السيمر / الاحد 03 . 01 . 2016
معمر حبار / الجزائر
لم أغادر البيت طيلة يومين، وأنا أتابع وصول جثمان آيت أحمد لأرض الجزائر، ثم تشييع جنازته بقريته.
إختار الرجل أن يدفن في جبل ، وفي قريته البسيطة ، وبجوار أمه التي لم يشهد جنازتها سنة 1983، وفضّل أن تقام له جنازة شعبية بسيطة.
وأقرأ اليوم أن زوجه رفضت أن ينقل جثمانه على متن طائرة عسكرية رسمية. وفي اللحظة التي أكتب فيها الآن هذه السطر، أرى على المباشر المشيعين يردون مكبر الصوت الخاص بالفضائية الجزائرية الرسمية ويعيدونها صاحبها، ويكتفون بمكبر صوتي عادي لايرمز لكل ماهو رسمي.
علمت أن المحبين جاؤوا من أقطار الجزائر يعزون، ولم يثنهم البرد ولا البعد ولا القرية النائية ولا الجبال العالية.
إن العظمة تجري وراء صاحبها ولو دفن في أعالي الجبال والقرى النائية، فلا داعي للمرء أن يدعيها في حياته، فقد يحرم منها في مماته. فالعز كالرزق، هو ذلك الذي يجري وراءك، وليس الذي تلهث وراءه.
آيت أحمد لم تقم له جنازة رسمية بطلب منه وبطلب من عائلته، لكن تمت جنازته في هيبة يتمناها الكبار. فالجنازة الرسمية لا تضيف لصاحبها هيبة، إنما تعطي صبغة رسمية.
فيما يخص دفن آيت أحمد بالجزائر، أستحضر الحوار الأول الذي دار بيني وبين زميلي ونحن في تيبازة، حين سألني في اليوم الثاني من الوفاة، فقال..
ما رأيك في من يقول، أن آيت أحمد سيدفن بالمغرب؟..
أجيب: هذا السؤال يسأل عنه صاحبه. لكني وأنا أتابع مواقف حسين آيت أحمد رحمة الله عليه، أدركت أنه حكيم عاقل، يزن كلماته وخطواته. فهو رغم معارضته الشديدة للقائمين على الجزائر مذ 1963، وظل يحمل معارضته عبر شيبته وشيخوخته، إلا أنه ظل يحب الجزائر ويحب أن يضم عظامه ترابها الشريف.
وبعد تأكيد خبر دفنه في قريته، يسألني زميل لي، مارأيك في دفن آيت أحمد بقريته وليس بمقبرة العالية..
أجيب: كنت أخشى أن يدفن آيت أحمد رحمة الله عليه بالخارج، خاصة وأني قرأت مقالات في ذات الشأن. أما وقد إختار أن يدفن في الجزائر وفي مسقط رأسه، فلا يهم حينها بأي مكان يدفن فيه. ومقبرة العالية، مقبرة رسمية تبنتها الدولة، وهذا شأن الدول وليست بالضرورة لكبار القوم. فأبناء جزائري الحبيبة كلهم كبار وعظام، وأينما دفنوا فالشرف لذلك التراب الذي ضم عظامهم الشريفة.
وفي نفس السياق وفي هذا الجو الحزين، يؤكد المرء من جديد، وهو يقرأ تعاليق مختلفة حول الجنازة، فيقول..
من المبادئ التي تعلمتها عبر الزمن وألتزم بها بشكل كبير وعلني، لا أتدخل إطلاقا في شؤون أهل الميت. فأهل الميت بحاجة لعون ومساعدة، ولم يستطع تقديم العون والمساعدة. فالصمت وإحترام تقاليد أهل الميت، خير دعم وأفضل وسيلة.
ومن أحسن ماسمعت عن الرجل، قول الأستاذ المؤرخ محمد بلغيث، وهو يعلّق على وصول جثمان آيت أحمد لأرض الوطن..
حسين آيت أحمد من أسرة شريفة تحفظ القرآن الكريم، ومن زاوية الرحمانية التي حاربت الاستدمار الفرنسي..
وهاهو يعود باختياره إلى المنبع الصافي الدائم..
رحم الله آيت أحمد، وأسكنه الفردوس الأعلى.