الرئيسية / مقالات / من عبر تاريخنا تعارض قصصه

من عبر تاريخنا تعارض قصصه

السيمر / فيينا / الثلاثاء 19 . 03 . 2019

صالح الطائي

لا يمر علي يوم دون أن أقرأ شيئا من تاريخنا الإسلامي، سواء ما كتبه الأوائل أو ما سطره المتأخرون، وثقوا بالله أني كلما ازددت قراءة لتاريخنا الإسلامي والعربي، ازددت يقينا بأنه محشو بالكذب والدجل والتدليس، وأن كل ما نمر به اليوم من مصائب وويلات سببه ذلك الحشو؛ الذي حرف الإسلام عن حقيقته ومنهجه، وخلق لنا إسلاما على مقاساتنا الشخصية والفئوية، وقد أخذ التحريف مدى واسعا فشغل أكثر من أربعة أخماس ما وصلنا من قصصه، وتسبب في خمسة أخماس العداء والكراهية بين المسلمين فرادى، وفرقهم ومذاهبهم ومدارسهم. وهناك مئات الأدلة الناهضة الدالة على ذلك، منها على سبيل المثال تعارض حديثهم عن (عطاء بن أبي رباح) هذه الشخصية الدميمة، والذي وصفه الذهبي بأنه: “اسود، اعور، أفطس، أشل، أعرج، أصلع، ليس في رأسه شعر إلا شعيرات، قطعت يده مع ابن الزبير، ثم عمي (سير أعلام النبلاء، ج5، ص553 )، فمن حديثهم ما قدمه ورفع شأنه فوق شأن الخلفاء، حيث قال الأصمعي: “دخل عطاء على عبد الملك بن مروان؛ وهو جالس على السرير وحوله الأشراف، وذلك بمكة، في وقت حجه وخلافته، فلما بصر به، قام إليه فسلم عليه، وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وسأله عن حاجته”.( سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج5، ص556) ويعني هذا أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان كان يعرف عطاء معرفة شخصية، ويعرف منزلته، ويقدره ويجله ويحترمه لهذا السبب، إلى درجة أنه أجلسه حينما دخل عليه في مكانه، ثم جلس بين يديه! ليسمع الدرر التي سيقولها أمامه، مع أن عطاء كان أعجميا، ولم يكن يحسن العربية، روى العلاء بن عمرو الحنفي، عن عبد القدوس، عن حجاج، قال، قال عطاء: “وددت أني أحسن العربية”. قال: وهو يومئذ ابن تسعين سنة(سير أعلام النبلاء، ، ج5، ص558 ). قبالة تلك القص التي رفعت عطاء مكانا عليا، نجد روايات وقصصا أخرى، تحط من شأنه ومنزلته، حيث يظهر من خلالها أن الخليفة عبد الملك بن مروان لم يكن يعرف عنه شيئا، بل لم يكن يعرف فيما إذا ما كان من العرب أم من الموالي، حرا أم عبدا، ليس لأنهم لم يكونوا يفرقون بين الاثنين، وإنما لأن الرجل كان مجهولا، خامل الذكر، حيث جاء عن ابن شهاب الزهري، قوله: قدمت على عبد الملك بن مروان، فقال لي: من أين قدمت يا زهريّ؟ قلت: من مكة، قال: فمن خلّفت يسودها؟ قلت عطاء بن أبي رباح، قال: أفمن العرب هو أم من الموالي؟ قلت: من الموالي.. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس بن كيسان، قال: أفمن العرب هو أم من الموالي؟ قلت: من الموالي.. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب، قال: أفمن العرب هو أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول، قال: أمن العرب هو أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، عبدٌ نوبيٌّ أعتقته امرأةٌ من هذيل، قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران، قال: أمن العرب هو؟ قلت: بل من الموالي، قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضّحّاك بن مزاحم، قال: أفمن العرب هو؟ قلت: بل من الموالي، قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن البصري، قال: أفمن العرب هو؟ قلت: بل من الموالي. قال: ويلك، فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النّخعيّ، قال: أفمن العرب؟ قلت: من العرب، قال: ويلك، فرّجت عنّي، والله ليسودنّ الموالي العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها” (سير أعلام النبلاء، ج5، ص557) وهذه الرواية تنسف كل ما جاء في الرواية الأولى من القواعد، حيث يبدو فيها عبد الملك وهو لا يعرف شيئا عن عطاء، بل لا يعرف إن كان من العرب أم الموالي، عالما أم جاهلا، فصيحا أم أعجميا.! إن كتابة هذا الموضوع لم تأت لتنتقص من عطاء، فهو إن كان مجرحا عند فئة من المسلمين مهما كانت أسبابهم، فإنه إمام وفقيه ومحدث ومفسر عند فئة أخرى من المسلمين، ونحن يجب علينا أن نحترم بعضنا من خلال احترام رموزنا، ومن ثم البحث بحيادية وعلم وواقعية وإيمان ونزاهة وحداثة عن كل ما وصلنا عن الرمز، وتبسيط الأمور لكي نقنع بالمعقول ونأخذ به طالما أن في تاريخنا آلاف النسخ مثل عطاء(رحمه الله)، آن الأوان لنعرف حقيقة ما قيل عنهم، فإن كان صحيحا ثبتناه ورفعنا من شأن الرمز واحترمناه وأخذنا بأقواله، وإن كان كذبا حذفناه من حساباتنا بدل أن نتشاجر من أجل دعمه وتقوية مركزه المزيف، عسى أن تلتقي وجوهنا مع بعضنا على خير، فتتحد كلمتنا وتتآلف قلوبنا.

اترك تعليقاً