كاظم فنجان الحمامي
في خضم الشطحات الفوضوية المتوالية، التي عصفت بنا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. يحق لنا نحن الذين نعيش في هذا المناخ الضبابي أن نقف وقفة متأنية نحاسب فيها الشخصيات الكارتونية، التي كانت طرفا في ضياع صولجان سلطتنا البحرية، فنقول: ما أبشع خسائرنا الفادحة، وما أكثر حقوقنا الضائعة، وما أغبى الذين أضاعوها وفرطوا بها لأسباب تعزا إلى جهلهم وتخلفهم وسوء تقديراتهم. فعلى الرغم من هذا الكم الهائل من المستشارين والجلاوزة والجهابذة، الذين يحيطون بهم كما يحيط السوار بالمعصم. لم يحرزوا الحد الأدنى من النجاح في أي صفقة من صفقاتهم الخاسرة، ولم يفلحوا مرة واحدة في أي مشروع من مشاريعهم المتعثرة. حتى تكررت كبواتهم، وتراكمت عثراتهم.
من هذه العثرات نذكر أن انكماش سواحلنا البحرية وتراجعها إلى الوراء كان صفعة مؤلمة من تلك الصفعات التي تلقاها الشعب العراقي لأسباب تعرفونها، فالشخص المناسب لا مكان له أبداً في المكان المناسب. خصوصا عندما يكون من أولاد الخايبة.
من أغرب ما سمعته وشاهدته بنفسي، أنني كنت أتابع بعض اللقاءات التلفزيونية لوزير النقل الأسبق (رئيس المهندسين عامر عبد الجبار)، والتي كان يذود فيها عن مشاريعنا الملاحية، وكانت تدور محاورها النقاشية حول تجاوزات دول الجوار على مسطحاتنا المائية، وانتهاكاتها لحقوقنا الملاحية في خور عبد الله. ظهر (سامي العسكري) مدافعا عن (ميناء مبارك)، في مداخلة عجيبة أذهلت الشعب العراقي كله، عندما أبدى اعتراضه على الوزير، زاعما أن ميناء مبارك الكويتي لا يقع في خور عبد الله، بل في مكان آخر لم يعلن عنه (سامي العسكري)، ثم انتهى الوقت المخصص لتلك الحلقة النقاشية من دون أن تُتاح للوزير فرصة الرد عليه، ومن دون أن يعلمنا خبيرنا (العسكري) بالمواقع البحرية والساحلية التي يعرفها هو، أكثر مما نعرفها نحن الذين أفنينا أعمارنا بين جزيرة بوبيان ورأس البيشة. هكذا يفرض المسؤولون آرائهم الارتجالية علينا، فيتلاعبون بمصالحنا وحقوقنا، ويتجاهلون صيحاتنا واحتجاجاتنا. فكان من الطبيعي أن يقع الفأس بالرأس، وتذهب صرخاتنا في مهب الريح.
لقد كتبت هذه المقالة في الوقت الذي كنت أبحر بقاربي في خور عبد الله، وعلى وجه التحديد قبالة ميناء مبارك، فتذكرت اعتراضات (العسكري)، وكيف كان واثقا من نفسه، متزمتا برأيه، متشنجا في طرح أفكاره الخاطئة. فالسياسيون الذين جلبتهم لنا رياح الصدفة يظنون كل الظن أنهم أعمق فهما من أي طبيب ومهندس وكابتن، وأوسع استيعابا من كل الخبراء والعباقرة، ويشعرون دائماً أنهم يتمتعون بقدرات عقلية هائلة، ومواهب ذهنية خارقة، ويتعذر علينا أن نرتقي إلى مستوياتهم العالية مهما أوتينا من خبرات ومهارات.
أرأيتم كيف يستخف بنا هؤلاء، وكيف يصادرون حقوقنا، معتقدين أنهم الأفضل والأكفأ والأعقل والأنضج. وربما أوقعهم شعورهم المتعالي في فخاخ التمسك بالمناصب المرموقة، وجنح بهم نحو مطبات التشبث بالمواقع الفوقية التي لا يستحقونها. وهذا لعمري هو الغباء المطلق بعينه. ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين