يشرّف من ينتمي إليه.)
يصطدم التصميم الأمريكي – الإسرائيلي – السعودي على ضرب “رأس الأفعى” الإيراني، وفي المقدمة المنشآت النووية، بثلاث عقبات:
الأولى قديمة تقنية الطابع وتحدث عنها قادة عسكريون ومنهم رئيس الأركان في عهد الرئيس أوباما الجنرال مارتن ديمبسي حيث رد على طلب الإسرائيليين بضرب إيران قائلاً لا يمكن ضرب المنشآت النووية الإيرانية لا بالطائرات ولا بالصواريخ بعيدة أو متوسطة المدى لأنها محصنة تحت الأرض وفي مناطق جبلية وعرة ويتطلب ضربها قوة عسكرية على الأرض. وإذا درسنا الموقف بإمعان في ضوء هذه الأفكار، سنجد أن العراق هو أنسب موقع للإنطلاق تقنياً.
أما العقبة الثانية فهي جديدة وتتمثل بتطور قدرات حزب الله اللبناني الذي ستضربه إسرائيل بالضرورة إذا ما أقدمت على مهاجمة إيران. شمل التطورُ التسليحَ حيث لدى الحزب (130) ألف صاروخ، وشمل أيضاً المهارات القتالية التي إكتسبها الحزب في الحرب الى جانب القوات السورية ضد أعتى إرهاب عالمي مدعوم من أمريكا وإسرائيل والسعودية وقطر وتركيا ضد سوريا. وقد أنذر السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، إسرائيل بأن حزب الله قادر على ضرب أية بقعة ومنشأة مدنية أو عسكرية في إسرائيل إذا ما إعتدت على لبنان، وأخذ الخبراء العسكريون الإسرائيليون هذا التهديد على محمل الجد التام. هذا الى جانب تطور القدرات العسكرية السورية نفسها مما غيّر قواعد الإشتباك مع إسرائيل بعد إسقاط طائرة (ف – 16)، درة القوة الجوية الإسرائيلية التي كانت تسرح وتمرح في الأجواء السورية واللبنانية دون حسيب، بالدفاعات الأرضية السورية من طراز سام7 (وليس أس – 400 الفتاكة) كما أسقطت الدفاعات السورية خمسة صواريخ إسرائيلية أيضاً؛ وبذلك سقط الخط الأحمر الذي كان مفروضاً بعدم كسر الواقع الإستراتيجي الذي منح السيادة الجوية لإسرائيل.
أما العقبة الثالثة فتتمثل بإصرار حكومة العبادي، مدعومةً بالمالكي والجعفري والعامري والمهندس والحكيم والخزعلي والكعبي ووطنيون آخرون كثيرون، على وجوب إحترام حياد العراق وتصميمه على الإبتعاد عن سياسة المحاور. وهذا سيغلق الباب أمام أمريكا من إمكانية إستخدام الأراضي العراقية كمنطلق لعدوانها ضد الجارة إيران. وهنا كانت تكمن محنة أمريكا الكبرى في العراق على طول الخط.
ولكن أمريكا ترامب، على ما يبدو، مصرة على إذعان العراق لمتطلبات التوجهات العسكرية الأمريكية ولها الثقة بإستخدام “التقنيات المناسبة” لتجاوز الموانع العراقية. فما هي هذه “التقنيات”؟
إذا حلّلنا ما يطرح في الكونغرس الأمريكي ومطالبات السياسيين من العسكريين فعلَه في العراق (خاصة مطالبات اليمينيين المتطرفين أمثال السناتور جون ماكين والسناتور ليندزلي كَراهام) ولو تأملنا التحركات الأمريكية على الأرض العراقية قبل وأثناء وبعد تسليم الموصل والرمادي وغيرهما الى داعش، ولو تابعنا تصريحات الدكتور العبادي للاحظنا ولإستنتجنا ما يلي:
الملاحظة: قال السياسيون الأمريكيون في الكونغرس علناً: “نريد نشر قوات عسكرية أمريكية في العراق”. لم يُجب العسكريون الأمريكيون بالقبول أو الرفض وكأنّ المشهد كان يُراد منه عدم إستفزاز الحكومة العراقية، وإبلاغ الشعب الأمريكي بالطلب وكفى لتهيئة أذهان الناس لتحمّل الصدمة إذا ما تكشفت حقائق مثيرة لاحقاً في مجرى الأحداث.
