الرئيسية / مقالات / التصدي للازمات وادارتها

التصدي للازمات وادارتها

السيمر / الاثنين 30 . 04 . 2018

د. ماجد احمد الزاملي

الأزمات جزء رئيس في واقع الحياة البشرية والمؤسسية، وهذا يدفع إلى التفكير بصورة جدية في كيفية مواجهتها والتعامل معها بشكل فعال يؤدي إلى الحد من النتائج السلبية لها. ولو أردنا النظر إلى كيفية إدارة الأزمة لوجدنا أنه لا يجوز أن ننتظر وقوع الأزمة ثم نتعاطى معها بل ينبعي استشعار المقدمات التي تنبئ بقرب وقوع الأزمة ، و ملاحظتها ورصدها و من ثم العمل على إيجاد الحلول للأزمة قبل حدوثها ، كما يلزم الاستعداد لمواجهة الأزمة آخذين بجميع الأسباب و الوسائل المتاحة قبل و خلال حدوث الأزمة ، و علينا احتوائها بعد حدوثها قدر الإمكان ، ببذل كل جهد ممكن لاستعادة النشاط وإعادة التوازن للمؤسسة التي حدثت فيها الأزمة. أن مفهوم الأزمة على المستوى الفرد أو المواطن العادي الذي يعيش في المجتمع بأنها في مفهومه الشخصي هي مشكلة شخصية يكون تأثيرها على حالته النفسية أو في وضعه المالي، أو حالته الصحية أو مشاكل تحدث في حياته الزوجية أو صعوبات في بيئة العمل الوظيفي. من واجب الادارة المتخصصة في الأزمات تجميع المعلومات والحقائق عن أسباب الأزمة وتفسيرها وتحليلها بكل دقة، والتعرف عليها حتى يمكن السيطرة عليها واتخاذ التدابير الصحيحة الفورية لمعالجتها وحلها، مع قياس حدة وحجم الدمار المادي والبشري والخسائر الاقتصادية التي سببتها، ومعرفة اتجاهات الرأي العام تجاه المشكلة. بمعنى آخر توفير المعلومات الكافية عن الوقائع والأحداث بدون قيود إدارية تمنع المعلومة من الوصول إلى صانعي القرار في الإدارة، فالمعلومات العشوائية غير الصحيحة أو غير الواقعية والمشكوك فيها تسبب إرباكا وتدهورا ومخاطرا في اتخاذ اللازم لمكافحة الأزمة وتحجيمها من الانتشار. و غالباً ما تنشأ الأزمة لتعارض المصالح والأهداف بين الدول أو في المؤسسات ، ومن سوء الاتصالات بين القادة و الأفراد ومن ضعف العلاقات الإنسانية ، ومن عدم توافر القيادة الحكيمة القادرة على الانفتاح والمصارحة. لكل أزمة مقدمات تدل عليها، وشواهد تشير إلى حدوثها، ومظاهر أولية، ووسطى، ونهائية تعززها… ولكل حدث أو فعل تداعيات وتأثيرات، وعوامل تفرز مستجدات، ومن ثم فإن حدوث المقدمات، ليس إلا شواهد . عادة ما ترسل الأزمة قبل وقوعها بفترة طويلة سلسلة من إشارات و الأعراض التي تنبئ باحتمال وقوع الأزمة، وما لم يوجه الاهتمام الكافي لهذه الإشارات فمن المحتمل أن تقع الأزمة، وبالإضافة إلى ذلك فإن كل أزمة ترسل إشارات خاصة بها، وقد يصعب التفرقة بين الإشارات الخاصة بكل أزمة على حدة، فعلى سبيل المثال لو تم التعبير عن الغضب والاستياء الكامن داخل بعض المواطنين باي طريقة تظهر هذا الاستياء ,على الادارة معالجة اسباب هذا الغضب لكي لايتسع ويؤدي الى ازمة او ازمات.
