السيمر / السبت 02 . 02 . 2019
معمر حبار / الجزائر
أنهيت قراءة كتاب “المرآة”، لحمدان بن عثمان خوجة الجزائري، ترجمة وتحقيق الأستاذ محمّد بن عبد الكريم، دار الوعي، رويبة، الجزائر، الطبعة الأولى 1438 هـ – 2017، من 375 صفحة.
أوّلا: وحشية الاستدمار الفرنسي
- جاء في صفحة 31: ” إنّ إيالة الجزائر يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة”. وعليه، أقول: عدد سكان الجزائر بعد استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962، وصل إلى 9 ملايين نسمة. فهل يعقل بعد 132 سنة ينخفض عدد السكان ولا يرتفع، وبعد 32 سنة من الاستدمار يبقى عدد سكان الجزائر في 10 ملايين نسمة، منهم مليون أوروبي مستدمر. مايعني أنّ إبادة الشعب الجزائري تمّت بأيدي الاستدمار الفرنسي. وصدق أحد الأساتذة الجزائريين حين ذكر في محاضرته بجامعة الشلف، منتصف سنة 2000 فيما أتذكر، حين قال: من المفروض أنّ عدد سكان الجزائر الآن – منتصف 2000 – يصل إلى 80 مليون نسمة لولا الإبادة التي ألحقها الاستدمار الفرنسي بالمجتمع الجزائري.
- وصف وحشية الاستدمار الفرنسي إثر مذبحة قبيلة العوفية سنة 1832، حيث قال في صفحة 59: ” فقد وقع – فعلا- هذا البيع بـ “باب عزون” حيث شاهدنا بأعيننا أساورة مازالت عالقة بمعاصم مقطوعة، وأقراطا مضرّجة بالدماء”.
- يقول في الفصل الأول “البدو وأصلهم” 31-39: استولى الفرنسيون على أضرحة المرابطين ونجّسوا أماكنهم ودنّسوها، رغم أنّ الأتراك حافظوا على المرابطين لأسباب سياسية تتعلّق بوجودهم وهو مالم تفعله فرنسا حيث حطّموا ودنّسوا أماكنهم. أقول: من الأخطاء الشائعة أنّ الزوايا الجزائرية من إنشاء الاستدمار الفرنسي لتبرّر احتلاله باسم القضاء والقدر، وهذا من الكذب والزور، فقد حاربها الاستدمار وحارب دورها العلمي والفهم السليم للدين، وقد كانت الزوايا العلمية قبل الاستدمار الفرنسي. ويبقى النقد قائما لبعض الزوايا التي أساءت للجزائر، شأنها في ذلك كلّ جزائري من الأحياء والأموات، أساء بدوره للجزائر إبان طيلة 132 من الاحتلال والاستدمار الفرنسي.
- أبدع عثمان خوجة في وصف وحشية الاستدمار الفرنسي، واعتداءاته المتكرّرة على أملاك، وأوقاف، وقبور، وزوايا، وثروات، وأعراض الجزائريين، خاصّة وأنّه شاهد عيان الاستدمار الفرنسي منذ الدقيقة الأولى.
ثانيا: محاسن عثمان خوجة
- استطاع عثمان خوجة في كتابه “المرآة” نقل صور حسنة، وصور سيّئة عن العثمانيين في الجزائر، وهو المتعلّم المتمكّن الذي يعرف البلاط، وخبايا السياسة، وأفرد لها فصلا بعنوان: ” أسباب تلاشي حكومة الأتراك وزوالها”، وذكر أنواعا عديدة من الظلم والاضطهاد، وهو ابن أب تركي وأم جزائرية عرف عنه الثراء والنفوذ، وكان صادقا ولم يخف الحقائق.
- ألّف خوجة كتابه “المرآة” في فرنسا، وبعد 3 سنوات من الاستدمار الفرنسي سنة 1833.
- يمكن تقسيم كتاب “المرآة” إلى ثلاثة أقسام: قسم يتطرّق للحياة الشخصية للكاتب، وقسم يتطرق للحالة العامة للجزائر، والقسم الخاص بنظرة خوجة وكيفية التعامل مع الاستدمار الفرنسي.
- واضح جدا أن خوجة لايعرف التراب الجزائري كلّه، باستثناء الجزائر العاصمة، وقسنطينة، ومتيجة التي يملك منها قسما كبيرا، ويجهل تماما الصحراء.
- واضح أنّ خوجة رجل متعلّم، وثري، وصاحب نفوذ، ومن أصحاب السلطة.
- لايظهر أنّه تعرّض لضغوط فرنسية وهو يكتب الكتاب بفرنسا.
