السيمر / الجمعة 06 . 07 . 2018
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
في جهد بأتجاه التوثيق للتاريخ العراقي، العريق والبارز في براغ، نشرنا قبل عشرة اعوام تماما، مادة على تلك الطريق وذلك في مواقع اعلامية، وصحف وغيرها، تحت عنوان “تاريخ عراقي في ذاكرة براغ” أستقطبت – على ما ندعي- اهتماما ملحوظا، وتسلمنا بشأنها العديد من الاضافات والملاحظات والتعقيبات التي استوعبها ملحق تم نشره في فترة لاحقة …
وإذ ينتظم في براغ اواسط الشهر الجاري (تموز2018 ) ملتقى نوعي متميز للخريجات والخريجين العراقيين من المعاهد التشيكية- السلوفاكية، في العقود والسنوات القريبة الماضية، أرتأينا اعادة نشر نصوص ومقتطفات واسعة من ذلك التوثيق الذي اشرنا اليه في ما تقدم من سطور، دون ان نضيف او نعدل شيئاً من المحتوى، برغم اهمية الكثير من المستجدات والاحداث ذات الصلة، في العقد الماضي. وطموحنا ان يتسع الوقت لدى من يهمه الامر، وخاصة من القادرين والناشطين، لمواصلة هذه التأرخة – ولنسمها الاساس- واستكمال نواقصها، واضافة الجديد اليها … وفي التالي النصوص والمقتطفات المختارة من المادة المنشورة في تموز 2008 :
/ تقديــم
لا تتميز براغ، العاصمة التشيكية – التشيكوسلوفاكية حتى عام 1993 – بما شهدته، وشهدت عليه من وقائع وشؤون عراقية وحسب… بل وتتفرد من بين عواصم الدنيا – غير العربية على الأقل – في صلتها مع الأحداث والشخصيات العراقية، وصلاتهم بها، ومنذ عام 1958 على وجه الخصوص… وحسبنا الاستشهاد هنا، للتأكيد على ما نزعم، باغتراب الجواهري الكبير إليها، وابداعه فيها طيلة ثلاثين عاماً (1961-1991)… ولجوء، ونشاط، الشخصية الوطنية البارزة زكي خيري، لفترات غير قصيرة، على مدى سنوات مختلفة، وحتى العام 1991… وباقامة المفكر والفنان الرائد محمود صبري، وعطائه في ربوعها، منذ عام 1963 والى اليوم…
… نشير الى ذلك بهمسات سريعة بارزة الدلالة، لنفتح شهية القارىء، والمتابع في ولوج بعض محطات التاريخ العراقي وشؤونه في براغ، العاصمة الذهبية الوديعة التي أوت، واحتضنت المئات من العراقيين، مناضلين ومثقفين ولاجئين ومغتربين ودارسين، مؤجلين الحديث عن الضيوف والزوار السياسيين والرسميين، والبارزين منهم بشكل خاص…(1). ولاشك بأن الكثير من الظروف والوقائع، حتمت ان يكون لبراغ مثل هذا الموقع المهم في التاريخ العراقي… ويبرز في المقدمة منها تواجد منظمات واطارات دولية مهمة تشكلت، وأقامت، ونشطت في عاصمة بلاد التشيك، فضلاً عن عوامل وأسباب أخرى تحاول هذه التأرخة، العامة، ان تتوقف عند أكثرها ملموسية، بحسب اجتهادنا، وان بشكل توثيقي موجز، ربما يحفز المعنيين للكتابة عنها، كل حسب موقعه، ورؤاه، وحتى ظنه، خاصة وان الظن لم يعد بعضه اثماً في عالم اليوم الرحيب بكل “الظنون” بل، والحافل بها!.