لا شك عندي أن هؤلاء الأفندية الإمبرياليين من سياسيين وعسكريين قد درسوا هذا الموضوع، أي نشر قوات أمريكية عسكرية في العراق، بإسهاب وإمعان في إجتماعات سرية مشتركة بين عدة لجان متخصصة كلجان العلاقات الخارجية والقوات المسلحة والإستخبارات والإعلام التابعة للكونغرس الأمريكي.
ولا شك عندي أيضاً أن أعضاء اللجان العسكريين والمدنيين قد قالوا في تلك الإجتماعات السرية كلاماً لم يريدوا قوله علناً (لأنه كان سيقيم وزناً للدولة العراقية والحكومة، وهذا ما تستحقانه موضوعياً، ولكنه ما لا يريده الإمبرياليون بل يريدون تحقير وتسقيط الحكومة والدولة العراقية وبرلمانها وشخصياتها الشريفة الحريصة على الوطن والأمتين العربية والإسلامية، وتحقير الديمقراطية على طول الخط كممارسة ثابتة متفق عليها بدءاً من قادة وسياسيي أمريكا وأولهم ترامب نفسه نزولاً الى أصغر طغموي أو إنفصالي أو فاشل أو مستثقف عراقي مجند في جيش أعداء الديمقراطية الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وفضائيات الدول الخاضعة لأمريكا في المنطقة وفضائيات عراقية تابعة لها).
إنهم قالوا، تقديراً، “إن حكومة العبادي لا تقبل بتواجد عسكري على الأرض العراقية خارج إطار التحالف الدولي الذي صممناه، نحن الأمريكيين، لتسيير شؤون هذه البلدان. حدود التحالف الدولي لا تتعدى التدريب والدعم الجوي لا غير. عليه لا يمكننا فرض قوات عسكرية مقاتلة على العبادي والعراقيين حتى بالإبتزاز المالي عبر الصندوق الدولي وعبر إقدامنا للمساعدة المالية في بادئ الأمر ثم إحجامنا عنها في مؤتمر المانحين الذي عقد في الكويت لدعم العراق حيث أخفقنا في تليين موقفهم الصلب خاصة وأن المسؤولين العراقيين واقعون تحت ضغط الجماهير الديمقراطية التي تستمع إلى ما يطرحه المالكي ورفاقه الذين أحرزوا رصيداً عالياً إذ يقدر الناس فيهم أنهم أخرجوا قواتنا من العراق في 1/1/2012 وحققوا الإستقلال وأعادوا السيادة بقدر كبير ورفض مشاركتنا في إطاحة النظام السوري وتصفية القضية الفلسطينية وتوتير العلاقات مع إيران، ودحَروا “حلفائنا طارق وأسامة وأياد وصالح ورافع وظافر وغيرهم” في العراق وثبّتوا أركان الدولة الديمقراطية الجديدة التي فرضها السيستاني وفق المفهوم الذي قبلته الأمم المتحدة “خير وسيلة للتعبير عن رأي الشعب العراقي هي صناديق الإقتراع” التي أردناها أن تكون ضعيفة وعلى مقاسنا ولم نستطع؛ ولم نستطع تسقيطهم، المالكي ورفاقه، عبر تمكين داعش من إحتلال الموصل والرمادي وغيرهما؛ كما أصبح للعراقيين أكثر من بديل عنا عسكرياً وإقتصادياً وخاصة روسيا والصين وإيران.”
القرار: “إذاً، علينا إستنباط وسائل أخرى لنشر قواتنا العسكرية في العراق.”