- امتاز خوجة بالدّقة في الوصف، شأنه في ذلك شأن الغربيين، وكان موفّقا في الوصف.
- حين لايعرف منطقة معيّنة يقول: حدّثني الثقاة عن الصحراء التي لاأعرفها.
- يتقن خوجة جيّدا المعلومات الخاصة بالفلاحة، والحيوانات، ومعلوماته في هذا الشأن بالغة الدقّة.
- يتقن خوجة فهم الشريعة جيّدا، وحسب مذهب سيّدنا أبي حنيفة رضوان الله عليه.
- كان خوجة شاهدا على استيلاء المستدمر الفرنسي على الخزينة التي تحتوي على ثروات ضخمة جدا لم تحلم بها فرنسا المحتلة.
- يعترف أنّ الجزائريين لا علاقة لهم بالقتل الذي كان يحدث في بلاط الدايات والبايات، والسبب أنّ الجزائري كان مبعدا عن ممارسة السياسة، وذكر أنّ الأتراك كانوا يدعون الله تعالى أن يبعد الجزائريين عن الحكم خاصة البدو، والقبائل منهم.
- حمدان خوجة كان شاهدا على سقوط الجزائر، وكان شاهدا على أواخر الحكم العثماني، وكان دقيقا في الوصف، فذكر سلبيات وإيجابيات المرحلة، وركّز على سلبيات الأيام الأخيرة للوجود التركي بالجزائر، وتحدّث عن إيجابيات الأيام الأولى للوجود التركي بالجزائر.
- أقف مع عثمان خوجة في دفاعه عن حقوقه، وممتلكاته، الشخصية.
ثالثا: عثمان خوجة يهين الجزائريين
- تعامل عثمان خوجة مع البدو الجزائريين بنفس الاحتقار الذي تعامل به الغربي مع الجزائري. وكان عليه أن يرفع من مستواهم المعيشي، ويتّهم حكام الأتراك يومها بالتفريط، عوض النفور من رائحتهم، وملابسهم، وهو الكرغلي الجزائري.
- أطال خوجة وبالغ في ذكر عيوب الجزائريين من قبائل وغرب البلاد والبدو، وأطال في نفس الوقت في مدح سكان الجزائر العاصمة لأنّهم أتراك وأندلسيين.
- يرى أنّ الغزوات التي قادها الأتراك كان يحترم فيها العدل والإنصاف والشفقة والرحمة، والغزوات التي كان يقوم بها الجزائريون يتنكّرون فيها للأسس الحربية.
- لم ألمس من خوجة افتخاره بجزائريتة ووطنه الجزائر، فهو يتعامل مع الجزائر والشعب الجزائري بصيغة الغائب، كقوله: “هذا الشعب البدوي”، “هذا القطر”، “شيوخ هذا الشعب”، “هؤلاء السكان” “مثل الشعب الذي تكلمنا عنه سابقا”، “هذه البلاد”،”سكان البلاد” .
- حين يتحدّث عن الأتراك يقول: “نبلاء الأتراك” و “أقحاح الأتراك”، لكنه لم يستعمل مثل هذه الصفات مع الجزائريين.
- استنكرت على عثمان خوجة إهانته واحتقاره للبدو والقبائل من الجزائريين في الجزء الأوّل، وبعدما أنهيت الجزء الثاني تأكد للقارئ المتتبّع أن خوجة يقصد بالبدوالجزائريين الذين حاربوا، وناهضوا الاحتلال والاستدمار الفرنسي.
- عثمان خوجة لا علاقة له بالجزائر ولا بالجزائريين، له علاقة بأملاكه الشخصية التي ظلّ يدافع عنها، ومن حقّه، وأظلّ أقف معه في استرجاع أملاكه بالجزائر.
- تحدّث خوجة عن “الأعيان والنبلاء” في الجزائر الذي ينتمي إليهم، ودافع عنهم دفاعا مستميتا، وفي الحقيقة هؤلاء “الأعيان والنبلاء” هم الذين سكتوا عن الاستدمار الفرنسي حتّى لا أستعمل عبارة أخرى، وفي نفس الوقت ظلّ يمقت البدو الذين وصفهم بالمتخلّفين، والهمج، وفي الحقيقة هم الجزائريون الذين ناهضوا الاحتلال، والاستدمار الفرنسي.
- تعامل الغربيون مع إخواننا الأعزّاء في منطقة القبائل بمنطق فرق تسد، وعثمان خوجة تعامل معهم بقوة وعنف ورفض لاتليق بالجزائري، رغم أنّه أشاد بقوتهم ورفضهم للاحتلال.
