السيمر / فيينا / الجمعة 24 . 05 . 2019
حسن المذكور
1 ـــ كان لي عنوان, رسمت حروفه على ظل نخلة مسحته الحروب, حرفيه الأول والثاني, مجزرة اسماك, وطيور غادرت اهوارها, كان الحرف الثالث, معاناة شاعر مسلول, نزف سعاله قصيدة ناقصة, بعد موته استعار الحرف الرابع قافية لنعشه.
ـــ هل مات الجنوب في الجنوب, فأستعار عنواني كفناً؟؟ سألت.
ـــ تقاسموه قبل ان يموت, واستوطنته اسمائهم اجابت بيوت الطين.
ـــ والهوية؟؟ سألت
ـــ من اي كهف جئت متأخراً؟؟ لم يبق مضمون للهوية, سوى غلاف منقوشاً عليه “الله اكبر”, ربما للتمويه ــ اجابت
ـــ لماذا لم يعلن الجنوب موته؟؟
ـــ اسماء الأجداد منحته الف روح, لا زال الأول عصي على الموت.
2 ـــ في الطرقات التي عبرتها, ثمة ابخرة للخلود, سألت الغرباء:
ـــ اين مقام جدنا جلجامش؟؟؟
ـــ لا يوجد هنا ضريح لسماحة اية الله العظمى جلجامش “قدس الله سره”, اجاب الغرباء.
علمت اني ليس في الجنوب العراقي, ربما في اصفهان او قندهار, قضيت ليلتي, بين شتلات عنبر تتكي خصورها على قوام نخلة, سرق النعاس يقضتي, سافرت في احلامي ابحث عن عنواني, في اليوم التالي, استيقضت على صباح ليس جميلاً ولا مألوفاً, يزفر رائحة الكراهية ويمضغ الفرح والأغنيات, في شوارع تبكي, ثمة كيانات متوحشة صغيرة, تفرغ رصاصاتها في صدور نخيل فاقد نصف ظله, سقطت خصور العنبر, وشرب الدخان عطرها, هناك موت مستهتر يعاقب طبيعة الأشياء, نخلة مقطوعة الجدائل تسألني:
ـــ هل تعرفني يا حفيدي؟؟؟
ـــ فيك رائحة جدتي
ـــ نعم هي انا, عليك ان تخرج من دائرة الموت وتقاسم العناوين.
ـــ ومتى اعود جدتي؟؟؟.
ـــ عندما يعود العائدون, ثم نزفت روحها, فاستغاث الرب وبكت السماء وخجلت من هويتها الأرض.
3 ـــ قبل ان اتخذ قراري, بين ان اواصل البحث عن عنواني, ام ادفنه خاطرة ميتة في مقبرة الذكريات, شاهدت فصيل مليشيات, يسحق اضلاع الشوارع, في حراك متوحش, يبحث عن قصيدة, كتبها شاعر متمرد, اخطأ رأسه كاتم الصوت, وهرب جريحاً, خفت ان اكون المتهم, انا الذي ولدت جريحاً, استوقفتني سيدة ثلاثينية, مسحت ملح دموعها, ثم سألت.
ـــ أأنت الذي يبحثون عنك؟؟
ـــ لا.. كأي هامشي انا, ابحث عن عنواني.
ـــ لكنك جريح ايضاً؟؟؟
ـــ هكذا ولدت, اين انا الآن؟؟؟
ـــ على تراب الجنوب ــ قالت ــ
ـــ لكن الأرض هنا لا تشبه نفسها, هل غيرت الأبخرة عطرها؟؟
ـــ نعم والشعراء غيروا نصوصهم, والدولة صادرت القوافي, والوسطاء تحاصصوا حروف اسم الله ــ اجابت.
4 ـــ امسكوه انه الشاعر الذي كتب القصيدة, وهذا الجرح في عينيه دليل, استقرت رصاصات الفصيل في صدري, قبل ان اختنق بموتي, ايقضتني صرخة.
ـــ “بابا.. بابا.. لا تخاف, انا ساري اگعد تريگ, ليش تبچي بابا؟؟”.
ـــ كالأخرين يا ولدي, أبحث عن عنواني في تراب, لا يموت فيه الجنوب.
23 / 05 / 2019