السيمر / الأحد 29 . 04 . 2018
معمر حبار / الجزائر
في جلسة مع الإمام الفقيه بوعبد الله بوعروبين صباح هذا اليوم ونحن نرتشف فنجان قهوة، أقول له: لو عددت الفترة الزمنية للائمة الأربعة رضوان الله عليهم جميعا وأضفت لها فترة أخرى عاش فيها فيما بعد العلماء والفقهاء لوجدت أن استعمالهم لكلمة “وجوب طاعة ولي الأمر” قليلة وقليلة جدا. يجيب الإمام: وكانت هذه الكلمة إجابة لأسئلة طرحت عليهم وإلاّ لما تطرقوا إليها إلاّ بالقدر الذي يبيّن ويشرح.
أقول: أسمع باستمرار و أقرأ باستمرار ودون مناسبة كلمة “وجوب طاعة الأمر” وعبر جميع الهيئات والمستويات حتّى يكاد لا يخلو مجلس أو حديث دونها، وأمست علامة من علامات “التقوى” لطائفة و “خيانة” لطائفة مضادة، ويعتري ذلك كمّ هائل من الشتائم والسباب والخصومة واللّعن والهجر بالإضافة إلى التشهير والتكفير و التفسيق والاستعانة بالغير حتّى لا أقول العدو.
“ولي الأمر” في هرم الدولة يعتبر موظّف كغيره من الموظّفين له من الواجبات ما لهم وعليه من الحقوق ما عليهم، ويتقاضى كبقية الموظفين راتب ويستفيد من عطلة وعطل استثنائية ومنح تناسب الجهد المبذول والمنصب، وتوضع تحت تصرفه كما توضع تحت تصرّف الموظفين مع الفارق في الكمّ والحجم جملة من الامكانات والوسائل التي تساعده على أداء مهامه في أحسن حال وبالسّرعة المطلوبة والنتائج المرجوّة.
وبما أنّ “ولي الأمر” موظّف كغيره من الموظفين، يناله أيضا ما ينال الموظفين من: استفسار، وانذار، وتوبيخ، وعقوبة، ومتابعة، ورقابة، وقضاء، وطرد، وعزل، وسجن، وتجميد الراتب وتوقيفه، ويحدث ذلك ضمن إجراءات إدارية كالتي تحدث لأيّ موظف مع ضمان كافّة الحقوق المضمونة لأيّ الموظّف.
والسؤال لماذا يتمّ التركيز على “وجوب طاعة ولي الأمر” ولا يتمّ التحدّث عن القيام بمهام أخرى كـ: الاستفسار، والانذار، والتّوبيخ وغيرها، وكأنّه من العار والجرم أن يوجّه “استفسار” مجرّد استفسار لـ “ولي الأمر”، مع التأكيد إلى أنّ هذا “الاستفسار” لا يمسّ قدر أنملة مكانة وهيبة “ولي الأمر” بل ترفعه درجات إذا تبيّن أنّه فوق الشبهة ويؤدي وظيفته بصدق وإخلاق وفاعلية ويقدّر حرمة وقداسة الأمانة المفروضة عليه، ويكون بعدها قدوة لمن دونه من الموظّفين في تقبّل الاستفسار والتّوبيخ والمراقبة والعدالة باعتبارها من الأمور العادية جدّا .
إذن لا يمكن التفريق بين “وجوب طاعة الأمر” و وجوب مراقبته ومحاسبته ومتابعته وعقابه، فإنّ الاستفسار والانذار والمراقبة والمتابعة والمحاسبة تدخل ضمن “طاعة ولي الأمر”، ومن اعتمد على “وجوب طاعة الأمر” دون غيره من وسائل المراقبة والمحاسبة والاستفسار فهو بلا ريب معول هدم الأمّة، ومساهما في تثبيت أركان الديكتاتورية المقيتة، و وجه من أوجه الفساد الذي ينخر المجتمعات بسبب التركيز عمدا على “وجوب طاعة ولي الأمر” و الإهمال عمدا لوجوب الاستفسار والمتابعة والمراقبة والمحاسبة والعقاب، لأنّ كلاهما يكمّل الآخر ولا يمكن بحال فصل الحالتين، والدول العظمى عظيمة لأنّها “تطيع ولي أمرها” وفي نفس الوقت تحاسب وتراقب وتحاكم ولي أمرها.
القول أنّ “النّصيحة” تقدّم “لولي الأمر” سرّا لا جهرا ومن المقرّبين له دون غيرهم وجه آخر من أوجه الديكتاتورية يراد بها تكميم الأفواه وحصر مزايا القربى في أولي القربى، فيتم بالتالي محو الوطن وسحق الرموز وبيع خيرات البلد لولي الأمر هناك.
لماذا إذن يتمّ عمدا الجهر بـ “وجوب طاعة ولي الأمر” ولا تكون سرّا كما أريد “للنصيحة” أن تكون سرّا، رغم أنّ النّصيحة من الطاعة والطاعة من النّصيحة.
ومن الملاحظات التي استرعت الانتباه أنّ أصحاب “وجوب طاعة ولي الأمر” يحصرون الطاعة في سلطان واحد وحاكم واحد و “ولي أمر واحد” دون سواه، ويدعون في نفس الوقت إلى الخروج وبالقوّة والدماء والأشلاء عن ولاّة الأمر الآخرين الذين لا يرضى عنهم “ولي أمر واحد”.
إذن المسألة لا علاقة لها “بوجوب طاعة ولي الأمر” بقدر ما لها علاقة وثيقة بوجوب طاعة ولي الأمر معيّن وبذاته والذي يعيش خارج البحار وبعيدا عن الوطن، لأنّه في نظرهم “ولي أمر” تجب طاعته عن بعد وتسلّم له الرّقاب طواعية وهو في عرشه هناك بعيدا عن الأنظار .