2/ سياسة وسياسيون
برز أول تواجد عراقي سياسي – مستقر وملموس بتعبير دقيق – في براغ منذ أواسط الخمسينات ضمن تشكيلات مجلة قضايا السلم والاشتراكية المعنية بالحركة والاحزاب الشيوعية، ثم ليتركز في مطلع الستينات، حين بات للحزب الشيوعي العراقي ممثل ثابت في مجلس تحرير تلك المجلة… ثم في هيئة تحريرها، التشكيل الأهم، اعتباراً من عام 1974… وتلك “الهيئة”، مسؤول أول – كما هو معلن على الأقل – عن مهام وشؤون التحرير، والمجلة عموماً… وهو موقع يمنح شاغليه مهاماً و”ميزات” اضافية، مقارنة بمندوبي وممثلي الاحزاب الأخرى إلى المجلة والعاملين فيها، وليسوا بأعضاء في هيئة تحريرها… وقد نُسب لذلك الموقع، لفترات مختلفة، قياديون شيوعيون عراقيون، من بينهم، ودون توثيق التسلسل التاريخي: زكي خيري، نزيهة الدليمي، عزيز الحاج، عادل حبه، حميد مجيد موسى، كاظم حبيب، رحيم عجينه… ذلك الى جانب مساعدين ومحررين ومترجمين ضمن الطاقم العراقي، نذكر منهم، ودون التوقف عند التسلسل الزمني أيضاً: بهاء الدين نوري ومصطفى عبود ونزار ناجي وعزيز سباهي وعدنان الجلبي ويحيى علوان ومجيد الراضي وفالح عبد الجبار وعيسى العزاوي وكريم حسين وعبد الاله النعيمي وعدنان الأعسم وعدنان عنيزان، وغيرهم…
ومن خلال ذلك الموقع العراقي المسؤول في قيادة المجلة، المنبر السياسي والاعلامي الشيوعي الأممي، ذات الصلاحيات الواسعة في البلاد، الممنوحة لها من الحزب الشيوعي الحاكم، شهدت براغ العشرات من الفعاليات العراقية السياسية، الخاصة، وغيرها، مثل اجتماعات ولقاءات المسؤولين الشيوعيين العراقيين، النوعية أو الموسعة، ومنذ مطلع الستينات، وحتى نهاية الثمانينات الماضية بشكل محدد… وكل ذلك إضافة الى نشاطات النشر والاعلام والتوزيع والتوجيه المركزي، لمنظمات الحزب في الخارج، بل وحتى في الداخل لفترات معينة، وقد حتم هذا الواقع ان تكون هناك جملة قرارات وتوجهات تاريخية – وكذلك صراعات – عديدة على صعيد الحركة الشيوعية العراقية الخاصة، او الوطنية العامة، تم اتخاذها في براغ… “يسارية” و”يمينية” وفق مسميات وتعابير الفترة المعنية، ولابد ان يحين موعد الحديث المفصل عنها، ومن جانب ذوي العلاقة بشكل رئيس.
… كما تجدر الاشارة أيضاً في هذا السياق، إلى أن المركز الشيوعي العراقي في المجلة الأممية، وفي براغ عموماً، قد نظم، ورعى وساعد في انجاح العديد من اللقاءات والاجتماعات السياسية الوطنية العراقية المهمة، على مدى الفترة الزمنية التي يتوقف عندها هذا التوثيق… وقد شاركت فيها إلى جانب المسؤولين الشيوعيين، شخصيات سياسية، ووطنية عراقية بارزة ومن مختلف الاتجاهات، المتابعة والمعنية بشأن البلاد وأوضاعها بما فيها الأحداث المهمة، وخاصة في فترات الملاحقة والاضطهاد، التي تعرضت لها الحركة الوطنية والديمقراطية عموماً، وما أكثرها خلال الفترة التي تعنى بها هذه التسجيلات…
3/ نشاطات تضامنية