- أعرف جيدا أن فارقا زمنيا بيننا وبين خوجة ولا يعقل بحال أن يحاكم من عاش 1830 بثقافة 2019، لكن خوجة شتم الجزائريين، وأهان الجزائريين، وتفنّن في وصفهم بكلّ مايشين ويهين.
رابعا: عثمان خوجة يتملّق المستدمر الفرنسي
- لم ألمس في خوجة ذلك الثائر ولا المقاوم تجاه الاستدمار الفرنسي، بل لمست فيه ليونه تجاه الاستدمار الفرنسي وعبر عدّة مناسبات، وافتخارا “بالمدنية الفرنسية” و “عظمتها وقيمتها”، ويصف الغزاة “بالأجانب” و “دخول الفرنسيين”.
- عثمان خوجة كان أحمقا حين قال: لو كانت فرنسا تعلم أنّه سيكون هناك سرقة وسطو لخزينة إيالة الجزائر بتعبيره لتدخلت وأوقفت ذلك، وهذا لعمري لايليق برجل متعلّم يعرف السياسة، وهي التي احتلت الجزائر للاستيلاء على الخزينة كما جاء بالتّفصيل المملّ والأرقام الدقيقة في كتاب لفرنسي [1] امتاز بالدّقة والأمانة.
- حين يتحدّث عن المساوئ التي مسّت الحكم التركي في أواخر أيامه ينسبها للصعاليك، ولا ينسبها لسوء التسيير، والمظالم التي أقرّها، وشهدها، ورآها رأي العين.
- ظلّ خوجة عبر “المرآة” يتملّق المحتل الفرنسي بعبارات رقيقة لطيفة لا تقال أبدا للمحتل المغتصب.
- حرّض خوجة الاستدمار الفرنسي ضد البدو أي ضد الجزائريين الذين واجهوا الاستدمار الفرنسي، وذكّرهم بقوله لنا مصلحة مشتركة؟!.
- كان كتاب “المرآة” موجها في قسم منه للدفاع عنأملاك خوجة الشخصية، وهذا من حقّه الذي أظلّ أسانده فيه. وقسم موجّه للاستدمار الفرنسي والذي ينصحه بنشر “المدنية الفرنسية؟ !” في الجزائر بطرق ذكرها في كتابه وأمعن في شرحها.
- ما زلت أعيب على خوجة وأنا أقرأ رسائله الكثيرة التي أرسلها إلى المحتلين الذين سطوا على أملاكه الشخصية، استعماله المفرط والمزعج عبارات المدح المبالغ فيها، كقوله: “للمدنية الفرنسية” و “الحضارة الفرنسية” و العدل الفرنسي” و “المساواة الفرنسية”، وهي تحتل الجزائر، وتتفنّن في النهب، والسطو، وإذلال الجزائريين وإهانتهم.
- تملّق خوجة للاستدمار الفرنسي لايظهر في الرسائل فقط والتي تخضع لبعض المجاملات، إنّما بالغ في استعمالها عبر كتابه وفي عدّة صفحات ودون مناسبات. ولو توقف الأمر عند المراسلات لوجدت له بعض العذر، لكنه تمادى وبالغ دون داع لذلك.
خامسا: عثمان خوجة الكرغلي والأتراك
- عثمان خوجة كرغلي أي من أب تركي وأم جزائرية، ويتحدّث بإسهاب عن ظلم الأتراك للكراغلة، وابعادهم عن المناصب، والتجسّس عليهم، وعدم الثقة فيهم، وعدم الأخذ بنصائحهم، وفي نفس الوقت مال الأتراك ميلة واحدة لليهود، فكانوا ضحية الجشع اليهودي، وكان ذلك من عوامل سقوط الجزائر.
- فيما يخصّ مصطلح “الكرغلي”، يقول صاحب الأسطر: خوجة الكرغلي هو الذي كتب أنّ الكرغلي[2]من أب تركي وأم جزائرية، ونقلنا عنه هذا المصطلح
- فيما يخص مصطلح “الأتراك”، يقول صاحب الأسطر: خوجة هو الذي استعمل مصطلح الأتراك وهو أعلم النّاس بالمصطلح. وقد استعمل مصطلح الأتراك طيلة الكتاب وافتخر بهم حينا وذمّهم حينا آخر، وهو أعلم النّاس لأنّه كان شاهدا ومن أبناء البلاط. وهذه ليست نظرة سوداوية بل نقلناها بصدق عن كرغلي كما يصف نفسه ووصف مجتمعه. وخوجة الكرغلي هو الذي قال أنّ الكرغلي من أب تركي وأم جزائرية فنقلنا عنه المصطلح. وعثمان خوجة هو الذي استعمل مصطلح الأتراك، ويكفي ذكر بعض الفصول كما ذكرها في كتابه “المرآة”: “حكومة الأتراك ونظامهم وأصلهم”، “أسباب تلاشي حكومة الأتراك وزوالها”.