وهنا أطرحُ الإستنتاج التالي، تحليلاً، لما تم إستنباطه في هذه الإجتماعات:
توصل المجتمعون الى الحل وفق الصيغة التالية: [[تسلَّلْ وإقبعْ قريباً من البئر فإذا حل العطش سَيطرْ على البئر وسوف لا يسمع أحدٌ صراخَ أهل البئر العطشى وسط نشاط ضبانا وجنودنا على الأرض وفي الجو، ووسط نشاط ضباط صدام(2) الذين أعدناهم الى الخدمة على يد بول بريمر ووسط صراخ عطشى العالم، وتضخيم ضجيج الفساد والطائفية والمصالحة والخطف وإستلاب جرف الصخر والتغيير الديموغرافي والهيمنة الإيرانية الذي سيديره إعلامنا وإعلام “حلفائنا” وعملائنا السعوديين والإماراتيين والقطريين والبحرينيين والعراقيين المتنوعين الذين فخخوا أو ملأوا ساحة التحرير ضجيجاً على مدار السنة مطالبين بـ “دولة مدنية” وهي موجودة أصلاً دستورياً وعملياً … فما أذكاهم وأخلصهم وأروعهم!!!]]
أعتقد أن الأمريكيين يطبقون على أرض الواقع هذا التكتيك أي إتباع سياسة الإستغفال والزحف والتمدد والقضم التدريجي وتثبيت واقع حال بالأقساط وهذه هي “التقنية المناسبة” لتجاوز الموانع العراقية أي المكوث قرب البئر للهيمنة عليه عند قيام الساعة؛ ومن يضمن أنه وفي خضم الصخب وقرقعات طبول الحرب لا يتم نقل جنود أمريكيين من القواعد المحيطة بالعراق الى القواعد في العراق؟ فهم لم يُمنَحوا قواعد عسكرية خاصة بهم بل إنهم يشغلون جزءاً من عدد من القواعد العسكرية العراقية ولهم مدرج للطيارات فيها على حد قول الدكتور حيدر العبادي. إنهم يقبعون على مقربة من البئر!!. قصفت مدافعُ المدربين الأمريكيين مواقعَ داعش قرب الجامع الذي ألقى منه أبو بكر البغدادي خطبة إعلان الخلافة الخرافية. كان القصف من مسافة (40) كيلومتراً ربما من القيارة. سؤل الدكتور العبادي عن إمتلاك المدربين للمدافع وقاموا بإستخدامها وهو أمر لا يعنيهم ولا يحق لهم. أجاب العبادي بأن الداعشيين أحرقوا إطارات سيارات في يوم ممطر فتشوشت الرؤية على الطيارات وما عادت قادرة على تحديد الهدف فتم التعويض عنها بالمدافع. يبدو التبرير مقنعاً علمياً لجاهل مثلي بعلم الطيران الحربي، لكنني أشك بتغلب الإطارات المحروقة على التكنولوجيا الأمريكية، خاصة وأن ما حدث في قاعدة الأسد مؤخراً لا يبعث على الإطمئنان. ماذا عن القواعد العسكرية في أربيل والسليمانية؟
لهذا السبب حرص الأمريكيون ومازالوا يحرصون كثيراً على عرقلة جهود حكومة العبادي لتحرير العراق من داعش بل أَتَهمُهم شخصياً بزرع الأفخاخ مثلما أرادوا “تحرير” الموصل قبل الفلوجة ومثلما حاولوا إستغفال حكومة العبادي حينما عتّموا على تجميع عناصر النقشبندية والبعثيين في وادي القذف ليقوم ضباط أردنيون بتدريبهم ويصبحوا الجيل الجديد للإرهاب وذلك لخلق الذريعة لإطالة أمد بقاء قواتهم في العراق غير أن القوات العراقية إجتاحت القواعد في حوران ووادي القذف. ولكن الخبير العسكري اللبناني العميد المتقاعد إلياس فرحات أشار الى وجود دواعش في محيط مثلث التنف وألبو كمال والقائم بحماية أمريكية وتستطيع أمريكا تهديد العراق بهم عند الحاجة علماً أنهم توجهوا، مؤخراً، نحو سامراء فتصدى لهم الحشد الشعبي. ألم يقل الرئيس أوباما ووزير دفاعه بنيتا بأن القضاء على داعش في العراق قد يتطلب ثلاثين سنة وأكثر [[لأن الرئيس أوباما قد وجد الطريق لإدامة المعركة الداعشية على هوى الإمبريالية الأمريكية فقد صرح للصحفي العالمي (توماس فريدمان) “الشيعة في سوريا والعراق إضطهدوا السنة فأصبح السنة دواعش” (نسي أوباما أن يضيف: “… وأبوك ألله يرحمه”)!!!]]
