الرئيسية / مقالات / الحركة العمالية والنقابية في العراق .. تحديات وآفاق ؟!

الحركة العمالية والنقابية في العراق .. تحديات وآفاق ؟!

السيمر / الاحد 29 . 04 . 2018

عبد الجبار نوري

توطئة

بكم نبتديء وأليكم نعود —- ومن سيب أفضالكم نستزيدُ
وبورك عيدُ نضالٍ سعيدُ —- سيتلوهُ من حسن عقباه عيدُ
(الجواهري العظيم )

تحتفل الطبقة العاملة في شتى أنحاء العالم بعيد الأول من أيار ( عيد العمال العالمي ) لترجمة شعارها التقدمي الثوري المؤثر والفعال في وحدتهم النضالية الأممية ( يا عمال العالم أتحدوا ) ليضفي على هذا الكرنفال نكهة وفرحة خاصة لدى أوسع الجماهير الكادحة والشغيلة المثابرة ، ويحتفل عمال العراق بعيدهم وسط تحديات سياسية ومعوقاتٍ أجتماعية وأخرى أقتصادية تهزُ العالم تحت ظل الرأسمالية المتعددة الرؤوس وعولمتها وما يرافقها من مؤثراتٍ أستلابية تأريخية مما أثرت على وحدتهم وغياب أدنى مطلب من حقوقهم الأنسانية ، وزجهم وقوداً لحروبٍ عبثية مهانون ومغيبون ومستلبون تحت ظل الآلة الرأسمالية التي حصدت الآلاف من العمال والكسبة ، وفي ملف هذا العام 2018 هم مهمشون أكثر ومستغلون أكثر وما سبقهُ من سنوات القهر والعبودية وتدويرهم بطاحونة الأحتدام الطائفي والأثني والفئوي لكي ينسوا مطاليبهم العادلة المشرعنة أممياً ، وهنا فرضتْ على الطبقة العاملة العراقية مسؤولية التصدي لتلك المعوقات الرأسمالية والدينية الراديكالية ووقف نزيفها وجعل آلتهم المدمرة غير فعالة والحفاظ على وحدتهم ووعيهم الطبقي ، لقد أصطدمت الطبقة العاملة العراقية ما بعد عام الأحتلال البغيض بالمزيد من التحديات الجديدة فقد تقاسمتها تيارات المحاصصة الطائفية فواجهت خطط التسيس السطحي والتوظيف لصالح بعض الأطراف على حساب الأخرى ، وزرع بدائل للقيادات الوطنية للحركة العمالية بحيث تضمن الخضوع والأستسلام لحالات الأختلاس وسرقة المال العام ، وبالتالي فقد خسرتْ الحركة العمالية في العراق أهم مرتكزات وجودها وخاصة في وحدة الحركة العمالية ومن ثمّ تجيير تأريخها النضالي العريق الذي خضبتهُ بدماء زكية وبطولات نادرة .
ومن أهم المعوقات والتحديات أمام الحركة النقابية في العراق : – قوانين موروثة من العهد البعثي الشمولي كقانون رقم 150 لسنة 1987 السيء الصيت الذي حوّل العامل ألى موظف ، مصادرة قانون العمل في تقاعد العمال والضمان الأجتماعي .- المصانع والمعامل المغلقة منذ 2003 .- تهميش دور المرأة العاملة العراقية .- ولا ننسى المعوق الأساسي المحتل الأمريكي .