الثلاثاء 24 . 11 . 2015
وسيم إبراهيم / سوريا
إن أعظم جهاز لدى الإنسان هو جهاز التفكير..
لذلك فنحن مجانين إذا لم نستطيع أن نفكر،ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر،وأيضاً عبيد إذا لم نجرؤ على أن نفكر.
إن مسألة الشرف مسألة شديدة الحساسية في مجتمعنا العربي ،والخوض في نقاشها ليس بالأمر السهل واليسير، لكن..إلى متى
سوف يتم قتل النساء العربيات بوحشية وبربرية لا مثيل لها إلاّ في عالم الحيوان بحجة الدفاع عن شرف الرجل العربي!؟
فمتى كان القاتل شريفاً ؟؟؟
أفكار كثيرة تعبر رأسي ورأسكم حول ( الجنس – الشرف – العذرية – السحاق – الدين – الله – الوطن ) وغير ذلك.
لكن للأسف حاجز الصمت والخوف من السلطة الاجتماعية يمنعنا من نقاش هذه (التابوات ) والمحرمات الفكرية العربية ، حتى أصبح مجتمعنا مجتمع المحرمات ، فهناك محرمات اجتماعية و محرمات سياسية و محرمات دينية و أيضاً يوجد محرمات غذائية و رياضية (منع الفتاة من ممارسة رياضة الفروسية).
لقد حان الوقت كي ننفض الغبار المتراكم فوق أذهاننا منذ أجيال و أجيال..
فقد رسم المجتمع حدوداً لحياتنا و رسم خريطة لأفكارنا وعلينا عدم تجاوزها من خلال ثقافة و قيم الطاعة التي تقول لنا:(( من علمك حرفاً عليك أن تكون له عبداً)) ، أما أنا فأقول: من علمني حرفاً كنت له محاوراً و مشككاً و مصححاً و ناقداً ،لأن النقد هو نافذة الحرية و الفن و الإبداع البشري
ونتيجة لهذه القيم الصفراء التي تم غرسها في عقولنا بقوة المجتمع و قوة السلطة الأبوية و السلطة التعليمية و الدينية .. أصبحنا نعجز عن التفكير و نخاف منه أيضاً،بل تحولنا إلى شعب بلا أفكار ، شعب يؤمن بأن الصمت لغة كونية و عالمية علينا أن نتعلمها و نعلمها لأولادنا من بعدنا.
وكل من يحاول أن ينتقد و يفنّد هذه المفاهيم والقيم يعاقب بالنبذ و التهميش الفكري و المعرفي و من ثم الإيذاء الجسدي
لذلك يتحتم علينا أن نتعلم التفكير، و ليس الأفكار الجاهزة المعلبة و التي يتعامل معها العقل العربي بنوع من القدسية.
فمثلاً : المرأة في ثقافتنا مازالت رمزاً للغواية و الخطيئة منذ آلاف السنين دون أن نضيف شيئاً على هذه الفكرة السلبية , و ما زالت تقف وراء الرجل و ليس بجانبه .
في كل مرة أسمع بها بأن هنالك فتاة ذٌبحت من أجل الشرف لأنها أحبت بقلبها و جسدها أشعر بأننا مجتمع لا يستطيع التبرؤ من بهيميته و الدخول إلى عصر المجتمعات المدنية التي تؤمن بامتلاك الإنسان لرأسه و جسده.
فلا يعقل أن نبحث في أسباب الحياة و أسباب سعادة الإنسان ، و نحن ننشر ثقافة القتل و العنف و ثقافة غسل العار وذبح الفتيات .
و دائماً أقول : بأنه إذا سألني أحدهم : لو كنت إلهاً فما هي الجرائم التي لا تغفرها؟ أجيب بدون تردد :
أولاً:جريمة الاغتصاب ، و ثانياً جريمة الشرف ، و ثالثاً جريمة العقل ، وهي أن يأتي إنسان متعصب لدينه ، أو لفكره ويقوم بقتل مثقف أو كاتب من أجل خلاف فكري أو معرفي.
المهم ما يعنيني الآن : هو الجريمة القذرة و التي تسمى ( جريمة الشرف)
فحتى يومنا هذا نسمع بأن هنالك شاب قد أتى من محافظةٍ ما ، و قتل شقيقته التي تدرس في جامعة حلب لأنها دنّست له شرفه.