… ولأن العقود التي تتحدث عنها هذه المساهمة التوثيقية شهدت الأوضاع الارهابية الأشد استثنائية وقسوة في العراق، فقد كان من الطبيعي ان تكون لبراغ الاشتراكية حتى عام 1989 والرأسمالية بعد ذلك التاريخ، حصتها في حملات التضامن مع الشعب العراقي لسنوات طويلة وبأشكال وصور وأطر مختلفة، شابتها عقدٌ وتعقيدات ليست قليلة بل ومتعارضة في بعض الفترات وفي عقد الثمانينات خصوصاً… ونرى بأن المثال الأهم الذي يمكن أن يلخص للفعاليات التضامنية الأبرز التي كانت براغ موقعاً لها، انبثاق “لجنة الدفاع عن الشعب العراقي” واتخاذها من عاصمة البلاد التشيكية مقراً ثابتاً لها… وقد تشكلت هيئتها العليا من شخصيات وطنية بارزة بعيد الانقلاب البعثي الأول في الثامن من شباط/فبراير 1963… ترأسها الجواهري الكبير وضمت نزيهة الدليمي وعزيز الحاج وفيصل السامر وذنون ايوب ومحمود صبري وهاشم عبد الجبار ومجيد الونداوي وصلاح خالص. كما تمثلت الحركة الكوردية فيها بمندوبها غير المقيم جلال الطالباني لفترة من الوقت… وقد برزت اللجنة في عقد المؤتمرات واللقاء التضامنية واصدار البيانات والنشرات، فضلاً عن مجلة “الغد” السياسية المتميزة… ثم توقف نشاطها – اللجنة – بعد حوالي سنتين من تشكيلها بسبب ما عرف من تغيرات، وتوجهات جديدة في سياسة الحزب الشيوعي العراقي في آب/اغسطس 1964… والتباين بشأن نظام الحكم السائد في بغداد، والموقف من تغييره، وأشكال ذلك التغيير…
4/ شهداء ومناضلون
لم يكتف الناشطون السياسيون العراقيون الدارسون والمقيمون والعاملون في براغ – وغيرها من مدن البلاد التشيكية – السلوفاكية، وطوال الأعوام التي تسلطت فيها انظمة دكتاتورية وعنفية في وطنهم، لم يكتفوا بفعاليات التضامن مع شعبهم من أجل التغيير، والديمقراطية… بل شارك الكثير منهم في مجالات غير قليلة من ميادين النضال المتاحة أمامهم، داخل الوطن، مثل العمل السري، وشبه العلني – وحتى العلني في فترات معينة… أما المشاركة الأكثر ميدانية ومباشرة، فقد تمثلت في التحاق جمع منهم بقوى وفصائل المعارضة، والشيوعية المسلحة وغيرها بكردستان العراق، وخاصة في عقد الثمانينات الماضي… ولأن هذه التأرخة لن تدخل في تفاصيل وتغطيات شاملة للأسماء ذات الصلة، سنكتفي في تسجيل ما يتوفر – حتى الآن على الأقل – من أسماء الذين تركوا دراستهم، وإقاماتهم في براغ فاستشهدوا في معمعان النضال، مثل: نزار ناجي يوسف، زهير عمران، بهاء الأسدي، نمير يونس، محمد شاه، ورفيقاهما في الشطر السلوفاكي من البلاد، نعمة عباس وحسين تقي…… وكذلك غازي فيصل الذي استشهد في غارة اسرائيلية على احد مواقع الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية في بيروت عام 1981، وهو في طريقه إلى كردستان العراق…
5/ منظمات عالمية
ضمن توزيع المسؤوليات الأممية بين منظومة البلدان الاشتراكية السابقة، وحتى نهاية عام 1989، تكلفت – او تطوعت – براغ باحتضان واستضافة المنظمات العالمية الديمقراطية الأممية للنقابات، والطلاب، والصحفيين… وقد كان للشيوعيين العراقيين في جميعها ممثلون ومندوبون، ذوو مواقع قيادية فيها لأعوام عديدة، ومنذ أواخر الخمسينات الماضية، باعتبار حزبهم أحد أهم “قـوى” الحركات التحررية الوطنية في بلدان العالم الثالث – النامي… وهي أحد ثلاثة أركان في القاعدة التي تم الاستناد اليها في اطلاق وتشكيل تلك المنظمات العالمية – الديمقراطية، إلى جانب الركنين الآخرين: البلدان الاشتراكية، والحركات الشيوعية في البلدان الرأسمالية… فضمن قيادات وتشكيلات تلك المنظمات: اتحاد النقابات العالمي، اتحاد الطلاب العالمي، منظمة الصحفيين العالمية، كان هناك ممثلون ومندوبون عراقيون عديدون ولفترات متباينة ومنهم: في النقابات آرا خاجادور، وفي اتحاد الطلاب نوري عبد الرزاق ومهدي الحافظ وفاروق رضاعة ولبيد عباوي وكاتب هذه السطور… وفي منظمة الصحفيين، وبشكل غير مقيم فخري كريم وفائق بطي… وإلى جانب أولئك الممثلين والمندوبين، كان ثمة عدد من الأعوان والشغيلة العراقيين، ولفترات مختلفة أيضاً. وقد أدت تلك المنابر العالمية ادواراً رائدة في زمانها، وحتى أواخر الثمانينات – بداية التسعينات، الماضية حين انهارت الأنظمة الاشتراكية الراعية لتلك المنظمات، والموجهة لها بشكل مباشر، أو غير مباشر، وطليعتها في الاتحاد السوفياتي السابق… ومن أهم تلك الأدوار السعي لدعم وتنشيط نضال المنظمات الوطنية الأعضاء، ومنها العراقية الديمقراطية، وبأشكال وصور متعددة… وهكذا، وفي ظل تلك الحقائق، جرت العشرات من الفعاليات العراقية ذات الصلة، نظمت بمساعدة المنظمات العالمية، أو برعايتها على الأقل… مع الاستدراك بأن تلك المنظمات ذاتها قد “حجمت” و”اعاقت”، وحتى منعت، أية نشاطات لا تنسجم مع سياساتها وعلاقاتها مع النظام في العراق، في أحايين، وسنوات عديدة عندما كانت تعتبره “معادياً للامبريالية، وسائراً في طريق التطور اللارأسمالي”!… بل ودعمت أيضاً “أجهزة” ذلك النظام، المكلفة بالنشاط في مجالاتها، مثل الطلبة والشبيبة والنساء والعمال وغيرها.
وارتباطاً بما سبقت الاشارة اليه اعلاه، ينبغي التوثيق أيضاً أن منابر عراقية خاصة قد تشكلت وأقامت في براغ لتوجيه النشاطات المركزية الخارجية لقطاعاتها، ومن أهمها لجنة التنسيق المسؤولة عن منظمات الطلبة العراقية الديمقراطية في الخارج وفي أكثر من عشرين بلداً عربياً وأوربياً، وخارجهما، بعض الأحيان… وقد تداول على مسؤولية تلك “المراكز” القيادية، ولفترات متابينة نشطاء عديدون، سبق أن جرى الحديث المفصل عن بعض هذا الشأن في احدى مساهماتنا التوثيقية الأخرى (2).
6/ مثقفون واعلاميون
… وكحال جمهرة السياسيين العراقيين الذين أقاموا، وعملوا، وتمرسوا – وتمترسوا – في براغ طيلة العقود الخمسة التي تركز عليها هذه التأرخة، أقامت وأبدعت في عاصمة التشيك نخبة من المثقفين العراقيين المبرزين يتقدمهم الجواهري الخالد، والرائد الكبير محمود صبري… إلى جانب شعراء وأدباء وفنانين، وغيرهم، مثل صادق الصائغ وقادر ديلان وشمران الياسري (ابو كَاطع)، وزاهد محمد، ومجيد الراضي، ومصطفى عبود، ويحيى بابان (جيان)، ومحمود البياتي، ومهدي السعيد، وعصام الصفار، وقيس قاسم… كما عمل اعلاميون واذاعيون عراقيون كثيرون في القسم العربي بهيئة الاذاعة المركزية ببراغ ومنهم: احمد كريم وعادل مصري ومفيد الجزائري وأناهيد بوغوصيان وحسين العامل وموسى اسد… ولربما يصح الحديث هنا بأن ذلك القسم كان حكراً – أو يكاد – للكوادر والشغيلة العراقيين… وفي هذا السياق تجدر الاشارة أيضاً الى ان تشكيلات وأطر معنية متخصصة بالمبدعين والمثقفين والاعلاميين المقيمين في براغ، قد تأسست في عاصمة بلاد التشيك، وخاصة في الثمانينات الماضية، تحت اسم “رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين العراقيين – فرع تشيكوسلوفاكيا”، وانتخب لأدارة مهامها ومسؤولياتها شمران الياسري وعبد الاله النعيمي ورواء الجصاني، اضافة لناشطين آخرين عديدين. وقد قامت تلك الرابطة بفعاليات ونشاطات مختلفة التوجهات، مثل النشر والندوات والمؤتمرات وسواها… وكذلك مساعدة مركز أو شبه مركز، لنشطاء الرابطة المتواجدين في براغ والمعنيين بمهام التنسيق بين فروع “الرابطة” في أوربا ومن بينهم صادق الصائغ ومجيد الراضي ومفيد الجزائري وحميد برتو وآخرون.
7/ شؤون دبلوماسية… وسياسية
قامت أول علاقات دبلوماسية بين براغ وبغداد بعيد اشهر من انتصار (حركة – ثورة) الرابع عشر من تموز العراقية 1958… وشهدت تلك العلاقات على مدى نصف القرن الماضي واقعاً متبايناً في مستوياته، بالارتباط مع طبيعة الانظمة التي هيمنت في البلدين، وطبيعة وشكل العلاقات السياسية والاقتصادية القائمة بينهما… وقد نشط السفراء والدبلوماسيون العراقيون في براغ بتنفيذ توجهات وسياسة بلادهم خلال فترة توليهم المسؤولية… أما حول ما يهم شؤون الجالية العراقية وشجونها فيمكن اختصار القول ان مواقف تلك “البعثات” الدبلوماسية كانت تتراوح بين الملاحقة والرصد والايذاء، وبمساعدة مؤيديها ومخبريها، بصورة عامة، مع بعض الفترات الاستثنائية… وحتى التغيير الذي أطاح بالنظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان 2003… ولعل من المناسب الاشارة هنا الى أسماء السفراء العراقيين الذين تداولوا مسؤولية تمثيل بلادهم في براغ ومن بينهم: قاسم حسن، نعمة النعمة، محسن دزئي، عبد الستار الدوري، أنور الحديثي، منذر المطلك، عبد الرزاق محمد صالح… وأخيراً ضياء الدباس (اعتباراً من أواخر العام 2004)… ومما يفيد التنويه به أيضاً أن خصوصية موقع تلك السفارات والبعثات الدبلوماسية، وبحكم التواجد العراقي المعارض ونشاطه، في براغ، دفعت المسؤولين الرسميين والسياسيين في بغداد، وحتى السنوات الخمس الأخيرة الماضية، لتوجيه اهتمام أكبر، بسفرائهم ودبلوماسييهم، ومنحهم مسؤوليات أضخم مقارنة بأقرانهم في البلدان الأخرى.
… وفي هذا السياق، فمن الضروري على ما نرى، أن يجري التوثيق أيضاً بأن علاقات واتفاقات سياسية، وحزبية، وعسكرية وأمنية، علنية وخاصة، تمت بين الحزب الشيوعي الحاكم في براغ اسوة بأنظمة الحكم الأخرى في العديد من البلدان “الاشتراكية” السابقة، مع حزب البعث الحاكم في بغداد، في عقدي السبعينات والثمانينات بشكل محدد… وقد ترتبت عليها التزامات ونتائج لم تكن تحظى بقبول، بل واستهجان، العديد من الأحزاب والقوى السياسية العراقية المعارضة، وعلى مدى عقد كامل تقريباً (1979-1989)… ولحين قيام نظام براغ الجديد “غير الاشتراكي وغير الأممي” الذي دان نظام بغداد، بشكل واضح منذ عام 1990، ودعم تغيير حكم حزب البعث وإنهاء هيمنته السياسية، وعسفه وقمعه للحريات الديمقراطية، وانتهاكاته البشعة لحقوق الانسان… وبعد حدوث التغيير فعلاً في 9/4/2003، دعمت – وتواصل براغ، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، التحولات والمسيرة الجديدة التي شهدها – ويشهدها العراق وبأشكال وطرائق عديدة…
8/ جمعية الطلبة العراقيين
تنبئنا التواريخ ذات العلاقة بأن اول اطار مهني ديمقراطي للطلبة العراقيين في براغ قد انبثق في عام 1959، بعد بدء توافد الطلاب العراقيين للدراسة الجامعية، والعليا، بزمالات وبعثات رسمية، وغيرها… وقد جهد ذلك الاطار العريق الذي سمي “جمعية الطلبة العراقيين في تشيكوسلوفاكيا” في العناية بشؤون ومهام كثيرة كان من أولها، اضافة الى الجوانب الدراسية، رعاية الأعضاء واهتماماتهم الاجتماعية والديمقراطية والوطنية… كما لعبت تلك “الجمعية” دور الهيئة المساعدة لقيادة لجنة التنسيق المركزية في براغ التي تولت – كما سبقت الاشارة – مسؤولية توجيه المنظمات الطلابية العراقية، خارج الوطن، ولنحو ثلاثة عقود على الأقل… ولمزيد من التوثيق نشير الى ان من بين الرؤساء الدوريين (السنويين) لتلك الجمعية الطلابية وبعضهم لعدة مرات: مجيد مسعود، طالب الطالقاني، زهير الدباغ، عبد الحسين شعبان، حميد برتو، بولص مراد، علاء صبيح، تالي المالكي، احسان المالح، ثعبان موزان، محسن شريدة، باسل دانيال…
9/ المنتدى العراقي
… بعد التغييرات التي شهدتها الأوضاع السياسية وانهيار النظام “الاشتراكي” في براغ اواخر العام 1989، تطلبت الظروف “الذاتية” و”الموضوعية”- وفق التعبير الدارج – تأسيس اطار اجتماعي جديد جاء تحت اسم “ناد ٍ”ٍ عام يضم العراقيين المقيمين والعاملين في البلاد التشيكية. وهكذا جرى الاعلان عنه في آيار 1991 وبحضور أكثر من مئة مشارك في مؤتمره التأسيسي… وقد انتخب عبد الحليم جعفر رئيساً أول للنادى ليعقبه بعد ذلك علاء صبيح وفيصل عبد الرزاق وخالد العلي وعواطف جبو، اضافة لنوابهم: حسين العامل، محمد الأسدي، نزار البياتي، خير الله رستم، ابراهيم الجواهري، وتم انتخاب بعضهم لأكثر من دورة سنوية… وقد قام النادي (الذي تغير اسمه الى المنتدى عام 2003) بعشرات الفعاليات الاجتماعية والثقافية والوطنية العامة… وقد سعى، والى اليوم، لاستقطاب ابناء الجالية ولم شملهم وتوطيد علاقاتهم مع بلادهم وشعبهم، وذلك بفعاليات وتصورات يجتهد القائمون على قيادة العمل، والأعضاء النشطاء، بأهميتها، ومناسبتها…
10/ اذاعة أوربا الحرة
في عام 1999 بدأت اذاعة “أوربا الحرة”، الممولة من الكونغرس الأميركي، بث برنامج يومي موجه من براغ، لدعم نضالات الشعب العراقي في مقارعة النظام الدكتاتوري، ومساعدة المعارضة الوطنية على تغييره… وقد كان طبيعياً أن يتطلب ذلك الأمر انشغال، واشتغال اعلاميين واذاعيين عراقيين ليتخصصوا في تحرير واعداد وترجمة البرامج وغيرها من شؤون ذات صلة… وذلك ما حدث بالفعل حين نشطت في تلك الاذاعة الموجهة لفترات زمنية مختلفة، وإلى الآن، شخصيات وأسماء اعلامية وثقافية عديدة منها: كاميران قره داغي، صادق الصائغ، سامي شورش، شيرزاد القاضي، غزوة الخالدي، فلاح موسى، فريال حسين، فارس عمر، ميسون ابو الحب، حسين سعيد، ديار بامرني، نجيب بالاي، سميرة مندي، ناظم ياسين، مؤيد الحيدري وغيرهم…
11/ عراقيات في براغ
… في اطار التجمعات والمهام السياسية والثقافية والاجتماعية العراقية في بلاد التشيك، برز اكثر من دور لناشطات عراقيات في هذا المجال أو ذاك… ولعل من أهم ما تحتفظ به الذاكرة البراغية عن أسماء ونشاطات النسوة العراقيات سيشير إلى الشيوعية والوطنية نزيهة الدليمي، ورفيقاتها بشرى برتو وسعاد خيري ونضال وصفي طاهر… وكذلك: وسن عبد الهادي ونسرين وصفي طاهر وساهرة محسن وصنوبر عبد الكريم وايسر خليل شوقي، وغيرهن ممن عملن في مجالات سياسية وديمقراطية مختلفة… ولربما من المناسب – وفقاً لاجتهادنا – ان نشير بهذا السياق الى انتظام العديد من النسوة العراقيات للعمل في المدرسة العربية ببراغ خلال العقدين الأخيرين ومنهن: نيكار ابراهيم وزاهرة هادي كاظم وساجدة علوان ويسار صالح دكله وفائزة حلمي وياسمين عمر ومها الحسن… وغيرهن.
… ومادمنا دخلنا في هذه التفاصيل، والتي ربما يختلف البعض على ضرورتها، دعونا نواصل فنشير إلى أن نساء عراقيات عديدات أقمن، أو درسن في براغ خلال العقود الخمسة الماضية، شاركن – ويشاركن – اليوم في عدد من الفعاليات والمراكز العراقية بالبلاد العراقية، ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري في نيسان/ ابريل 2003… ومن بينهن سلمى جبو وخيال الجواهري وسعاد الجزائري وشروق العبايجي وفاتن الجراح…
12/ راحلون في الغربة…
بعد سنوات مديدة، متباينة الطول أو القصر، من الدراسة والعمل، أو الاقامة والاغتراب الاضطراري عن البلاد وأهلها، رحل في براغ، لتضمهم تربتها إلى جانب مواطنيها، عراقيون من مختلف الأعمار والأنساب والمهن… ولعل ذلك ما يزيد من المؤشرات التي توثق لشواهد إضافية أعمق في التاريخ العراقي ببراغ خاصة، وأرجاء البلاد التشيكية على وجه العموم… وبمعطيات ملموسة نسجل في هذه السطور أسماء أولئك الراحلين، ممن تختزنهم الذاكرة على الأقل: بلقيس عبد الرحمن، عادل مصري، موسى أسد، مصطفى عبود، خضر عباس، فؤاد الحيدري، عبد الحليم جعفر، أمل محمود بهجت، عزيز البغدادي، زكي خضر، عمر عبد العزيز، غسان الأسدي، إضافة الى قادر ديلان الذي توفي في براغ عام 1999 ونقل رفاته لاحقاً عام 2007 إلى مسقط رأسه في مدينة السليمانية… كما نوثق أيضاً ان عراقيين آخرين قد توفوا في براغ في السنوات الخمس الأخيرة، ولكن جثامينهم نقلت لتورّى الثرى في وطنهم وهم: ماجدة البكري وتالي المالكي وعدنان عنيزان…
13/ وأخيــــراً
… ختاماً، وقبل ان نصل إلى نهاية هذا التوثيق عن بعض التاريخ العراقي في براغ، نزعم ان كثيراً مما جرى التطرق إليه، كان مشاركات وذكريات ومعايشات شخصية، قُدر للكاتب ان يواكبها، مباشرة، أو عن قرب، بهذه الحالة والمسؤولية أو تلك، لنيف ٍ وثلاثة عقود، مما يضيف للمعلومات التي تضمنتها المساهمة، توثيقاً ملموساً، وشهادات عيان، لاشك أنها بحاجة إلى المزيد من التفاصيل ذات العلاقة، والتي تقصدنا “تحاشيها” أو “تناسيها” لهذا السبب أو ذاك، وفي الوقت الحاضر على الأقل…
رواء الجصاني : براغ – تموز 2008
احالات واضافات ——————————————————–
(1) شهدت براغ خلال العقود التي تتحدث عنها هذه الوثيقة استضافات واقامات وزيارات مختلفة قصيرة، وطويلة، لشخصيات وطنية وسياسية عراقية بارزة، انتظمت أو شاركت في مهام ومسؤوليات “علنية” و”سرية” وتواصلت مع العديد من الفعاليات والاجتماعات العامة والخاصة… وقد يصلح هذا الموضوع بحد ذاته لمساهمة أخرى، منفصلة، قد نعد لها في وقت لاحق، انطلاقاً من أهمية وادوار تلك الشخصيات من جهة، وأسباب وظروف وجودها أو اقامتها في براغ، من جهة ثانية.
(2) نعني بذلك توثيقاً بعنوان “عن ربع قرن في حركة طلابية عراقية مجيدة” أتممه كاتب هذه المادة بمناسبة الذكرى الستين لمؤتمر “السباع” الطلابي الشهير في العراق، ونشر في نيسان/ابريل 2008 في مواقع عديدة على شبكة الانترنيت.
(3) لربما تبرز لدى القراء بعض الاجتهادات حول “تفاصيل” زائدة في هذا التوثيق، أو ايجاز لبعض ما هو ضروري التفصيل عنه… وجميع تلك الملاحظات موضع تقدير وترحيب واحترام، باستثناء “اللئيمة” المغرضة، بهدف الادعاء ليس إلا، وما أكثر نوعه وكمه اليوم…