الرئيسية / مقالات / شرعية ومشروعية منح لقب الدكتوراه الفخرية

شرعية ومشروعية منح لقب الدكتوراه الفخرية

فيينا / الثلاثاء  03 . 06 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

د . عادل عامر / مصر

تُعرف “فوضى منح الدكتوراه الفخرية” أو “فوضى الألقاب” بأنها ظاهرة يتم فيها منح شهادات الدكتوراه الفخرية بشكل غير منظم أو غير مُستحق، مما يؤدي إلى استغلالها أو تقليل قيمتها. هذه الظاهرة تنتشر في بعض المنصات الرقمية وبعض المؤسسات التي لا تملك صلاحية منح هذه الدرجات. بدأ البعض يتحدث مؤخراً عما أسماه «فوضى منح الدكتوراه الفخرية. »

 فعلى حد قول أحد الكتاب: «تتواصل معي العديد من الكيانات الوهمية عن طريق البريد الإليكتروني وتقدم لي عروضاً للحصول على الدكتوراه الفخرية نظير مقابل مادي بالدولار، بحجة أن الدكتوراه عن مجمل أعمالي التي تخصصت وتميزت فيها، ولخبرتي الطويلة في مجال التعليم الجامعي والتي تجاوزت الثلاثين عاما، ولمساهماتي الكبيرة في مجال الإعلام العلمي لفترة تجاوزت العشرين عاما. ما انتشر في الآونة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من منح جهات معينة غير علمية شهادة الدكتوراه الفخرية لأشخاص من غير النظر في مخزونهم الفكري أو عملهم أو ما قدموه للمجتمع .

توزيع هذا الكم الهائل من الشهادات و الدكتوراه من طرف بعض الجهات ، دون الالتزام بالمعايير الصارمة التي تخص أحقية منحها، على أناس لم يقدموا أي شيء للمجتمع و لم تكون لهم أي إضافة، أمر يثير الاستغراب. فجامعات عريقة و لها تاريخ ،و عمرها مئات السنين لم تمنح هذا الكم من الشهادات. الأمر الذي يثير جدلا كبيرا داخل الأوساط العلمية بشأن العشوائية التي باتت تشوب منح الشهادات والألقاب، الشيء الذي أثارت استياء العديد من الفاعلين المغاربة بمختلف المجالات خاصة الأكاديمي.

وفي سياق متصل، بدأت ظاهرة شاذة أخرى، تتعلق بتوزيع الصفات والألقاب السياسية على الأشخاص، من قبيل “سفير دولي” أو “سفير للنوايا الحسنة” أو “خبير دولي” أو “مفوض دولي” أو “باحث دولي” وغيرها، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات بشأن أهلية هؤلاء للشهادات الممنوحة ،في ظل عدم الاعتراف بها من طرف الجهات الرسمية، الوطنية منها والدولية.

والواقع أن موضوع الدكتوراه الفخرية يثور بين الحين والآخر؛ ففي شهر مايو 2019م، ترددت بعض الأقوال عن تكريم جامعة طنطا للفنان الشعبي شعبان عبد الرحيم، ومنحه درع كلية الطب بالجامعة، فضلًا عن «منحه الدكتوراه الفخرية»، وذلك بعد ما أجرى فحوصاً طبية لديها وقرر إقامة حفل خيري لمصلحة الطلاب. واشتعلت حملة هجومية واسعة من الرأي العام المصري، في المواقع والصحف، وعلى صفحات التواصل، بعد نشر «خبر التكريم»، فأصدرت جامعة بنها بياناً قالت فيه: «تابعت جامعة بنها ردود الأفعال المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي حول زيارة الفنان شعبان عبد الرحيم لمستشفى بنها الجامعي، لإجراء بعض الفحوص الطبية داخل المستشفى، ولقائه برئيس الجامعة وعميد كلية الطب، ونحن نبين أن الفنان شعبان عبدالرحيم زار كلية الطب، لإجراء مجموعة من الفحوص والتحاليل،… وأن أطباء المستشفى الجامعي قاموا بأداء واجبهم تجاه الفنان»، وتابع البيان أنه «عقب انتهاء جميع الفحوص، عرض شعبان عبد الرحيم إقامة حفل خيري في إستاد بنها الرياضي، على أن يخصص عائده لمصلحة المستشفى الجامعي،