ما يحيرني !؟ هو أنها في حلب وهو في الشام أو الحسكة فكيف لوثت له شرفه ؟؟؟ سؤال لا أملك إجابة عنه فهل تملكون جواب ؟
و الأسوأ من ذلك أن جريمة الشرف ممكن أن تحدث أحياناً إذا تكلم شاب مع فتاة ، أو إذا رآها أحد تنزل من سيارة رجل غريب في المناطق الفقيرة ، حتى إذا اغُتصبت ممكن أن تُقتل ؟ لأنها فقدت بكارتها أي شرفها،وننسى انكسارها النفسي وألمها الجسدي لأن سلامة غشائها هو الأهم ، وأيضاً أصبح كل رجل يدخل بنزاع مع أخته أو زوجته أو…الخ من أجل الميراث أو مبلغ من المال يقوم بقتلها بذريعة الشرف ليتخلص منها و هي أسهل طريقة.
مفهوم الشرف هذا خلق ازدواجية في مجتمعنا ، فالرجل الفاسق و الكاذب إنسان شريف إذا كانت زوجته لا تمارس الجنس مع أحد غيره ، و أيضاً الرجل المنافق و الغشاش شريف إذا كانت ابنته لا تمارس الجنس مع أحد بينما الرجل الصادق و الأمين هو غير شريف إذا كانت شقيقته تمارس الجنس مع أحدهم ، وهنا خطر في بالي سؤال:
إذا كان هناك إنسان والدته قد فارقت الحياة و ليس لديه شقيقات و لا زوجة فأين هو شرفه ؟ أم أنه بلا شرف يدافع عنه ، بما أنه ليس لديه أم ولا أخت ولا زوجة .
أولاً – إن شرف الإنسان ليس في نساء بيته فشرف الإنسان موجود في حريته و كرامته و في العيش بأمن و سلام ، وأي انتهاك لحقوق الإنسان هو انتقاص و تدنيس لشرفه.
هناك حكمة صينية تقول :(إن التشهير بالتخلف و كشف عيوبه وجرائمه شيء مفيد ) لذلك سوف أُشهّر وأفضح هذه الجريمة القذرة المسلطة على جميع رقاب النساء العربيات المتعلمات والغير متعلمات.
إن مفهوم الشرف الحالي هو: مفهوم مزيّف وهو مفهوم إقطاعي و برجوازي فرضته الطبقات المالكة على الطبقات الغير مالكة ، فهذه الفئات الجشعة أقنعت العامل المسكين بأن فقره و جهله لا يدنس شرفه ، لأن شرفه موجود عند نساء بيته.
فعندما ثار العامل البائس ضد سيده في العمل من أجل إنصافه بالأجر وعدم استغلاله و تدنيس شرفه ، قال له رب العمل : لا تتكلم عن شرفك فأنا ليس لي علاقة به ، فهو موجود داخل منزلك عند (أمك و أختك و زوجتك)..
وقف هذا العامل المغلوب على أمره ، وأصبح يفكر؟ فقال بينه و بين نفسه : إذا اعتقدت بأن شرفي مرتبط برب عملي فلن أستطيع فعل شيء معه لأنه سوف يضربني و يلعن ( أمي على أبي )
لهذا السبب قال لنفسه : من الأسهل إذاً أن أربط شرفي بنساء بيتي لأنني أستطيع أن أكسر لهم أيديهم و أرجلهم و بالتالي أحفظ شرفي.
سوف أبسّط لكم الفكرة أكثر كي تصبح سهلة في أذهانكم وواضحة وجلية بشكلٍ أكبر.
ما هو أسهل على الإنسان ؟ أن يربط شرفه بطرف أقوى منه مثل رب العمل ، أم يربطه بطرف أضعف منه يملك السيطرة عليه مثل المرأة.
إن العامل أو الإنسان المقهور وقع في مأزق وجودي ونفسي ، ووجد نفسه بين خيارين :
إما أن يربط شرفه بالقوى الظالمة،أو يربطه بنساء بيته،ونتيجة هذا الصراع النفسي
وصل إلى نتيجة مفادها :
إذا تم ربط شرفي بالقوى المتسلطة و الظالمة والتي تدوس على كرامتي كل يوم، فسوف أموت من القهر و الحسرة لأنني غير قادر على استرداد شرفي من هؤلاء المتسلطين لأن ذلك يتطلب مواجهتهم و بالتالي سوف أفقد عملي وحياتي أيضاً.