- كتاب “المرآة” الذي يتحدّث عن الأتراك بلغة صاحب الكتاب هو لكاتب سياسي عاش في بلاط الأتراك، وكان خوجة من المقرّبين للحكومة التركية، وقد كتب بيديه بعض الرسائل الموجهة لملوك إسبانيا.
سادسا: قراءة الجميع ونقد الجميع
- من حسن حظّي أنّي قرأت للغربيين واستطعت أن أقارن بما ذكروه وما جاء في الكتاب، فوصلت إلى ملاحظات شخصية لايمكن الوصول إليها إلاّ بالقراءة للجميع، والمقارنة، والقراءة الناقدة.
- ركّز خوجة على الماضي ولم يركّز على الحاضر الذي عاشه، عكس الغربيين الذين ركّزوا في كتاباتهم على أواخر أيام الوجود العثماني، مايستدعي من القارىء الناقد قراءة الجميع.
- لا أحد ينكر فضل العثمانيين على الجزائر، ولا يمكن بحال مقارنتهم بالاستدمار الفرنسي. وفي نفس الوقت لاأحد ينكر أنّ أواخر حكمهم كان في غاية السوء، والإجحاف في حقّ الجزائر والجزائريين.
- حين قرأنا لعثمان خوجة وهو يصف الحكم العثماني في الجزائر لم يفتنا أن نقارن بينه وبين ماجاء في كتب الغربيين، وكان أحسن منهم في نقاط، وأشدّ إنصافا في وصف الحكم العثماني للجزائر، وكانوا أحسن منه في نقاط، وأشدّ إنصافا في وصف الحكم العثماني للجزائر، فوجب قراءة الجميع، والمقارنة بينهم.
- الدولة العثمانية كغيرها من الدول تمر بمنحنى مرّت عليه جميع الدول. كانت قوية عادلة في بداياتها ثمّ دخلها الوهن والضعف والفساد والتكالب على الكرسي فانهارت في أواخر أيامها، والقارئ المتتبع يذكر المرحلتين، ويذكر الإيجابيات والسلبيات، ويقرأ للجميع ،ولا يميل لأحد ضدّ أحد، ولا يعبد دولة، ولا حاكما.
- نقلت وجهة نظري من خلال القراءة المباشرة للكتاب، وليس ماقالوه عنه سواء المؤرخين الجزائريين أو الفرنسيين أو الغربيين الذين قرأت لهم. وحين أقرأ له كتاب آخر يخالف ماذهب إليه في “المرآة” فسأنقلها لا محالة.
- لا أتحدّث عن شخصية إلا إذا قرأت لها، وعكفت على كتبها بنفسي، لذلك أنقل عن خوجة ما قاله خوجة عن نفسه، وعبر كتابه.
- لا يعنيني من يكون عثمان خوجة، وابن من، إنّما الذي يعنيني موقفه من الجزائر والجزائريين التي وقفت عليها، وأنا أقرأ كتابه “المرآة”، وأدوّن ماذكره.
- تبقى هذه قراءة شخصية ينتظر صاحبها قراءات أخرى يستفيد منها. المسألة في الحثّ على قراءة الكتاب، واحترام صاحب القراءة الذي بذل جهدا ووقتا، وسأظلّ أنتظر قراءة ناقدة لاتجرح خوجة ولا تعبد خوجة.
- لو كان عثمان خوجة بطلا لكنت أوّل من يفتخر به، ويضعه فوق الرؤوس، ولو حارب الاستدمار الفرنسي لافتخرت به أيّما افتخار وقدّمته على الجميع. ونظلّ نقرأ مهما كان الكتاب، ونقدّم وجهة نظرنا مهما كان الكاتب، لكن بصدق وأمانة دون طعن ولا تملق.
- كلّما قرأت كتابا وعرضته إلا وتلقيت وابلا من الاتّهامات والسباب: هذا كتاب مكذوب، هذا ليس هو الكتاب الأصلي، هذا كتاب “جرّحه العلماء”. وقراءتي لكتاب “المرآة”، تدخل ضمن هذا السّياق.
- أقرأ باستمرار، وأعرض باستمرار، وعوض طرح قراءة مخالفة فيستفيد القارىء من قراءتين أو ثلاث تنهال عبارات: ليس الكتاب الأصلي وغير ذلك. وكان الأولى بذل الجهد في القراءة، والنقد، والمقارنة عوض تضييع الوقت، والجهد في تثبيط العزائم بأنّه ليس الكتاب الأصلي، والنسخة الأولى ضاعت.