المشكلة التي تواجه إدارة الأزمات عند وقوع الحدث هي عامل الوقت وضغط الأزمة لصنع القرار واتخاذ اللازم في السيطرة على المشكلة والاستعداد الكامل لمواجهتها، فمن الواجب الحذر دائماً من ظهور عوامل غير متوقعة في عملية التصدي ضدها، والقيام بجميع الاستعدادات الأمنية الفنية مع المراقبة المستمرة والشديدة في كل الأوقات الزمنية لمعرفة المؤشرات والتنبؤات المتوقعة بقرب وقوع الأزمة ومرحلة انفجارها. يلزم أن يتوافر لدى المجتمع الاستعدادات والأساليب الكافية للوقاية من الأزمات، ويؤكد ذلك على أهمية إشارات الإنذار المبكر، لأنه من الصعب أن تمنع وقوع شيء لم تتنبأ أو تنذر باحتمال وقوعه، إن الهدف من الوقاية يتلخص في اكتشاف نقاط الضعف في نظام الوقاية بالمجتمع، وهناك علاقة بين التنبؤ بالأزمات وبين الاستعداد والوقاية منها، إذ تعتبر الزلازل والحرائق والسيول وانهيارات المباني القديمة أهم الكوارث التي تتعرض لها الدول، حيث انعكس ذلك على خطط الاستعداد والوقاية التي يقوم بها الدفاع المدني، بما تتضمنه من تدريب للأفراد واختيار للمعدات وما إلى ذلك، ولكن تعرض المباني الحديثة متعددة الطوابق للانهيار لم يكن يدخل في دائرة المخاطر المحتملة، فعندما تقع الأزمة لا يستطيع سوى عدد محدود جداً من الناس أن يتصرف بهدوء وبكفاءة دون أن يكون مدرباً على ذلك، ولهذا السبب فمن الضروري وضع أساليب مختلفة وتتابع للأحداث لأزمة نتخيلها، واختبار ذلك كله حتى يصبح دور كل فرد معروفاً لديه تماما . تعد من أخطر مراحل الأزمة، ومن النادر أن تصل الأزمة إلى مثل هذه المرحلة، وتحدث عندما يكون متخذ القرار الإداري على درجة كبيرة من الجهل والتخلف والاستبداد برأيه وانغلاقه على ذاته أو إحاطة هذه الذات بالقدسية والتأليه، وبحاشية من المنافقين الذين يكيلون له المديح ويصورون له أخطاءه حسنات. وعندما تقع الأزمة تتكون الصراعات التي تتحول من أزمة إلى أزمات وتسبب الإثارة والعنف وعدم الاستقرار في المجتمع ومصالحه وأهدافه، وكذلك هي التحول الفجائي والتفاعلات التي تهدد الأمن والاستقرار والقيم والعادات والتقاليد أو المصالح الرئيسة في الدولة، وفي هذه الحالة وجب سرعة التدخل وصنع القرار وتنفيذه في وقت ضيق وسريع، وفي ظروف قد تكون صعبة وعدم التأكد منها، وذلك حتى لا تتفجر أمور من الصعب السيطرة عليها واحتواءها وحصرها ومنعها من الانتشار. وبذلك تصل الأزمة إلى أقصى قوتها وعنفها، وتصبح السيطرة عليها مستحيلة ولا مفر من الصدام العنيف معها.
