السيمر / الاثنين 24 . 12 . 2018
معمر حبار / الجزائر
المتتبّع للسّلوك التركي والسّلوك الإيراني، وكيفية تعامل الاثنين فيما بينهما، يقف على جملة من الملاحظات من جهة، وكيفية الاستفادة من طريقة تعامل الدولتين فيما بينهما من جهة ثانية، وهي:
1. هناك اختلاف بين تركيا وإيران من حيث النظرة الدينية. فلكلّ منهما عقيدة، وسلوكا، وطقوسا، وعادات دينية تختلف عن الآخر بشكل جذري أحيانا، وأحيانا لا يلتقيان أبدا. وأتعمّد عدم الخوض في هذه النقطة وأتركها لأصحابها فهم أدرى وأعلم من حيث النفي أو التأكيد، لكن وجب التركيز على نقطة مفادها، أنّه لم تثر – فيما أعلم – مسألة الدين والعقيدة بين الدولتين، ولم تقم الخصومة – حاليا – بين الدولتين بسبب اختلاف الدين والعقيدة. واستمر التعاون بينهما رغم الاختلاف.
2. تركيا دولة أطلسية بامتياز، وسمعت أكثر من مرّة لأتراك يفتخرون بكونهم ثاني دولة أطلسية من حيث عدد الجيوش، وتعتبر الدولة المدلّلة في نظر الأطلسي، – وفي تقدير ي – ستستمر في الاستحواذ على هذا التفضيل. وفي نفس الوقت، يرى الأطلسي أنّ إيران دولة عدوة له، ويحشد لها الجند والوسائل. والملاحظة التي يجب ذكرها في هذا المقام، أنّه لا توجد عداوة بين تركيا الأطلسية وإيران التي يراها الأطلسي عدوة له، وتستمر العلاقة لحدّ الآن بشكل طبيعي وجيّد، ولم تتدهور بسبب الأطلسي، بل زادت رسوخا ومتانة.
3. تركيا دولة تقيم علاقات سياسية ودبلوماسية وتجارية واقتصادية متينة قوية وبعيدة المدى مع الكيان الصهيوني، وتزداد رسوخا مع الأيام، ولا يبدو في الأفق أنّها ستتدهور، وكلّ المؤشّرات تؤكد أنّ مستقبل العلاقات الصهيونية التركية ستزداد متانة وقوّة وانتشارا. وفي نفس الوقت، فإنّه لا يوجد – لحدّ الآن – علاقات بين إيران والصهاينة، باعتبار إيران تعتبر الصهاينة العدو الأوّل، والصهاينة يعتبرون إيران العدو الأوّل. طبعا نتحدّث عن السلوكات الظاهرة ولا نملك أدنى معلومة عن السلوك الباطني. وما يجب ذكره في هذا المقام، أنّ العلاقات التركية الإيرانية حسنة وطبيعية، رغم أنّ تركيا تربطها علاقات قوية متينة دائمة مع الصهاينة، وفي نفس الوقت إيران تتعامل مع الصهاينة على أنّهم أعداء وكذلك يتعامل معها الصهاينة، ولم تتدهور العلاقة بين تركيا وإيران بسبب الصهاينة.
4. تقيم تركيا علاقات متينة قوية دائمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يبدو في الأفق أنّها ستتدهور. والعلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية متدهوة جدّا، وفي تدهور منذ سنة 1979، ولم تتحسّن حتّى في عهد أوباما الذي عقد معها صفقة النووي. وما يجب ذكره في هذا المقام، أنّ العلاقات التركية الإيرانية لم تتأثّر بعلاقات الدولتين بالولايات المتحدة الأمريكية، حتّى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية سمحت لتركيا في التعامل مع إيران رغم الحظر الأمريكي المفروض عليها. ومازالت العلاقات التركية الإيرانية حسنة وطبيعية، رغم الاختلاف الجذري في نظرة كلا الدولتين للولايات المتحدة الأمريكية.
5. لكلّ من تركيا وإيران أهداف وغايات مختلفة في سورية، ورغم ذلك هناك تعاون وثيق بين تركيا وإيران في المجال السوري، بغضّ النظر عن نوعيته واتّجاهه. والمهم في هذا المقام أنّ اختلاف النظرة حول سورية لم يعكّر صفو العلاقة بين الدولتين، وبقيت على درجة عالية من التعاون، والتبادل، والمشاورة، والتنسيق، وعدم الاحتكاك، والتنازل.
6. العلاقات الإيرانية الروسية وثيقة متينة قوية وعلى أكثر من صعيد ولا يمكن زعزعتها الآن، بينما العلاقة التركية الروسية خاطفة عابرة ظرفية، لم تصل بعد لدرجة تصنيفها على أنّها قوية متينة، والأسباب – في تقديري – إلى أنّ تركيا تريد مكاسب من أوروبا التي طردتها من البيت الأوروبي فلجأت وإلى حين لروسيا، وتريد الزيادة من المكاسب من الولايات المتحدة الأمريكية فلجأت وإى حين إلى روسيا. وإنّي على يقين أنّ روسيا القوية حاليا تدرك جيّدا هذا وأكثر. وما يجب ذكره في هذا المقام، أنّ نوعية ودرجة علاقة تركيا وإيران بروسيا لم تؤثّر سلبا على نوعية ودرجة العلاقة بينهما، بل تحسّنت بفضل الروسي الذي قرّب بينهما أكثر، وأصبح مؤشر على تحسين العلاقة، والضّابط والضّامن لحسن العلاقة واستمرارها.
7. واضح جدا أن ملف الأكراد يجمع بين تركيا وإيران في العراق، وسورية، وإيران، وتركيا، حتّى أمسى التعاون فيما بينهما وثيقا وقويا في هذه النقطة بالذات، ولو بغضّ الطرف تارة، كما يفعل كلا منهما حين يغضّ الطرف عن القصف والقتل للأكراد من التركي تارة، ومن الإيرانيين تارة أخرى.
8. غاية المقال ليس بأيّ حال من الأحوال الإشادة بتركيا ولا إيران، فهذا شأن يعني أبناء البلد وأصحابه والتّابعين لهما، لكن الغاية المرجوة التي أوجّهها لإخواني العرب في المشرق والمغرب، هي: تركيا وإيران جعلتا اختلافاتهما ظهريا، وركّزا على الفاعل في العلاقات الدولية، والتقريب المفيد، والاهتمام بما يعزّز العلاقة ويقوّيها، وعدم السماح للعدو أن يفسد العلاقة، والتعاون على ضرب العدو المشترك ولو كان هناك اختلاف.