- مهمة القارىء النّاقد أن يقرأ، وينتقد بما توفر له، وبما هو الآن موجود بين يديه في انتظار ماينفي أو يؤكد، فلزم إذن أن يعيد القراءة والنقد. وليس من مهام أن يتحوّل إلى ضابط يراقب الأنفاس والنيات.
- قرأنا ونظل نقرأ للجزائريين، والأتراك، والغربيين، والفرنسيين، والعرب، وقد اشتريت من المعرض الدولي للكتاب جملة من الكتب كالكتب الخاصة بالشخصيات الجزائرية، والتاريخ العثماني عبر مختلف الجنسيات، مايدل على أنّنا لانميل لأحد ونقرأ للجميع ماأكسب القارىء المتتبع القدرة على المقارنة والتمييز، وهي كتب لجزائريين، وأتراك، وغربيين تجتمع في تقديم صورة عن الحكم العثماني من وجهات نظر مختلفة متضاربة، وعلى القارىء المتتبع أن يقارن.
سابعا: عثمان خوجة و”المرآة” في نظر المؤرّخ الجزائري، والمؤرّخ الفرنسي، والمؤرّخ الغربي
- لم أكتف بكتاب “المرآة” بل مباشرة قرأت كتاب “تاريخ الجزائر العام ” [3] المجلد الرابع صفحات 32-43 للمؤرخ المفتي الفقيه اللّغوي عبد الرحمن الجيلالي رحمة الله عليه والذي تطرق لكتاب “المرآة”. وما يتأسّف له القارىء المتتبّع أنّه توصّل إلى عكس ما توصل إليه سادتنا، وأساتذتنا، وكبار المؤرخين الجزائريين، فيما يخص عثمان خوجة وعبر كتابه “المرآة”.
- لا يمكنني بحال أن أضع خوجة ضمن المقاومين للاستدمار الفرنسي، ومن الظلم أن يضع أستاذنا، ومؤرخنا، و فقيهنا، وصاحب الفضل علينا مذ كنّا صغارا عبد الرحمن الجيلالي رحمة الله عليه وأسكنه الفردوس، أن يضععثمان خوجة في نفس مقام الأمير عبد القادر ، وكم أتمنى أن تكون زلّة قلم، أو خطإ مطبعي.
- أعترف أنّي قرأت أوّل مرّة عن خوجة وعن كتابه “المرآة” عن الفرنسيين والغربيين الذين أشادوا به وأثنوا عليه ثناء كبيرا، ولم أنقل يومها ثناءهم ومدحهم عبر ملاحظاتي التي أنقلها عبر كلّ قراءة. واليوم أقرأ “المرآة” وأقف على حقيقة خوجة، وأعرف الآن سبب مدح الفرنسيين المحتلين والغربيين لعثمان خوجة، وكيف أنّهم وضعوه ضمن اللّجنة الخاصة بمساعدة المحتل الفرنسي في تسيير احتلاله للجزائر، باعتباره من “الأعيان والنبلاء” الذين يعرفون المجتمع الجزائري.
- رحم الله المحقّق الأستاذ محمّد بن عبد الكريم الذي أبدع في مقدمته لكتاب “المرآة”، وأحسن حين طعّم الهوامش بالمعلومات القيّمة، لكني أخالفه في نظرته لعثمان خوجة، وهو المؤرخ والمترجم والمحقّق القدير ، راجين أن يكون الصواب حليفه، ونصيره.
- تكمن قوّة الكتاب في الإضافات القيّمة والشروح الثمينة التي قدّمها المؤرّخ والمحقّق الأستاذ محمّد بن عبد الكريم رحمة الله عليه، والمطلوب قراءة مقدّمة المحقّق بتمعن ومتابعة الإضافات التي أضافها في الهوامش، ويشكر على الجهد الذي قام به تجاه التاريخ الجزائري.
ثامنا: خاتمة – الكتاب الثاّني لعثمان خوجة لاحقا.
- أعد القرّاء الكرام بإذن الله تعالى، أنّي سأتطرّق لا حقا وحسب الظروف، للكتاب الثّاني لعثمان خوجة، وعنوانه: “ذكريات رحلة من مدينة الجزائر إلى قسنطينة عبر المناطق الجبلية”[4]، والذي أنهيت قراءته، بتاريخ: الخميس 20 ربيع الأوّل 1440 هـ، الموافق لـ: 28 نوفمبر 2018