قبل أيام معدودة نقلت فضائية (الحرة – عراق) عن مسؤول في حكومة كردستان بأن البيشمركة عقدت إتفاقاً مع قوات التحالف لتدريب البيشمركة دون أي ذكر عن إبلاغ أو موافقة الحكومة العراقية!!! (قامت اليوم حكومة كردستان بتسليم قيادي داعشي الى تركيا دون علم الحكومة العراقية!! … أسألُ: هل عدنا الى أيام عقد إتفاقيات نفطية سرية دون علم حكومة بغداد وبتشجيع من شركة السيد تيلرسون نفسه يوم كان على رأس شركة أوكسن موبيل التي “تعادل عشرة فرق عسكرية وإذا دخلت بلداً فلا تخرج منه” حسبما بشرنا السيد مسعود برزاني الذي لم تنفعه العشرة فرق في مواجهة الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه ومسيحييه وباقي أطيافه في العهد الديمقراطي؟!!)
وقبل أيام حشر الأمريكيون أنفسهم في شؤون الانتخابات العراقية فقد دفعهم “حرصهم” إلى تقديم أموال طائلة للإنتخابات وإذا بها تظهر أنها عبارة عن منح سخية لـ “منظمات المجتمع المدني” التي أصنف كثيراً منها بالمشبوهة والعميلة.
ومن ثم يعود الأمريكيون و”يتبرعون” بعدد من الخبراء في الشأن الإنتخابي لـ “ضمان نزاهة الإنتخابات” (وكأن أمريكا تريد القول: أنتم مطعون بنزاهتكم أيها العراقيون ولا مناص من وجودي بينكم لضبطكم وتأديبكم ووو!!!). لكن المفوضية رفضتهم إذ ربما تذكرت الدور المخرّب وغير النزيه الذي لعبته السيدة ميتشل في انتخابات 7/3/2010، كما إن السلطات العراقية لا تريد أمريكا أن تزرع مَن يتطاول ويُسقط كل مسؤول ومن ثم تعود أمريكا لتستشهد بذلك المزروع الذي يطعن بنزاهة الجميع لأنه يؤدي دوراً مرسوماً له من أجل التخريب.
بالطبع لم يرق للأمريكيين تحالف العبادي مع قادة الحشد الشعبي السياسيين لأنهم يشكلون درعاً واقياً لحكومة العبادي ضد سرطان التمدد الأمريكي، كما يمثلون الإرادة الشعبية العارمة لإنهاء عمل قوات التحالف وسيضغطون باتجاه تنفيذ تلك الإرادة. لذا فقد دق الأمريكيون إسفيناً لتفكيك ذلك التحالف عن طريق زرع عناصر غير نظيفة في التحالف يأنف الحشديون العمل معها، ونجح الأمريكيون، وعقد العبادي صفقة التدريب مع حلف الأطلسي كما صرح يوم 15/2/2018 أمين عام الحلف السيد ستولتنبرغ.
