السيمر / الخميس 24 . 12 . 2015
كاظم فنجان الحمامي
لكل زمان دولة ورجال، ولكل دولة إيقاعاتها السياسية المتأثرة بتقلبات الأحوال المربكة، ولكل شعب من شعوب الأرض رقصته المفضلة على أنغام تلك الإيقاعات المتغيرة من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان.
في منتصف القرن الماضي، كانت الصيحات العروبية، المتناغمة مع ترانيم الولاءات القومية وتطلعاتها الوحدوية، هي الصيحات المحفزة للمشاعر الوطنية، وهي التي رسمت صورة أهدافها المعبرة عن توجهات العواصم العربية، ثم انحسرت فجأة بعد حقبة التسعينيات، لتبدأ مرحلة التحالفات العربية الغربية، التي فتحت الأبواب على مصاريعها للقواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وتحولت الأرض العربية – من دون سابق إنذار – إلى حاضنة مثالية تعج بقوات المارينز والناتو وعصابات بلاك ووتر. ثم تحولت تلك الحاضنات إلى أوكار علنية للتآمر والتجسس على الشعب العربي، في الوقت الذي طغت فيه التنظيمات التكفيرية المتشددة على المشهد السياسي، حتى جاء اليوم الذي أصبحت فيه صناعة الموت من الصناعات الخبيثة المُتقنة بتأييد مطلق من فقهاء الفكر الدموي. ثم دخلت المنطقة العربية (غير الخليجية) في نفق الفوضى العارمة، التي أحرقت الأخضر واليابس، وجرفتنا كلنا نحو الهاوية، فتعالت أصوات الفرقة والتمزق، وتعمقت دعوات التقسيم والتجزئة، وكانت سموم سماسرة الفتنة الطائفية هي الأكثر فتكاً وانتشاراً فوق رماد مدننا المنكوبة، حتى هبطت الأمة إلى أدنى مستويات التطرف الفكري والعقائدي، فتوسعت دائرة المجازر الجماعية في ليبيا والعراق والشام واليمن، وتنافرت النفوس، وتباعدت القلوب، وتجذرت الخلافات، حتى تدهورت أحوالنا، وعادت بنا عقارب التخلف إلى العصر الجاهلي، فظهرت الرايات السود فوق خرائب مدننا المفجوعة، التي شهدت ولادة موجة التمرد على العروبة، رافقتها موجة أخرى ولدت في أوربا وأمريكا، تمثلت بالتمرد على الإسلام.
قد يضطر المثقف العربي من وقت لآخر إلى المقارنة بين عصر رواج العروبة والانتماء إليها، وبين هذه المرحلة الفوضوية، التي تنكرت للعروبة والإسلام، وانفردت بتفشي ظاهرة الحقد على العرب والمسلمين، فيجد نفسه حائراً بين أمرين متناقضين تماماً. بين العواطف القومية الجياشة، وبين هذه المنعطفات الحرجة التي انزلقت إليها الأمة، والتي تعالت فيها أصوات الموتورين والمتعصبين والمضللين، الذين واصلوا صب الزيت على النار، فقالوا: أن العراقي ليس عربياً، والسوري ليس عربياً، والليبي ليس عربياً.
قبل بضعة أيام سمعت رجلاً من هؤلاء يصفنا نحن أبناء جنوب العراق بأننا ننتمي إلى الأقوام الهندية، ويصنف السوريين بأنهم ينتمون إلى الأقوام الفينيقية، ويصنف أقطار المغرب العربي بأنها من بقايا الأقوام الأمازيغية، ولم يترك عربياً واحداً إلا وشهر بوجهه الكارت الأحمر، فيطرده من مضارب العرب، وينسبه إلى أقوام أخرى.
مما يؤسف له أن عرب البنتاغون هم الذين يتلاعبون بنا اليوم، وهم الذين يعلنون عدائهم المطلق للعروبة والإسلام، وسيأتي اليوم الذي نجد فيه أنفسنا نغرد خار السرب الحضاري طالما بقينا مفككين متباعدين متنافرين. ولات حين مندم.