من المستحيل منع الأزمات من الوقوع طالما أن الميول التدميرية تعد خاصية طبيعية لكافة النظم الحية، وعلى ذلك فإن المرحلة التالية في إدارة الأزمات تتلخص في إعداد وسائل للحد من الأضرار ومنعها من الانتشار لتشمل الأجزاء الأخرى التي لم تتأثر بعد في المجتمع، وتتوقف هذه المرحلة في إدارة الأزمات على طبيعة الحادث الذي وقع، فعلى سبيل المثال نجد أن كارثة غرق سفينة، وغرقها السريع لم يجعل هناك أي مجال لحماية أرواح من غرقوا . ويعد تسرب المواد الكيماوية والاشعاعات الذرية كما حدت لمفاعل شرنوبل عام 1986من أخطر الأزمات التي يمكن أن تعرّض الناس والبيئة لمخاطر لا حدود لها، وإذا أخذنا تسرب الوقود من صهاريج شركات أنابيب البترول وما يترتب عليه من تشريد العديد من الأسر وإتلاف الأراضي الزراعية والمحاصيل، وكذلك تعريض العديد من القرى للحرائق وتهديد الأرواح والممتلكات والثروة الحيوانية، فإننا ندرك أبعاد أهمية احتواء الأضرار التي تنشأ عن مثل هذه الأزمات . كما في حال التعرض للعمليات الإرهابية يصعب أن نفعل شيئاً لتقليل التأثير الناتج عن الصدمة على نفوس المواطنين . وهنا قد تكون الأزمة بالغة الشدة تطيح بمتخذ القرار وبالمؤسسة أو المشروع الذي يعمل فيه، أو أن يكون متخذ القرار قد استطاع بدهاء تحويل اتجاه الأزمة إلإتجاه الآخر ، بحيث تتفتت الأزمة عنده، وتنتهي باستقطاب عناصر القوة فيها والسيطرة عليها بشكل أو بآخر.وقد لوحظ أن المديرين بالمنظمات المستهدفة للازمات على درجة عالية من المهارة في حجب إشارات الإنذار التي تتنبأ بقرب وقوع الأزمات، بينما يتوافر لدى المديرين في المنظمات المستعدة لمواجهة الأزمات مهارات عالية في الشعور بأية إشارات حتى وإن كانت خافتة والأسوأ من ذلك أن المديرين بالمنظمات المستهدفة للازمات لا يتعمدون حجب إشارات الإنذار فحسب ولكنهم يعاقبون حملة الأخبار السيئة. وقد ترتكب المنظمات المستهدفة للأزمات خطأً جسيماً بالتركيز على العمليات الداخلية بتجاهل تأثير الأزمة على الأطراف الخارجية أو تهتم بذلك في وقت متأخر، وعادة ما ينتاب الجماعة التي تعمل في هذه المرحلة شيء من الحماس الزائد، حيث تتكاتف الجماعة وتتماسك في مواجهة خطر محدد ومهمة أكثر تحديداً. على المستوى المحلي، لذلك يلزم اتخاذ كل الاحتياجات والإجراءات الأمنية لعلاجها، فالمطلوب منا السرعة في الاتصال والاهتمام بها حتى لا ينتج عنها أمور من الصعب السيطرة عليها، أو تصيب أفرادا ضحايا أبرياء، أو تدمير المنشآت العامة للدولة وإرباك الموارد المحلية، ففي هذه الحالات وجب التصرف بالطرق السليمة المبنية على مبادئ إدارية سليمة، وتدخل الحكومة وغيرها من الهيئات الرسمية في الدولة لمواجهتها وحلها.ومن نتائج وقوع الأزمات – بعد مرحلة انفجارها يقع على عاتق إدارة الأزمات مهمة تخفيف الأضرار التي لحقت بسمعة الدولة أو المؤسسة أو الهيئة والسعي لإعادة الوضع إلى طبيعته واستخدام وسائل الإعلام للدفاع وشرح الأوضاع عن المواقف التي مرت وسببت هذه الأزمة نظريا وعمليا وتزويد رجال الإعلام بالمعلومات الموضوعية والدقيقة والصحيحة عن الأزمة بهدف تصحيح المفاهيم التي تلقاها الرأي العام المحلي أو الدولي عبر وسائل الإعلام الدولية.ويمكن إعطاء المعلومات الواقعية المملوءة بالمصداقية بدون تعتيم إعلامي عن القضايا والأزمات. كانت الأزمات الاقتصادية في التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي سبقت الرأسمالية تحمل طابعاً مختلفاً عن الأزمات التي حدثت في عصر الرأسمالية. فقد كانت الأزمات تنجم في السابق عن كوارث طبيعية عفوية، كالجفاف والطوفان والجراد وغيرها من الآفات، كما كانت تنجم عن أحداث من صنع الإنسان كالحروب والغازات التي كانت تدمر كل شيء، وتصيب القوى المنتجة بالخراب، وتحدث فاقة شديدة عند الناس، وتنتشر المجاعات والأوبئة فتقتل الكثير من الناس.
