السيمر / الأثنين 19 . 03 . 2018 — يحمل “الصابون النابلسي” رائحة التاريخ والتراث معه أينما حلّ. ليس غريبًا أن يُطلَق عليه “سفير التراث العالمي”؛ إذ يعتبر الصابون النابلسي أحد المنتجات الصناعية “الصامدة” في وجه أي منتج صناعي حديث أو مستورد في وقتنا الحالي. فهو سفير مدينة نابلس الفلسطينية، والذي يحمل علامة الجودة الأولى في مدن العالم العربي والغربي.
ويُرجع التاريخ ومؤرخوه صناعة الصابون في مدينة نابلس إلى أكثر من ألف عام مضت، مستدلين على ذلك بالكثير من الكتابات التي دونها الرحالة والمؤرخون القدماء ومنهم شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري “المقدسي”. حيث عاش هذا المؤرخ في القرن العاشر الميلادي، وتحدث عن صناعة الصابون، وقال أنه كان يصنع في المدينة، ويُحمّل إلى سائر البلاد، وعندما زارها عام 1200 كتب عنها “ترمز هذه المدينة إلى قصر بين البساتين أنعم الله عليها بشجرة الزيتون المباركة”.
نقل الصناعة إلى أوروبا
تم إرسال الصابون إلى دمشق ليستخدم في المسجد الأموي، كما كان يُصنع للعديد من البلدان وجُزر البحر الأبيض المتوسط. وفي زمن الاحتلال الصليبي لفلسطين حظيت مدينة نابلس بمكانة مهمة لشهرتها في صناعة أهم أنواع الصابون؛ حتى أن هذه الصناعة أصبحت حِكرًا على الملك، فهو المسئول عنها، ولا يسُمح لأي من أصحاب المصانع مزاولة هذه الصناعة إلا بعقد يمنحه ملك “بيت المقدس” مقابل مبلغ مالي دائم من أصحاب المصانع. ولم يكتفِ الصليبيون بذلك بل اجتهدوا في نقل صناعة الصابون إلى أوروبا، وتأسست مصانع الصابون من زيت الزيتون في مرسيليا، إذ كانت هذه المصانع تقوم بتحضير الصابون بطريقة مُشابهة لطريقة تحضير الصابون النابلسي.
تطور صناعة الصابون
في القرن الـ 14 الميلادي، تطورت صناعة الصابون بشكل ملحوظ في مدينة نابلس، بعد أن تم تصديره إلى دول الشرق الأوسط وأوروبا. ويرى المؤرخون أن الملكة إليزابيث الأولى أُعجبت بهذا النوع من الصابون. وفي القرن الـ 19 الميلادي، عرفت هذه الصناعة في نابلس توسعًا كبيرًا إلى أن أصبحت من أهم مراكز صناعة الصابون.
في العام 1907 بلغ عدد مصانع الصابون 30 مصنعًا، تنتج قرابة خمسة آلاف طن سنويًا، وكانت نابلس وحدها تُنتج أكثر من نصف إنتاج فلسطين من الصابون. وكتب المؤرخ السوري محمد كرد علي عام 1930 أن “صابون نابلس هو الأكثر جودة والأكثر شهرة في ذلك الوقت، فجودته ليست عادية، وهذا هو سر انتاجه الجيد حتى الآن”.
أما اليوم فما بقيَّ من مصانع الصابون في نابلس يتراوح بين اثنان إلى ثلاثة مصانع. والسبب في تدهور تلك الصناعة وإغلاق العديد من المصانع يعود لظروف عديدة منها زلزال عام 1927 الذي دمر الكثير من المصانع القديمة في نابلس، إضافة للاعتداءات الإسرائيلية على نابلس، إذ طالت عمليات التدمير الواسعة المباني الأثرية، والتاريخية، والدينية، ومصانع الصابون داخل البلدة القديمة.
“الصّبّانة”
تعتبر مدينة نابلس الفلسطينية؛ مهد صناعة الصابون بأفخر أنواعه، وكانت مصانع الصابون أو “الصّبّانة” كما يسميها النابلسيون، تعج صالاتها، ومفارشها، وبيت النار فيها بالعاملين. يغرفون بدلائهم الزيت من فتحات أقبية آبار تقبع أسفل كامل أرضيّة المبنى. ويُعد زيت الزّيتون، هو زيت “البركة” بالنسبة للنابلسيين، ولابد من الإشارة إلى أن وفرة “زيت الزيتون” كان السبب الرئيسي في توفير بيئة مناسبة لصناعة الصابون النابلسي. كما ساعد انتشار الحمامات التركية العامة في المدينة على استمرار هذه الصناعة وزيادة الطلب عليها، إذ ارتبط الصابون النابلسي قديمًا بالحمامات العامة. ويبجل النابلسيون زيتهم وشعارهم بمقولة “خلّي الزّيت في جراره..حتّى تيجي أسعاره”.
للصابون منافع جمالية أيضاً
توراثت الفلسطينيات عبر العصور استخدام الصابون النابلسي للمحافظة على جمال البشرة، وتعتبره الكثيرات أنه سر جمال “الجدات الفلسطينيات” منذ زمن طويل، إذ أنه ظلّ في أعلى هرم مواد التجميل في خزانة المرأة الفلسطينية، وبدورها نقلته إلى النساء في العالم العربي.
وتوجد أربعة أنواع مختلفة من هذا الصابون من ناحية الشكل، واللون والاستعمال، ففي البداية أُنتج الصابون الأبيض المصنوع من زيت الزيتون الصافي. ثم أُنتج فيما بعد الصابون الأخضر، وسبب اكتسابه اللون الأخضر هو استعمال زيت مستخرج من “الجفت” وهو نتاج عصر الزيتون.
أما النوع الثالث فهو الصابون الناعم الذي يُنتج من طحن الفتات المتبقي من جوانب الصابون بعد عملية التقطيع. والنوع الرابع هو الصابون المُطيّب، ويُصنع من بقايا الصابون الأبيض نتيجة عملية التقطيع، إذ يتم بشره وإضافة أصباغ وزيوت عطرية، ويتم بعد ذلك عجن الخليط وقولبته يدويًا، ثم تكويرالقطع بواسطة اليد.
حياة