السيمر / السبت 29 . 09 . 2018
محمد جواد الميالي
العلاقة بين الأنسان والحيوان، ليست مجرد ترابط في ترتيب السلسلة الكونية، وإنما توجد أشياء ضمنية تجعلها في تكافل، أكثر من كونها في علاقة علِّية، ولذلك فإن البشر يختلفون عن الحمير بالضمير، وإن إنعدم الضمير يمكن أن تنتفي الإنسانية من البعض، ويكون محض حيوان أو ربما حمار مع فائق الإحترام للحمير، لأنها لا تقتل بعضها البعض عكس البشر.
سلوكيات المجتمع هي فعل أو رد فعل، وتكون مرتبطة بالبيئة التي يعيش بها الكائن الحي، ويمكن أن يكون السلوك واعياً أو غير واعي مسير أو مخير، وله التأثير المباشر على المجتمع المحيط به، حيث هناك سلوكيات حيوانية وأخرى إنسانية، وكذلك ممكن أن تتداخل هذه العلاقات لتصبح إنساحيوانية، ويمكن إيضاح السلوك الحيواني في تجمعات الذئاب التي يسير بها الذئب الأقوى باقي القطيع، حيث هذا السلوك يوضح أن قطيع ذئاب سائرون خلف زعيمهم بكل قناعة، بعيداً عن ما إذا كانت قناعة بذكاء أم غباء الأهم أنهم سائرون..
إذا العلاقة الإنسانية الحيوانية وترابطها تتضح جلياً في السلوك المسير أو غير الواعي، ومثال الذئاب يمكن أن يكون دارج بين البشر، ولكن يحتاج إلى أدوات أهمها أدوات فن صناعة الغباء الجمعي.
يمكن أن يكون الغباء مقبول في المجتمع عندما يكون شائع، حيث لا يمكن أن تعبر كمية الكتب عن الذكاء وكذلك لا يعبر زيّ الفلاح عن الغباء، وما يحدث في الوسط العراقي خير مثال، حيث أن الأجندات الخارجية التي دخلت وتمخضت في الدورة الدموية بعقل التجربة السياسية في العراق، تيقنت أنه لابد من وجود عقل جمعي يغير ماهو مرفوض إلى مقبول، ولعل أهم مرتكزات هذه النظرية، هم نشطاء التواصل الإجتماعي، فلتؤثر بمئة شخص ما عليك سوى أن تصنع ناشط مدني شكلي لا جوهري.
مجموعة كتب وشعارات ثورية وسلمية، حسب الظروف التي تتحكم بالشارع في وقتها، ويفضل أن تكون أمراءة لتستطيع الدخول لعقول أكبر عدد من الشباب بملابسها الفاضحة، مع كاميرا ذات دقة عالية تركز على مفاتنها أكثر من كلامها، لأن المشاهد يريد ذلك، وعندها أطلقْ هؤلاء الناشطين الجسديين في مواقع التواصل الإجتماعي، ليبدأ البعض بالتغريد والأخر يتحدث في الفيس بوك، حتى تغزوا كافة مواقع التواصل، فيشرع الرعاع في التفكير ويتفلسف الأذكياء بالمعتقدات والثوابت، فيقع الأثنان في مصيدة الغباء، ويكون شائعاً بين المجتمع، ويسهل تسيير المئة بواسطة واحد.
إذاً السلوك الإنساني يمكن أن يكون حيواني عن طريق التجرد من الفكر والوقوع في فخ الجهل، وهذا ما يؤثر على سلوكيات المجتمع، وكل هذا يتحقق عن طريق نموذج النشطاء الذي يمثل اليد العظمى لصناع الغباء الجمعي، لكن ما أهمية هذه النظرية في المجتمع السياسي، وما الغاية من جعل الغباء دارج على أرصفة العقول؟
الحداثة السياسية خرجت من مفهوم الحرب ودخلت مفهوم المكر والدهاء، ولعل الوصل إلى السلطة يتطلب السيطرة على الجماهير عن طريق الشعارات القومية، ولعل الوصول للأهداف المنشودة عن طريق القادة السلطوين صعب، تحتم صنع الغباء الجمعي ليصل إلى أكبر عدد من الجماهير، وإستغلالهم في فترة الإنتخابات، فينقسم المجتمع إلى عدة أقسام، كل حاكم حزبي لدية جمهوره المسير، لكن بعد إنتهاء التصويت ودخول مرحلة تقسيم المناصب، تتجرد العقول السياسية من كل قدسية أخلاقية أو دينية، فتكون ممارسة على أساس المصلحة، لا طموح للخير أو الفضيلة فيها.
إذاً بعد أن يسيطر الغباء على المجتمع، ويصبح غير المألوف مألوف لدى العامة، يكون من السهل للساسة التسلق للوصول للسلطة، فهم تجردوا من الضمير الحيّ، وتزاوجوا مع الحيوانية بكامل عنفوانهم، لأن الإنسان يمكن أن يعيش بكلى واحده، أو بقلب أصطناعي، لكنه لا يمكن أن يعيش بنصف ضمير.
الأهم متى سيخرج مجتمعنا من ظلام الغباء، ويرى بعين الذكاء، تصالح القادة والأعداء، وتراقصهم على جثث الشهداء؟