- أنشقاقات في اليسار العراقي الذي بدأ واضحاً بعد زمن الأحتلال نعم أن تعدد وأنشقاق الأحزاب والتيارات اليسارية ساهمت في تشتيت الحركة العمالية من خلال نقل الصراعات والخلافات الفكرية النخبوية الحزبية إلى العمال ومنظماتهم وخصوصاً على صعيد العالم العربي والعراق . – هجرة الآلاف من العمال والشغيلة والفلاحين والطلاب والمثقفين إلى منافي دول الغرب للبحث عن فرصة عمل أنسانية والتخلص من البطش والأرهاب الدموي .- تصاعد دور الرأسمالية وتعاظم مؤشرات أستغلالها وجشعها في منتصف القرن التاسع عشر . – أحزاب البورجوازية الصغيرة الحاكمة لم تكتفي بمحاولة قوقعة الحركة النقابية بل تعدت إلى أعلان الحرب على الطبقة العاملة وحل نقاباتها بمحاولة أسكات صوتها المؤثر وأخضاعها للسياسة المتذبذبة التي تنهجها بأستخدام كل الوسائل المتاحة والمبتكرة في أساليب القمع والأرهاب .- الأتجاه اليميني لدى الحكومات العراقية عموماً في الدعوة إلى حصر مهمات المؤسسة النقابية بالقضايا الأقتصادية بغية عزلها عن هموم الشعب وسيادة الدولة العراقية بحجة أن النقابات ليست سياسية فهو كلام متهافت وغير مقبول بالمرة ونفعي وأنتهازي أذ لا يوجد حياد بين الأشتراكية والرأسمالية .- أبعاد الحركة النقابية عن رحاب الأممية البروليتارية بأتجاهات ذات النزعة الكوسموبوليتيه1/ .- وتحدي الفكر الفوضوي السندكالي/2 للحركة النقابية وطبقتها العاملة الواعية بتشخيص أعدائها التقليديين المعادين لمسيرتها التأريخية لكونها محافظة على جوهرها الطبقي وأصالتها كحركة رفض للأستغلال الرأسمالي ولكونها تحتل مركزاً مهماً في عملية التحوّل الأجتماعي .- التطرف الديني والطائفي وفوبيا العلمانية .- حداثة العهد العراقي بالتجربة الديمقراطية بعد 2003 بالقياس مع الدول الغربية المتقدمة التي قطعت قرناً في هذا المضمار .
ومن أجل ذلك رسمت خارطة طريق نضالية وطنية وبخياراتٍ متعددة عبر تضحيات جسيمة تتلخص بالنقاط التالية :
1-تحصين الطبقة العاملة بالنظرية الأشتراكية العلمية ، 2- الأضرابات والأعتصامات كقوة ضاغطة على أصحاب القرار السياسي لتحقيق التغيير المنشود ، 3- أنتشال الوضع المزري للمرأة العراقية العاملة العراقية ، 4- تفعيل نشاطات نقابات العمال في الأتصال بالجماهير في المصانع وورش العمل والجامعات ، وأصبحت نقابات العمال رقماً صعباً في المعادلة السياسية أثر تطور الفكر النقابي وأستثمارها بروز المنظومة الأشتراكية بعد الحرب الكونية الثانية أثر تنامي الحركة النقابية على الصعيد العالمي أدى إلى تنامي الوعي الطبقي لدى العمال والشغيلة بأن تلك الأرباح الأسطورية التي تحصل عليها الشركات الأحتكارية هي ثمرة أستغلال قوّة عملهم ، وأن لا خلاص من هذه الأوضاع وبناء المجتمع العراقي ألا بالقضاء على هذا النظام وبناء المجتمع الأشتراكي الذي ينعدم فيه أستغلال الأنسان لأخيه الأنسان .

