السيمر / الثلاثاء 08 . 05 . 2018
د. ماجد احمد الزاملي
أمر الإصلاح السياسي وما يرتبط به من تحديث لمختلف القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة مرتبط بحضور الإرادة الشعبية في مركز القرار السياسي في البلاد , ولا يجوز إحالة الأمر لهذا الحزب أو ذاك , هذه السلطة أو تلك , من السلطات التي سكنها أصلاً هاجس المشروعية المفقودة . مقاومة مراكز مناهضة التغيير، فإرادة الإصلاح ستصطدم حتما بقوى الجمود والتخلف والسلطوية , إن اختيار التعامل معها يجب أن يكون مبدئيا بعيدا عن حملات التصفية والإثارة، والاحتكام إلى القانون وإصلاح وتخليق الحياة العامة، والاعتماد على الامتداد الشعبي لمواصلة النضال الديمقراطي من موقع قيادة العمل الحكومي وتعبئة الجماهير في اتجاه إقرار السيادة الشعبية، وتفعيل المجتمع المدني في إطار محاربة الفساد والتسلط وزرع ثقافة المواطنة والحس المدني وروح الواجب والمسؤولية. شروط الانعتاق من الخطاب السياسي المتردي هو التحليل النقدي للاحتجاجات اليومية وتركيز الانتباه على المطالب الشعبية الحقيقية والفعلية ، ومعالجة أزمات البطالة والتعليم والصحة ، والإسهام من طرف الجميع في تأسيس مقومات العيش المشترك وتطوير أدوات التضامن الاجتماعي وتنويع أشكال الفعل العمومي والشروع في تطهير المؤسسات من الفساد , وذلك باذكاء ثقافة العمل والانجاز والعطاء.
الصراعات السياسية والحزبية الضيقة في هذه المرحلة التي يمر بها بلدنا ، ينبغي تجاوزها ويحل محلها الوفاء بالعهود وانجاز الممكن منها ،وتطبيق البرامج التي تم تسطيرها والدعاية لها خلال فترات الانتخابات ، وخدمة الناس يجب أن تحل محل خدمة المطامح الذاتية ، ومسؤولية الطبقة السياسية الوفاء لمنطق التعاقد, للسياسة أخلاق، واستحقاق في عالم القيم , وان منطق التنازل للوطن في القضايا الكبرى ،هو الذي ينبغي أن يكون سائدا ويرافقه في ذلك الكف عن التحدث بلغة الحرب ، لأن الرابح الأكبر هو الوطن والمواطن البسيط ، وبالتالي لا الأغلبية يجب أن تهيمن ولا الأقلية يحق لها أن تحتكر المشهد وتمارس ابتزازا ولا حتى مساومة بعيدة عن منطق ميزان القوى الحقيقي والديمقراطي على الارض. وجدير بمكونات الطبقة السياسية في مجملها العمل على تفادي النظر الى العملية السياسية من زاوية التنافس التجاري في السوق بين العرض والطلب ، وذلك لكون الفعل السياسي المسؤول يقوم على تقديم الخدمة العمومية للناس وفداء الوطن والتضحية بالمصلحة الشخصية والطائفية والحزبية ،من أجل المصلحة العامة للشعب ، بينما واقع الحال الذي يؤطر المجال السياسي والعمومي ، هو أن العملة المتداولة في السوق تصعد قيمتها وتهبط ، بارتفاع حرارة الاحتكار والجشع و اذكاء منطق الحيلة والمكر والكيد ،وهذا الاسلوب لن يؤدي الا للتفكك وتردي الاوضاع الاقتصادية والخدمية. ان ما ينتظر الطبقة السياسية بمجملها بعد صياغة الدستور هو تحصين البلاد من النزعات التحكمية والتطلعات الاستبدادية ،وذلك بالعمل على صنع ارادة حازمة وعزم حاسم يقضي على نهج السلطوية وهيمنة الاحزاب المتنفذة وعدم اقصاء الاغلبية للمعارضة ، ويحترم الحريات العامة ويضمن حقوق الأقلية السياسية ويغير نظام توزيع الخيرات والمنافع والثروات ، ويفتح نقاشا وطنيا حول مشاكل الأمن والتفكك الأسري والعنف المجتمعي وتقلب المناخ وندرة المياه وأزمة صناديق التقاعد. النقاش بين السياسيين من المفروض أن يتوجه صوب تأسيس وصياغة نمط المجتمع الذي يريد الشعب بناءه ، والنموذج التنموي الذي نتغنى جميعا ببناءه ، ومنوال التحديث والتطوير الذي يلائم هذه المرحلة الانتقالية ويدمج الجهات المحرومة والمناطق المهمة في الدورة الاقتصادية والتنموية ويحقق الاعتراف المتبادل والمساواة بين الفئات والشرائح والأجيال والطبقات . أن تكون الدولة مستوطن الإرادة السياسية في التحول الديمقراطي ، وان الاداء العملي والانجاز التنفيذي والعقلانية التدبيرية ينبغي أن تأتي الى التاريخ الديمقراطي والوطني بواسطة السياسي والمثقف ،وتبحث لها عن أوثق السبل الصادقة والمخلصة لصناعة الخير المشترك ،وتجعل الحق ينتصر في النهاية على التزييف والتزوير الماكر للتاريخ وحقائقه ، وتوفر الفرصة الكاملة لكي تساهم في اتخاذ القرارات الحاسمة والمناسبة بشأن المستقبل .
العقلية الديمقراطية الحقيقية تقتضي أن يحترم المنافس وأن يعامل بندية وأن تجد قوى المعارضة الحقيقية – داخل المؤسسات وخارجها – الفضاءات والمنابر الكافية للتعبير عن وجهات نظرها ، وأن يعطى للقوى المشكلة للاغلبية السياسية فرصة للتشكل وممارسة الحكم وامتلاك جوهر السلطة ، وأن تكون العلاقة بينهما يحكمها التوازن والرقابة والإصغاء المتبادل والنقد المسؤول ،وذلك لأن الجميع يركبون نفس السفينة ويتقاسمون نفس المشاغل ويواجهون نفس التحديات ، وتزول بينهم الفوارق والاختلافات.