اليوم يأتينا تيلرسون محاولاً ربط العراق بحلف الأطلسي عن طريق “خبراء التدريب” ولو أنهم كانوا موجودين من قبل. قد يظن البعض سذاجة أن إقحام حلف الأطلسي في العراق مرده الى جشع ترامب الذي يحاول تحميلهم التكلفة المالية. هذا جزء يسير من الحقيقة لأن ترامب سيحمل العراق القسط الأكبر من التكاليف بحجة أن قوات حلف الأطلسي جاءت لحماية العراق من “المخطط الإيراني” الذي يريد بناء إمبراطورية فارسية على حساب العرب ما جعل إيران أشد خطراً على العرب من إسرائيل!! كما إن ترامب يحسب العراقيين “عشائر متنازعة وحكامهم لصوص”.
أعود وأقول إن أمريكا تريد إغراء الأوربيين على تقاسم الكعكة العراقية والهدف الحقيقي هو توريط أوربا في الإنخراط مع أمريكا وإسرائيل لمحاربة إيران إنطلاقاً من الأراضي العراقية، وتخريب الاتفاق النووي وقبل ذلك تضخيم الضغوط على العبادي للإيحاء له بأنه يواجه “المجتمع الدولي”(3) لذا يتوجب عليه السكوت على أقل تقدير فقد تمت السيطرة على البئر وما من معين!!!
عليه، نشطت حركة القوات الألمانية في العراق مؤخراً.
وعليه، أناشد الحكومة العراقية والدكتور العبادي: إلخاطر الله أبعدوا حلف الأطلسي والقوات الأمريكية عنا.
لقد بلغ العراق مرحلة الموت عطشاً ولو تتبعنا الأسباب بالعمق والترابط لوجدنا أن أمريكا هي السبب وهي تخيّرنا بين أحد حلّين: العبودية لها وهو موت أو الموت عطشاَ، والطغمويون وممولوهم السعوديون والإماراتيون والقطريون وتركيا هم آلة التنفيذ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): للإطلاع على مفاهيم “الطغموية والطغمويون وجذور المسألة العراقية الراهنة” برجاء مراجعة هامش المقال المنشور في أي من المواقع التالية:
http://www.alqosh.net/mod.php?mod=articles&modfile=item&itemid=39986
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=585117
http://www.qanon302.net/?p=98431
http://saymar.org/2018/01/44729.html
http://www.akhbaar.org/home/2018/1/239116.html
(2): في مقابلة له مع فضائية “الميادين” بتأريخ 17/11/2013 صرح (بول بريمر) الحاكم المدني الأمريكي السابق في العراق بما يلي: “أعدنا الى الخدمة 80% من ضباط الجيش السابق من رتبة عقيد فما دون”. للعلم فإن صدام قد أبعد تقريباً جميع الضباط الوطنيين غير الموالين له شخصياً من صفوف القوات المسلحة.
بتقديري، إذا كان هؤلاء الضباط الموالون لصدام يخشون التحرك ضده في حياته فإنهم بعد غيابه مستعدون كل الإستعداد للإنضمام لموالاة الأمريكيين إنتقاماً من الشعب لأنهم مجبولون على كرهه وإحتقاره.
(3): طالما “يبهرنا” الأمريكيون والطغمويون والمغفلون بـ “المجتمع الدولي”. في الحقيقة هذا هو تمويه يقصد به على الأغلب أمريكا والسائرون في ركابها أي يعكس الإرادة الأمريكية. الأمريكيون يستخدمون هذا المصطلح في أوقات السلم لتخويف الحكومات الضعيفة. أما الطغمويون العراقيون فيستخدمونه لضرب السيادة والإستقلال العراقيين والإستهانة بهما على أقل تقدير؛ لذا فهم طالما ينادون بإحضار المجتمع الدولي في الصغيرة والكبيرة (وخاصة صالح المطلك) وذلك للإستخفاف بالسيادة العراقية وهذا هو ديدن الطغمويين الكارهين للنظام الديمقراطي والمخلصين لسلطتهم الطغموية التي فقدوها ويريدون إسترجاعها بأي ثمن.
مرفقان (2)