تأريخ الحركة العمالية والنقابية في العراق /قبل الحديث عن هذا الموضوع الشائك والمعقد من الضروري المرور ولو بشكلٍ موجز عن تأريخ الحركة النقابية في العراق الذي يمتد جذوره التأريخية لسنة 1933 حين أجازت الحراك العمالي بشكل جمعيات حرفية وعمالية تحت أسم ( جمعية الصنائع العراقية ) بزعامة النقابي الأول الراحل (محمد صالح القزاز ) بعد رفض السلطات الملكية الرجعية تسمية ( أتحاد العمال ” لأحتوائها فوبيا ” التغيير ” وهي تؤشر على وجود تنامي أصوات العمال والكسبة في المطالبة بحقوقهم وبضغوطات على الحكو مة الملكية أقرت قانون العمل رقم 72 للعام 1936 ، وبأحتدام الصراع الطبقي وحتمية التأريخ في التغيير حدثت ثورة 14 تموز 1958 حيث أنطلاق النقابات العمالية العراقية إلى العلن ، والتشكيل الرسمي ” للأتحاد العام لنقابات العمال في العراق ” في مؤتمره التأسيسي للعام 1959 بقيادات عمالية ثورية مؤدلجة بالنظرية الماركسية أمثال القائد النقابي الراحل ” صادق جعفر الفلاحي ” ورفاقهُ ، وبعد الأنقلاب العسكري في 1963 أصيب الأتحاد النقابي بأنتكاسة مدمرة لجميع النقابات والجمعيات ومصادرتها حكومياً بالنزعة الشوفينية الشمولية ، وبقي التوتر حتى 1968 حيث شمول العمال بالقانون السيء الصيت الذي حوّل عمال القطاع العام ألى موظفين مسلوبي الأرادة والحقوق ، وألى يوم سقوط النظام في نيسان 2003 وإلى عراقٍ مفتوح على كل الأتجاهات وبديمقراطية هجينة على مقاس المحتل ، ومنذ أنبثاق الحركة النقابية في العراق كانت تسير بأتجاهين أساسيين أولهما – النضال السياسي والثاني- النضال المطلبي ، فقد قدمت نقابات العمال وجماهيرها المنظوية تحت لوائها قصص رهيبة في عالم التضحية من التصفية الجسدية والأعتقالات وشهادة سجن الكوت وسجن بعقوبة ونقرة السلمان تشهد لمناضلي النقابة في أضراب عمال الميكانيك في البصرة عام 1918 وأضراب عمال الميناء 1924 في البصرة أبرز قادة الأضراب الرفيق ” فهد ” يوسف سلمات يوسف ورفيقهُ ” حسن العياش ” وأضراب عمال السكك 1927 بقيادة المناضل ” محمد صالح القزاز” وأضراب شركة السكايرالوطنية في بغداد 1924 والأضراب المشهور أضراب ( كاور – باغي ) لعمال النفط في كركوك للعام 1948 ، هذا أضافة إلى مشاركة العمال والنقابات المهنية في جميع مظاهرات الشارع العراقي كأنتفاظة الجسر 1952 ووثبة كانون عندها غصت السجون والمعتقلات ومراكز الشرطة بالآلاف من العمال والشغيلة والكسبة والفلاحين وطلاب الكليات والمثقفين ، وهذا هو رصيد ” الأتحاد العام لنقابات العمال في العراق ” من تضحيات وشهداء ومفصولين ومشردين ، لم تعد الحركة النقابية في العراق حركة رفض ومعارضة بل أصبحت بمساعدة تأريخها النضالي عبر سنوات القهر والحديد ولأن هيئاتها منبثقة من صميم الطبقة العاملة ، ووحدتها الصلبة المتماسكة تتمكن من قيادة الجماهير العمالية والطبقات المسحوقة عبر نضالات متعددة بأطر مفهوم الثورة والتقدم الأجتماعي ، ولأن وحدة الطبقة العاملة تتأتى من وحدة الحركة النقابية ذات الطبيعة الديمقراطية التقدمية ، وهذه المؤشرات الأيجابية توحي بأن (آفاق) فضاءات المستقبل رحبة والجماهير على السكة الصحيحة للوصول إلى التغيير المنشود بفضل وحدة الطبقة العاملة العراقية ووحدة حزبها المناضل الحزب الشيوعي العراقي الملهم دوماً بالمباديء الماركسية وخزين تجاربها الثرة والثرية في حل أشكالات الحركة النقابية .
أخيرا/يا عمال شعبي العظيم الجريح لقد كتبتم في ذاكرة التأريخ سفراً من التضحيات الزكية ، وسوف تبقى شعلة تنير ما أشاعه الطغاة القدامى والجدد من أوهام غيبية للأقطاعيات السياسية الدينية ، لقد كسبتم الرهان بفشل أعداءكم أصحاب القرار في الحكم السياسي بتصفيرهم كينونة الوطن ووجوده ومستقبل أجياله ولسنوات العجاف بعقد ونيّف من زمن الغفلة ، وأن أعداء الطبقة العاملة لا يزالون ويعملون علناً جاهدين في حرف مسير الحركة العمالية عن أتجاهها الثوري وجعلها خاضعة لنفوذهم .
المجد لشهداء الحركة العمالية العالمية ، والمجد والخلود لشهداء الحركة العمالية العراقية ، عاش الأول من أيار المجيد عيد الكفاح والتظافر الأممي ضد الأستغلال والأضطهاد والعبودية وإلى الأمام من أجل أرساء وتكريس الحرية والديمقراطية والعدالة الأجتماعية والسلام —-
1.الكوسموبولوتي : هو أندماج الشركات الأحتكارية من جنسيات متعددة للبحث عن الأيدي العاملة الرخيصة والمواد الأولية الوفيرة .
2.السندي كالي : أو ما يسمى بالفوضوية السياسية ، وهو مذهب ضد الرأسمالية بآيديولوجية تختلف عن المذهب الأشتراكي في مسألة التغيير الأشتراكي في سيطرة العمال على وسائل الأنتاج لا عن طريق الأستيلاء على الدولة ومؤسساتها .

المصادر والهوامش/كمال مظهر محمد / الطبقة العاملة في العراق . عبد السلام الناصري/معارك طبقية . طالب عبدالجبار/كراس ربع قرن من تأريخ الحركة النقابية .

* كاتب عراقي مقيم في السويد
في 29 نيسان 2018

اترك تعليقاً