 بعد ما شاهد على الطبيعة حجم وأعداد المرضى المترددين على الأقسام العلاجية المختلفة»، ولم يتطرق البيان نفياً أو تأكيداً لـ«خبر التكريم. »وفي شهر أغسطس 2021م، أثار خبر حصول الممثل المصري محمد رمضان على شهادة الدكتوراه الفخرية من أحد المراكز التي تتخذ من الجمهورية اللبنانية مقراً لها، واسمه هو المركز الثقافي الألماني الدولي، جدلًا واسعاً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنت الجهة المانحة للدكتوراه الفخرية سحبها تلك الشهادة، وأصدرت السفارة الألمانية بالقاهرة بياناً نفت فيه علاقة ألمانيا بالجهة المانحة.

 إذ أثار الموضوع جدلًا ولغطاً كبيراً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما وأن الكثيرين قد تساءلوا عن سبب منح هذه الشهادة، وما تحمله من قيمة أكاديمية. إذ علق أحد الكتاب على هذا الحدث، قائلًا: الفقاعة الأخرى كانت حول حصول أحد المشاهير على دكتوراه فخرية من مركز مغمور في دولة عربية، هذا الشخص مشهور عنه البلبلة وإثارة الجدل بصفة دائمة، والاستعراض بثروته واستفزاز المجتمع، كمية كبيرة من المنشورات المستنكرة لما حدث وكيف يحصل هذا الشخص على دكتوراه وهو لم يبذل مجهوداً، بل إن الكثير من باحثي الماجستير والدكتوراه شعروا بالغبن حيال هذا الموضوع،

 وما ينطبق على الموضوع الأول ينطبق على الموضوع الثاني، حيث لو بحث القارئ عن ذلك المركز الذي قام بمنح الدكتوراه لوجد أن المركز برمته عبارة عن مركز تدريب مغمور، ولا يمتلك سوى صفحة هزيلة على الـ «فيس بوك»، وأنه غير مخول بمنح أي شهادات دكتوراه فخرية أو غير فخرية، هذه الظاهرة أصبحت رائجة وهناك المئات وربما الآلاف من الكيانات الوهمية على الـ «فيس بوك» تمنح ألقاباً هلامية، مثل سفير النوايا الحسنة، وسفير السلام الدولي، والدكتوراه الفخرية، بل إن البعض تمادى في السخافة واخترع ما يسمى الدكتوراه الفخرية الملكية    وغيرها من المسميات الوهمية .

وبعد ذلك بعام تقريباً، وتحديداً في شهر أكتوبر 2022م، تصدر خبر حصول سيد عبدالحفيظ، مدير الكرة بالفريق الأول لكرة القدم بنادي الأهلي المصري آنذاك، على الدكتوراه الفخرية من جامعة ديلفورد الأمريكية  (LLC) الخاصة صفحة نادي الأهلي الرسمية، وأذاعته نشرة قناته الرسمية، وأبرزت صورة تسلم نجم الكرة السابق شهادة الدكتوراه الفخرية من وفد من الجامعة المذكورة، والتي اهتم رئيسها أن يسلمها بنفسه لمدير الكرة بالنادي الأهلي آنذاك.

