السيمر / فيينا / الثلاثاء 19 . 03 . 2019
معمر حبار / الجزائر
لفهم أحداث الجزائر ابتداء من فيفري 2019 يتطلّب من المتتبّع أن يعود إلى الماضي ويكفي لحدّ الآن الماضي القريب وبالضبط فترة أكتوبر 1988 فإنّ هناك امتدادا واضحا لمن كان شاهدا يومها وما زال يشهد أحداث اليوم. ولتوضيح الرؤية يمكن الوقوف على النقاط التّالية:
- حقّق جيل أحداث أكتوبر 1988 بعض المكاسب كحرية الإعلام وحرية الصحافة بعدما كانت في الجزائر يومها جريدتين فقط كـ “الشعب” النّاطقة باللّغة العربية و “EL MOUDJAHID” النّاكقة باللّغة الفرنسية. وأكيد جيل فيفري 2019 سيحقّق بعض المطالب ومنها أنّ أيّ حاكم جزائري لن يفكّر في التمديد والتعدّد وفي تغيير الدستور لأغراضه الشخصية وهذا مكسب لحدّ الآن وفي مثل هذه الظروف.
- عجز جيل أكتوبر 1988 عن تحقيق بعض المكاسب التي كان يسعى إليها فقد تمّ الالتفاف على مطالبه يومها ماجعل تلك المطالب تعرف تأجيلا، ولن يكون استثناء بالنسبة لجيل فيفري 2019 والتي نظلّ نتمنى له أن يحقّق كافة مطالبه الفاعلة.
- رأيت في اليوم الأوّل من أحداث 5 أكتوبر 1988 الدبابة رأي العين، ورأيت لأوّل مرّة في حياتي جند النخبة أي “الكوموندوس” وأنا في السنة الثانية جامعي بالعاصمة، وهم يحرسون مقرات الحكومة والمجلس الشعبي والمصارف وغيرها من المناطق الحسّاسة، وفي نفس الوقت لم يكن أبدا مثل هذا الحشد العسكري الآن وكأنّ شيئا لم يحدث ولم ينزل عسكريا واحدا لحدّ الآن إلى الشارع. والمسألة هنا تتعدى المقارنة إلى النتائج الواضحة والبيّنة بين المرحلتين وبين الجيلين.
- لايمكن المقارنة بين طبيعة المطالب لأنّ لكل جيل مطالبه الخاصّة التي تميّزه ووفق الظروف التي يعيشها والوسائل المتاحة والمتحكّم فيها. لكن المؤكّد أنّ مطالب اليوم هي امتداد لمطالب الأمس التي لم تتحقّق، ومطالب الغد هي امتداد لمطالب اليوم التي لم تتحقّق بغضّ النظر عن الدواعي والأسباب.
- من الظلم البيّن الزعم أنّ جيل فيفري 2019 هو أفضل من جيل أكتوبر 1988 لأنّه حقّق بعض المطالب التي لم يستطع تحقيقها جيل أكتوبر، وكذلك من الظلم البيّن الزعم أنّ جيل أكتوبر 1988 أفضل من الجيل الحالي لأنّه حقّق مالم يحقّق هذا الجيل. ولذلك وجب القول أنّ الأجيال تكمّل بعضها وتصحّح بعضها وتترك إرثا وتتحمّل إرثا بغضّ النظر عن وزنه ولونه وفضائله وسيّئاته.
- لم يكن لجيل الثمانينات والتسعينات وسائل الإعلام ماجعل السّلطة تمارس عليه كلّ أنواع التعتيم والضغط والقهر والكذب والتزوير وأحادية المعلومة والصورة الوحيدة ولعلّ ذلك يعتبر من الأسباب الرئيسية في عدم الحصول على كلّ مطالبه، بينما الجيل الحالي يتمتّع بثورة المعلومات المتدفقة والاتصالات المتعدّدة ما أكسبه قوّة تتمثّل في سلاح الصورة والمعلومة التي يملكها، ولذلك لا يخضع لقهر السّلطة ولا تزييف المعلومات ولا احتكارها، وواضح جدّا أنّ وسيلة الصورة والمعلومة أكسبته قوّة وجعلت السياسي يخافه ويحذره ويتجنّب مواجهته لأنّه يخشى على نفسه من فضيحة الصورة.
- تعرّض جيل الثمانينات وخاصّة التسعينات للسجون، والاعتقالات، والإهانة، والتصفية الجسدية، ونسف البيوت، والطرد من العمل مازالت أعراضها لحدّ الآن بادية في نبرات صوته وآهاته حين يستحضر تلك الأيام العصيبة عليه وعلى الجزائريين جميعا، بينما جيل فيفري 2019 لم يصب بأذى لا في ماله ولا جسده ولا عرضه ولا عمله وهو الآن المعزّز المكرّم، ونسأل الله أن لايصاب في الأيام القادمة بأذى طفيف ويظلّ المعزّز المكرّم.
- جيل 1988 مطالب منه أن يقف إلى جنب الجيل الحالي وينقل له أحسن تجاربه وأن لا يكون وصيا عليه، وأن لايحتكر الحقيقة لوحده فقد أظهرتها وسائل الاتّصال التي بين يدي شباب اليوم والتي يتقنها وأبدع عبرها، وفي نفس الوقت جيل فيفري 2019 مطالب أن يستفيد ممن سبقوه، ويأخذ من فضائلهم الفاعلة، ويتجنّب أخطاءهم التي وقعوا فيها، ولا تذهب به الظنون فيعتقد أنّه الأفضل والأحسن وما كان له أن يكون كذلك لولا تجارب الأوّل سيّئة كانت أم حسنة.
- حدّثني شاب يافع فقال: نحن أفضل ممن سبقنا لأنّنا حقّقنا مالم يحقّقه الجيل الذي سبقنا. أجبت ومازلت: لا أرضى لأبنائك أن يقولوا عنك نحن أفضل منكم لأنّنا حقّقنا مالم يحقّقه الآباء الذين سبقونا. وكلّنا امتداد لجيل نوفمبر 1954 الذي بدوره امتداد لجيل أسيدنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، ومن يومها لم تنقطع الأجيال فيما بينها ولن تنقطع أبدا.
- خلاصة، يعرف الجيل بما حقّقه وبما تركه لغيره، وبالمكاسب الكبيرة التي سلّمها لمن يليه، وبالسيّئات القليلة التي لم يستطع تفاديها وبقيت في رقاب من يليه. ولا يمكن بحال لأيّ جيل أن يحقّق كلّ شيء أو يخسر كلّ شيء، والظروف التي يعيشها كلّ جيل عامل من عوامل النجاح والفشل والتميّز، وتظلّ الأمّة تفتخر بالجيل الذي يعترف بفضل من سبقه ويقلّل من أخطائه بقدر مايستطيع وينطلق من إيجابياته ويزيد عليها ان استطاع.