هذا السبب جعل الإنسان المقهور يبحث في عقله الباطن عن معنى آخر للشرف يكون أضعف منه،ويكون تعويض عن شرفه المستباح أمام ظروف القهر الاجتماعي ، فوقع اختياره على المرأة ( الأخت- الأم- الزوجة- الابنة ) لأنه من الأسهل عليه كسر يد زوجته بدل يد الإقطاعي ، ومن الأسهل أيضاً قتل شقيقته بدل قتل سيّده في العمل , وهذا يعني أن العامل أعلن ثورته في منزله ضد نساء بيته وفي عقله الباطن هو يقود الثورة ضد الواقع الاجتماعي السيئ و ضد مستغليه ، فبدل أن يثور في الخارج ثار في الداخل ، وهذا يدفعنا إلى النتيجة التالية :
لقد أدرك العامل أو الإنسان البائس أنه إذا اقتنع بأن شرفه موجود لدى القوى الظالمة من إقطاعيين و برجوازيين واستبداديين فسوف يعيش بلا شرف بقية حياته لأنهم أسياده ، ولكي لا يمضي حياته من دون شرف صرخ في وجه المرأة وقال لها أنت شرفي من اليوم و إلى آخر يوم في حياتكِ و الويل ثم الويل إذا خالفتِ أوامري و سمحتِ لأحد أن يلمسكِ ويلوث شرفي ..
لذلك فكلما ظلمه الواقع الاجتماعي ظلم المرأة أكثر ، فالمرأة سلوك تعويضي عن شرفنا الغائب و المفقود ، فالمعاني السامية للشرف تغيب مثل الكرامة و العدالة و الحرية ، و يقتصر المفهوم على جزء صغير من جسد المرأة و هو غشاء البكارة .
إذاً نستخلص من هذا الطرح : أن مفاهيم القوي هي التي تسود والرجل على مر العصور كان مسيطراً ففرض مفهوم للشرف يناسبه ويخدم مصلحته.
ثانياً – يلاحظ أن أكثر جرائم الشرف موجودة في الأوساط الفقيرة لأن الفقراء لا يستطيعون شراء الكثير من الأشياء و لا يملكون شيء في معظم الأحيان ، لذلك فإن الحياة لا تترك لهم خياراً سوى امتلاك أجساد نسائهم كتعويض عن امتلاكهم للمنزل أو الأرض أو السيارة ، بعكس الأغنياء الذين يملكون الكثير من الممتلكات ، لذلك لا يرى الغني نفسه بحاجة إلى امتلاك جسد المرأة بشكل هستيري مثل الإنسان الفقير ، وهذا ما يبرر قلّة جرائم الشرف بين الطبقات الغنية.
أرجو أن أكون قد وفقت في تسليط الضوء على المفهوم الآخر للشرف كما أدركته من خلال نقدي و تحليلي للواقع الذي أعيش فيه ، هذا التحليل الذي جعلني أؤمن بأنه (كلما زاد غباء الإنسان زادت حاجته إلى إثبات سلطته بشكل أكبر، و أيضاً كلما زاد غباء الرجل زادت حاجته لإثبات سلطته بشكل أعنف ضد المرأة ).
في كل يوم أتمنى أمنية و آخر ما تمنيت هو: أن أصبح ناطحة سحاب كي أطهّر و أنظف نفسي و جسدي و عقلي من قاذورات الفكر البشري المتجسدة بجريمة الشرف.
مما تقدم نستنتج : أن شرف الإنسان ليس في مناطق اللذّة عند المرأة و ليس في نساء بيته و ليس في غشاء رقيق يمكن ترميمه بعشرة آلاف ليرة سورية …ما هذا الشرف الأضحوكة للرجل العربي؟؟ والذي صنعته الصين و غزا الأسواق السورية …
طبعاً أنا أتكلم :عن غشاء البكارة الصيني ، لذلك هلّلوا وصفقوا أيها العرب للصينيين لأنهم يصنعون شرفكم .