وقد أثار هذا الخبر الجدل من جديد حول ما يسمي «الدكتوراه الفخرية»، وحقيقة هذه الدرجة، ومدي جديتها. كذلك، أثارت الدكتوراه الفخرية المقدمة إلى مدير الكرة السابق بالنادي الأهلي، شغف المتابعين للبحث عن الجامعة المانحة لها، حيث ثبت أنها ليست جامعة، ولكنها شركة مسجلة في إحدى الولايات الأمريكية، لتقديم خدمات التعليم عن بعد، والشهادات الصادرة عنها ليست شهادات معتمدة من أي نظام تعليمي أكاديمي أمريكي. كما أن الشركة ليس لها أي وجود في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا من خلال وكيل مراسلات تجارية، وليست معتمدة من نظام التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتطلب مبالغ مالية مقابل منح شهادات ودرجات علمية مزيفة، مثل الدكتوراه الفخرية.

 وسبق أن أصدرت منصة Wiki) (Fraud، وهي منصة متخصصة في كشف الجامعات الوهمية والمزيفة، تحذيراً من شركة جامعة ديلفورد الأمريكية الخاصة، واصفة إياها بأنها جامعة وهمية تمارس نشاطها من تركيا، وهي ليست أكثر من موقع إلكتروني لبيع الشهادات. وفي الحقيقة تنتشر شركات تقديم الخدمات التعليمية عن بعد في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأخرى، ولكن لا يمكن اعتبارها مؤسسات أكاديمية، كما لا يُعترف بأي شهادة صادرة عنها من المؤسسات الأكاديمية الدولية وفي شهر مايو 2023م، تصدّرت الممثلة المصرية سمية الخشاب التريند على منصة «تويتر» في مصر، بعد تباهيها وتفاخرها بحصولها على شهادة دكتوراه فخرية من منظمة للأمم المتحدة، تبين لاحقاً أنها «مزيّفة.» ونشرت سمية الخشاب صوراً ومقاطع فيديو عبر خاصية «ستوري» بحسابها على «انستجرام»،تشكر منظمة الأمم المتحدة للفنون على منحها الشهادة التي حملتها بين يديها مرتدية لباس التخرج، وسط نخبة من النجوم، قبل أن تحذف الصور ومقاطع الفيديو، بعدما كشفت الأمم المتحدة حقيقة الأمر، نافية علمها بهذه المنظمة.

 ففي بيان رسمي، شرح مسؤول في المكتب الإعلامي للأمم المتحدة الأمر، طالباً فتح تحقيق في شأن هذه المنظمة الوهمية. وتبين أن الصفحة المنسوبة للأمم المتحدة دشنها محتال، حيث قام في العام 2014م بتأسيس جمعية وهمية في ولاية كاليفورنيا، ولها مكتب رئيسي في نيويورك، ومكاتب فرعية في نيوجيرسي ولوس أنجلوس، وهولندا،

وتمكن من النفاذ إلى وسائل الإعلام المصرية عبر فعاليات اجتماعية يدعو لها باسم الأمم المتحدة. وإذا كان البعض يرى أن الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الفقاعات هو التجاهل، وعدم الالتفات لهذه التفاهات، فإن التنظيم القانوني لموضوع الدكتوراه الفخرية يبدو أمراً ضرورياً ولازماً في اعتقادنا. ومن هنا، جاءت فكرة هذا المقال، والذي ارتأيت من المناسب أن يكون عنوانه هو «قانون الدكتوراه الفخرية.» والواقع أننا لسنا هنا بصدد قانون قائم وساري بالفعل، وإنما هي دعوة للجهات التشريعية لسن مشروع قانون وإقراره، بحيث يتضمن تنظيماً متكاملًا وشاملًا لكافة جوانب الموضوع الذي نحن بصدده. وجدير بالذكر في هذا الصدد أن مجلس النواب المصري قد اهتم بالموضوع، حيث تقدم أحد أعضاء المجلس بتعديل تشريعي لقانون تنظيم الجامعات رقم (49) لسنة 1972 لإخضاع الشهادات الفخرية ومنها الدكتوراه الفخرية للقانون وإنشاء جهاز لمراقبة هذه الشهادات واعتمادها وعدم استخدامها بدون اعتماد هذا الجهاز على حد علمنا، لا يوجد قانون واحد على مستوى العالم سبق له تنظيم موضوع الدكتوراه الفخرية. وربما يكون المرسوم الذي أصدره الوزير الأول في المملكة المغربية رقم 2.03.317 صادر في 18 من شعبان 1424 15) أكتوبر (2003 يتعلق بمنح لقب الدكتوراه الفخرية من لدن الجامعات، هو أول أداة تشريعية على مستوى العالم العربي تتناول بالتنظيم هذا الموضوع.