باستثناء أزمات الطبيعة مثل الزلازل والعواصف، والبراكين، وحرائق الغابات الناجمة عن الصواعق.. الخ، هي فعل أو رد فعل إنساني؛ فعل يهدف إلى توقف، أو انقطاع نشاط من الأنشطة، أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع، بهدف إحداث تغيير في هذا النشاط، أو الوضع لصالح مدبره، وهو ما يعرف ” بالإدارة بالأزمات”. ومن قبيل ذلك سعي العاملين في مشروع اقتصادي ما إلى الإضراب عن العمل، من أجل زيادة أجورهم، أو المشاركة بنسبة في الأرباح، أو تكوين نقابة خاصة بهم، أو خفض ساعات العمل أو الحصول على غير ذلك من مزايا عينية وتسهيلات، أو محاولة رب العمل من جانبه طرد بعض المحرضين على الإضراب، بهدف تحقيق الانضباط. وقد تفلح محاولة أي من هذين الفريقين ( العمال أو أرباب الأعمال )، وهنا يقال إن تسبب أيهما في خلق ” الأزمة ” ، ونجاح محاولته للإدارة بالأزمات وقد تفشل مثل هذه المحاولة، فيصبح فاعل الأزمة وقد أدخل نفسه في مأزق حقيقي. وتمثل محاولاته للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة لإدارة الأزمة ، فإذا فشل الإضراب مثلاً في تحقيق أهدافه، ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع صاحب العمل بمجازاتهم في تحقيق أهدافه، ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع صاحب العمل بمجازاتهم بخصم بضعة أيام من أجورهم بدلاً من فصلهم، فإن ذلك في حد ذاته يمثل إنجازاً لهم في تحجيم خسائرهم ، أو نجاحاً في إدارتهم للأزمة. كما أنه على الرغم من أن النتيجة المفترضة نظرياً لتقاطع هذين الأسلوبين، أو للتفاعل القائم بينهما، هو أن يحقق أحدهما قدراً من المكاسب يعادل ما يتكبده الطرف الآخر من خسائر، إلا أن الواقع العملي لا يحتمل دائماً مكسباً كلياً مقابل خسارة تامة، وإنما يحقق كل من الطرفين قدراً من المكاسب والخسائر المزدوجة. ومن هنا يطلق البعض على الإدارة بالأزمات علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على الآخرين. والأزمة المصنوعة المخلقة، لها مواصفات حتى تبدو حقيقية، وحتى تؤتي ثمارها، وأهم مواصفاتها هي الإعداد المبكر، وتهيئة الازمة، وتوزيع الأدوار على قوى صنع الأزمة، واختيار التوقيت المناسب لتفجيرها، وإيجاد المبرر والذريعة لهذا التفجير. وللأزمة المختلقة تلاحق وتتباع ،وتراكم الإفرازات والنتائج، وكل منها تصب في سبيل تحقيق الهدف المراد الوصول إليه، فلكل أزمة مصنوعة هدف يتعين أن تصل إليه، وبدون تحقيق هذا الهدف لن يتلاشى الضغط للازمة ، أو يخف التأثير العنيف لإفرازات الأزمة، وكذا لن تهدأ قوى صنع الأزمة أو تتراجع حتى تحقيق هذا الهدف.
أما بالنسبة للأزمة الاقتصادية فتعرف بأنها اضطراب فجائي يطرأ على التوازن الاقتصادي في بلد ما أو عدة بلدان، وهي تطلق بصفة خاصة على الاضطراب الناشئ عن اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، ويعرفها آخرون بأنها مرحلة أو طور انحدار الإنتاج في حركة الرأسمال الدورية، والتي تعبر أيضاً عن التناقضات الداخلية للرأسمالية في الحقل الاقتصادي. وفي العصر الحديث انفجرت أول أزمة خفض إنتاج ذات صفة دورية واضحة في إنكلتراعام 1825. وأدت هذه الأزمة إلى تقليص الإنتاج، وحدثت إفلاسات كثيرة، اضافة الى أزمة تسليف ونقد، وتراجع التصدير، وانتشرت البطالة والفقر. أعنف أزمة حدثت في القرن العشرين فهي أزمة 1929 – 1933 التي هزت العالم، وكانت لها سمعة مدوية، وتلتها أزمة 1974 – 1975 التي أعلنت ولادة مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية.

اترك تعليقاً