السيمر / الجمعة 20 . 07 . 2018
معمر حبار / الجزائر
وأنا أجوب المدينة الساحلية “الڨلتة” إثر زيارتي لها لمدّة 5 أيام هذا الأسبوع رفقة الزوج والأولاد. دخلت المحلّ وسألت صاحبه عن الكتب، فأجاب بعدم وجود الكتب، فقلت في نفسي: هذه واحدة لم تكن في الحسبان. وبعد عناء وطول بحث أخرج كتابين عن “الرقية الشرعية !”، فأجبته: ليس هذه الكتب التي أريدها فهي متوفرة لمن يريدها ويبحث عنها.
يقول لي بحسرة: لم أعد أبيع الكتب كما كنت من قبل، لأنّه لم يعد يشتريها إلاّ واحد أو اثنين، ولذلك ترى أنّي غيّرت دكاني من بيع الكتب إلى بيع السّلع المختلفة ولأغراض مختلفة، باستثناء العلم والقراءة.
أقول له: ما دفعني لدخول دكانك هي العبارة المكتوب على الجدران: “كتب دينية، هدايا و عطور”، لأنّ العبارة خاطئة، ويراد منها تضليل النّاس والتأثير على المستهلك، باعتبار الكتاب مادّة استهلاكية.
طلب المزيد و التوضيح، وهو الشاب المقبل على الحياة، فأضفت وأكرّر وأثبت الآن: لا يوجد مايسمونه “كتاب ديني !”، بل يوجد كتاب بشكل عام، ثمّ تتفرّع عنه التخصّصات المختلفة، ككتب: الفيزياء، التفسير، الكيمياء، الحديث، الذرة، الفقه، الرياضة، الرياضيات، السّيرة النبوية، الطبخ، التاريخ، الرسم، الصواريخ، المنطق، الهندسة، العقيدة، الفلاحة، الميراث، الطب، السّباحة، السّيارات، وغيرها من العلوم التي لا حصر ولا حدّ لها، والتي تظلّ المجتمعات بحاجة إليها لضمان بقائها، والحفاظ على أمنها، ونسيجها الاجتماعي، والسياسي، والثقافي، والفكري.
إنّه لمن الزور والكذب الادّعاء أنّ هناك “كتب دينية !”، شأنها في ذلك من ادّعى أنّ هناك: “سياسة شرعية !”، و “علوم شرعية !”، و “لباس شرعي !”، و “عرس شرعي”، حتّى أنّي تابعت العام الماضي مقطعا لجزار جزائري يقطع أضحية العيد، ويسميها “تقطيع الأضحية على الطريقة الشرعية !”، وتشاء حكمة ربّك أنّي رأيت نفس المقطع لجزار أوروبي محترف وهو يقطع الكبش الذي بين يديه بطريقة فنية عالية الدقّة، لكنّه لم يقل أبدا أنّها طريقة “تقطيع الكبش على الطريقة المسيحية !”.
قلت له: لماذا لم تكتب: “هدايا الزواج”، و “هدايا البكالوريا”، و”هدايا الختان”، و”هدايا السكن”، وغيرها من الهدايا المختلفة، وفضّلت استعمال كلمة “هدايا” مجرّدة من كلّ ما يتبعها، ثمّ أضفت: وكذلك الكتب تستعمل مجرّدة دون عبارة “كتب دينية !”.
العلم ما تحتاجه الأمّة، والكتاب ما تحتاجه الأمّة، وقد علّمونا ونحن صبية: إذا احتاجت الأمّة لإبرة وجب عليها صنعها وإلاّ كانت آثمة إلى غاية أن تتعلّم صنعها، وأضيف الآن: العلم الذي يدخل منه العدو لأنّ الأمّة لا تتقنه، وجب تعلّمه وتقديمه على سائر العلوم، ويصبح بالتالي من الواجبات المفروضة التي لا يمكن بحال التخلّي عنها، كـ: الطائرات النفاثة، والصواريخ العابرة للقارات، وتفجير الذرة، والفضاء، والبوارج البحرية، وأعماق البحار، واستخراج الثروات، ووسائل الاتّصال، و وسائل النقل الجوي والبحري والبري، و الإعلام الآلي، وغيرها من العلوم التي أصبحت فرض على كلّ واحد أن يتعلّمها ويتقنها ويبدع فيها، لأن تبعية الأمّة وهزيمتها وتخلّفها يزداد عمقا وامتدادا يوما بعد يوم، بسبب أنّ الأمّة زهدت في “العلوم غير الشرعية !” ولم تعد تقرأ “الكتب غير الدينية !”.
المرء يتعلّم العلوم وهو متشبّع بأخلاق سامية، وحب لوطنه، وتمسّكا بدينه، و وفاء لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأسيادنا الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت رضوان الله عليهم جميعا ودون استثناء، فيكون للأمّة حينها عالم ذرة بأخلاق: “فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ”، الزلزلة – الآية 7-8
سبق لي أن دخلت لأحد مساجد بقلب العاصمة الجزائرية وأنا أزورها يومها، ورأيت لافتة مكتوب عليها: “مكتبة شرعية !”، وكتبت حينها مقال أستنكر فيه التسمية بعنوان: ” مكتبة غير شرعية”، بتاريخ: الجمعة: 05 رمضان 1432 هـ، الموافق لـ: 05 أوت 2011