 ومؤشر أخر، وتحديداً في الرابع عشر من شهر مايو 2020م، خرجت إلى النور لائحة منح الدكتوراه الفخرية في جامعة الشارقة، الصادرة بقرار رئيس جامعة الشارقة رقم 13 لسنة 2020م. ومنظوراً إليهما باعتبارهما يتضمنان تنظيماً شاملًا لموضوع الدكتوراه الفخرية، ستركز هذه الدراسة بشكل أساسي على هاتين اللائحتين، دون إغفال ما تضمنته التشريعات العربية الأخرى من نصوص ذات صلة بموضوع الدراسة.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المشرع الإماراتي أصدر القانون الاتحادي رقم 9 لسنة 2021 بشأن حظر استخدام الشهادات العلمية الصادرة من جهات غير مرخص لها، ولكن هذا القانون – وكما هو واضح من عنوانه – يتعلق فحسب بالشهادات العلمية. ووفقاً للمادة الأولى من هذا القانون، «الشهادة العلمية: محرر رسمي يثبت اجتياز الشخص لمرحلة أو سنة دراسية، أو يثبت حصوله على تأهيل علمي أو مهني أو حرفي، وتكون صادرة من جهة تعليمية أو تدريبية داخل أو خارج الدولة، قائمة قانوناً، ومرخصاً له بمزاولة النشاط الذي يسمح لها بمنح هذه الشهادة.» وغني عن البيان أن الدكتوراه الفخرية لا ينطبق عليها وصف «الشهادة العلمية.» إذ لا يرتبط منح الدكتوراه الفخرية باستكمال متطلبات أكاديمية معينة. ومن شروط منح الدكتوراه الفخرية، أن ينص قانون إنشاء الجامعة الرسمية، أو أنظمة إنشاء الجامعات الخاصة، على صلاحية منح شهادة الدكتوراه الأكاديمية وأن يجاز لها منح شهادة الدكتوراه الفخرية في حدود اختصاصية محددة، تتوافق مع الكليات العاملة في الجامعة.

و أن يتمتع الشخص المرشح للدكتوراه الفخرية بخصوصيات استثنائية في المجالات العلمية أو الإنسانية أو الوطنية. و يكون شخصية معروفة ومشهودا لها، وأن تكون أعماله نوعية، وإنجازاته رفيعة، وذات طابع عام وشامل، أو نضالي. و أن تكون المؤسسة التعليمية المانحة جامعة عريقة وذات تراث علمي وفكري، ولها صدقية أكاديمية.

من المفترض أن قيمة الدكتوراه الفخرية هي بقيمة الجهة العلمية المانحة لها، وقيمة الشخص الذي حصل عليها، لذلك فقيمتها هي قيمة معنوية فقط، ويجب مراعاة دور الشخص المقدم له المنحة في جميع النواحي العلمية والإبداعية، وفي الجهود الميدانية، والفكرية، ودوره السياسي المقدم للدولة.

هي إذن عملية تكريم للشخص والمؤسسة التربوية المانحة، معنويا. الدكتوراه الفخرية هي إعطاء شخصيات لم تتمكن من متابعة تحصيلها الاكاديمي الكلاسيكي، وتركت أثرا ونتاجا أهم بكثير من عدد من الأطروحات بإعطائها هذه القيمة التي تستحق علميا، إذ أن قيمة الأنسان العلمية ليست بلقب الدكتوراه الاكاديمي الذي يحصل عليه بل بنتاجه المعرفي والثقافي والسياسي والاقتصادي وبدوره في الحياة.

*دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً