الرئيسية / مقالات / أستهداف الأقليات وغياب ثقافة “السلم المجتمعي”

أستهداف الأقليات وغياب ثقافة “السلم المجتمعي”

السيمر / الخميس 15 . 03 . 2018

عبد الجبار نوري

توطئة/العاشر من ديسمبر 1948 يومٌ لا ينسى بوهجهِ المضيء في الذاكرة الأممية ، في هذا اليوم أعتمدتْ الجمعية العمومية للأمم المتحدة وثيقة ” الأعلان العالمي لحقوق الأنسان ” وهي وثيقة تأريخية غير قابلة للتصرف وملزمة للمجتمعات البشرية حيث يحق لكل شخص التمتع بها كأنسان بغض النظر عن العرق واللون والدين والجنس واللغة والرأي السياسي الأصل القومي والأجتماعي أو الجاه أو الثروة والمولد ، والمتهم بريء حتى تثبت أدانتهُ ، ولهُ الحق الكامل في الدفاع عن نفسهِ ، وهي متاحة لجميع الدول في عموم العالم ، أما موقف الحكومات العراقية المتتابعة عبر قرنٍ من الزمن فكانت لتلك الوثيقة الأممية نصيباً من الأهمال والأزدواجية والأختراق .
تعرضت الأقليات في العراق على مدى أكثر من 80 سنة من عمرالدولة العراقية المئة سنة إلى حملات ترويع وتهجير وترهيب قسري لأسبابٍ تختلف بأختلاف المناخ السياسي لكل فترة ، والنتيجة هو تمزّقْ نسيج ” السلم الأجتماعي ” العراقي .
فتأريخ العراق حافل بأمثلة حزينة مؤلمة في أستعمال الجينوسايد في الأبادة الجماعية والتهجير القسري ضد الأقليات المجتمعية ، فتشهد أربعينات وخمسينات والستينات من القرن الماضي أستهداف يهود العراق الذين هم مكوّن أساسي فعال في بناء الدولة العراقية الفتية ، في حزيران من سنة 1941 تعرضت الطائفة اليهودية لأبشع جريمة أنسانية حيث ذكرالأديب الكاتب العراقي “عدنان نور الدين في كتابه هتلر في الأبريق ” خسائر اليهود ب ( ألفي قتيل وجريح ومئات حالات الأغتصاب ونهب ملايين الدنانير وسرقة 300 سيارة وأربعة آلاف دراجة هوائية وفرهدة ونهب 586 مبنى تجاري يهودي وأستباحة 910 بيتاً يهوديا ) أنتهى ، أي أنحطاطٍ وصلت أليه بغداد بغياب السلطة الأمنية 36 ساعة فقط أثناء أنقلاب رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة ، وفي الثمانينات طُبقتْ تلك الكراهية وأبادة البشر بغلوٍ مفرط على الكرد والمسيحيين والأيزيديين والشبك والكاكائيين في الأنفال السيئة الصيت ، وما جرى في مدينة حلبجه بأبادة 5 آلاف من البشر بواسطة مواد كيماوية قاتله محرمة دولياً ، ويستمر بلدوزر سحق الأنسان بدمٍ بارد في أنتفاضة 1991 ضد سكان الوسط والجنوب بأبادة وتغييب الآلاف من السكان الأبرياء ، وشمل هذا الجينوسايد المكون الفيلي في الرابع من نيسان 1980 والذي أسموه بيوم الشهيد الفيلي ، حيث تمّ تهجير ونفي نصف مليون ، ومصادرة أموالهم المنقولة والغير منقولة ، وشُرعن بالقرار السيء الصيت ( 666 ) المشؤوم بحجة التبعية لآيران ، وكتب لهذا المكون الأساسي والقديم لآئحة أبادة بشرية في تغييب أكثر من 15 ألف شاب بين أعمار 15 – 28 سنة ، وما جرى لعموم العراقيين وبكافة أطيافهم الأثنية والدينية والمذهبية على أيدي منظمة داعش الأرهابية الخلافوية المتشددة منذُ أربعة سنوات من ذبح وسلخ وقطع الرقاب والأطراف والرمي من أعالي الطوابق أو الأعدام بالغريق والحريق والأستعباد الجنسي وسبي النساء والأطفال التي شكلت أعنف غلو مفرط في أبادة الجنس البشري ، بأعتقادي يتوجب تقديم قادتهم المسجونيين لدى القوات الأمنية لمحكمة الجنايات الدولية ( ICC) لأنها تقع تحت المادة 7(1) من نظامها الأساسي { القتل الجماعي ، جرائم الأسترقاق ( أالعبودية )، الأبعاد القسري والتعذيب والسجن وحجب الحرية} .
واليوم شهدت بغداد في الآونة الأخيرة تصاعد حالات القتل العمد والسطو المسلح والتي طالت أرواح الأبرياء من أبناء الأقليات في بغداد على يد عصابات أجرامية أعداء الأنسانية التي تحاول زعزعة أمن المواطن وهي جرائم جنائية تحاول هذه العصابات المنظمة إلى تجييرها بواسطة ( الأعلام المدعشن) ألى حيثييات سياسية في أستهداف الأقليات ، والذي يقوم بالمهمة هم دواعش السياسة وأرتباطاتهم بأجندات أقليمية وربما دولية دافعة للثمن مسبقاً ، فكانت جريمة نحر الطبيب المسيحي ( هشام شفيق سلمان وزوجته وأمها العجوز ) في منزلهِ في بغداد المشتل ، على يد عصابة محترفة ومنظمة حيث أقتحمت الدار وذبحوا الضحايا بالسكاكين ونهبوا الأموال والمقتنيات الثمينة ، وتستمر شلالات الدم بقتل المواطن المسيحي البريء ( سامر صلاح الدين ججو )في منطقة بغداد الجديدة ، وثُم أختطاف الصائغ المندائي الصابئي ( أبراهيم خليل ) في منطقة بغداد الجديدة وقتله ورمي جثته في مدينة الشعب ، بأعتقادي الشخصي : أن جميع الحوادث المؤسفة التي جرت علي المجتمع العراقي وفي هذه الفترة بالذات هي جريمة تفتقر مضمونها للفعل الجنائي لترقى لمستوى الجريمة الكبرى (لأفتعال الأزمات) لا كما تروج وسائل الأعلام المغرضة -المدعومة من الخارج – التي تتجه بهذه الأحداث المأساوية إلى لغة أستهداف الأقليات وهي أحدى أسلحة الأعداء من الرتل الخامس قبيل الأنتخابات وينصب هدف الأعداء في أعادة أيام الجمر والحديد والموت المجاني ، وأحداث شرخ في نسيج السلم الأجتماعي ، وأفراغ قلب العراق من مكوناته الأصيلة ، وعند البحث عن أسباب حدوث هذه الفواجع هي : الوضع الأمني المتردي حتماً وأستخدام حكومات ما بعد 2003 لمنهج المحاصصة البغيضة التي أثارت الضغينة والأحقاد بين القوميات والديانات ، وحكم” الأسلاموي الراديكالي في تغيير المضامين الأستراتيجية للتربية والتعليم وعموم القيم الثقافية ، وربما فقدان ثقافة” السلم الأجتماعي ” عند عموم المجتمع العراقي .

كاتب ومحلل سياسي عراقي مقيم في السويد
كُتب في 15-3- 2018 ستوكهولم

اترك تعليقاً