السيمر / فيينا / السبت 25 . 05 . 2019
شكّل نفط كركوك وعائداته بنداً رئيساً على جدول إعادة العلاقات بين بغداد وأربيل إلى سابق عهدها، قبل أزمة «استفتاء الانفصال» عام 2017. نجم الدين كريم، محافظ كركوك السابق، أبرز المتهمين على هذا الصعيد: تهريب النفط وسرقة عائداته، والدعوة إلى «الاستقلال» عن العراق. توقيف الرجل، صاحب الجنسية الأميركية قبل أيام في بيروت، فتح الملف مجدداً. اليوم، ثمة ضغوط لتسليم الرجل لأربيل، خوفاً من «فضيحة كبرى» تطاول أركان الحكم في عاصمة «إقليم كردستان»، مَربِط «ولاء» كريم الحالي.
محافظ كركوك السابق، نجم الدين كريم، موقوفٌ في لبنان. قبل أيام (الثلاثاء 22 أيار/ مايو الجاري)، أوقف الرجل في مطار رفيق الحريري الدولي من قِبَل «الشرطة الدولية» (الإنتربول)، إلا أن السلطات اللبنانية عادت وأطلقت سراحه في اليوم التالي، مانعةً إيّاه من السفر، ومصادِرةً جواز سفره الأميركي، في انتظار أن ترسل السلطات العراقية ملفه القضائي إلى بيروت، لدراسته واتخاذ الإجراء المناسب في شأنه. الطبيب الخاص بالرئيس العراقي الأسبق، جلال الطالباني (مؤسس حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»)، متهمٌ بجملة من القضايا، منها ما هو أمني ومنها ما هو مالي.
كريم «شخصية جدلية». هكذا تصف مصادر سياسية كردية معارضة لـ«الثنائية الحاكمة» («الاتحاد» و«الحزب الديموقراطي الكردستاني») ابن كركوك، الذي انتُخب محافظاً لها في 3 نيسان/ أبريل 2011. اسمه ملازمٌ لاسم زعيم «الديموقراطي» مسعود البرزاني، في قضية استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق في أيلول/ سبتمبر 2017. سياسياً، وقف إلى جانب أربيل في إجراء «الاستفتاء» في كركوك (إحدى المحافظات المتنازع عليها بين المركز و«الإقليم»)، على رغم معارضة السليمانية «الخجولة» لمشروع البرزاني الانفصالي، ورفض بغداد القاطع لتلك الخطوة. ميدانياً، أشرف ــــ بشكل مباشر ــــ على عمليات أمنية ضد شخصيات/ تجمعات عربية وتركمانية في المحافظة، عدا عن إدارته المباشرة أيضاً لمواجهات عدة ضد القوات الأمنية العراقية، أثناء دخولها المدينة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017. مواقفُ دفع الرجل ثمنها غالياً. فرّ إلى خارج البلاد بعد تصويت البرلمان العراقي في أيلول/ سبتمبر 2017 على إقالته من منصبه، بطلب مباشر من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ثم إصدار «محكمة استئناف كركوك»، في 23 أيار/ مايو 2018، مذكرة قبض بحقه، وأمرها بالحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة، على خلفية العديد من المخالفات، وبينها: دعوة أبناء المحافظة القادرين على حمل السلاح إلى الخروج لـ«الدفاع عنها». أما في 16 شباط/ فبراير الماضي، فأعلن المجلس القيادي لـ«الاتحاد الوطني» إنهاء ارتباطه بكريم، محمّلاً إيّاه مسؤولية «ما حدث في كركوك».
انتقال كريم إلى صفّ البرزاني حوّله إلى «كبش فداء» أزمة الانفصال. لكن أربيل حافظت على علاقتها بالرجل. وهو ما تعكسه اليوم وسائل الإعلام المحسوبة على البرزاني، والتي دافعت عن كريم، وأكدت أنه «حرٌّ طليق في بيروت»، إلا أن معلومات «الأخبار» تفيد بأن الرجل «لا يزال محتجزاً، وأن أربيل تقود محاولات حثيثة للإفراج عنه، إضافةً إلى بعض الأطراف السياسية في بغداد». وتضيف المعلومات إن «السلطة القضائية اللبنانية تنتظر دراسة ملفه القضائي حتى تُسلِّمه إلى نظيرتها العراقية في بغداد»، وهو ما أكدته أيضاً مصادر دبلوماسية عراقية، بالقول في حديثها إلى «الأخبار» إن «بغداد ترفض مساعي/ ضغوط أربيل للإفراج عن كريم، وخاصة أن المحافظ المقال مطلوبٌ للقضاء الاتحادي، وليس لقضاء الإقليم»، متابعة أنه «ما من مانع للإبقاء على كريم داخل الأراضي اللبنانية، وما يُشاع عن استعجال بغداد تسلّمه عارٍ من الصحة… نحن نريده، لكن نريد أن تأخذ العدالة مجراها».
هنا، يبرز حراك أربيل لـ«تسلّم» كريم على أكثر من صعيد. قبل يومين، أشارت وسائل إعلام مقرّبة من آل البرزاني إلى أن «رئيس حكومة الإقليم، نيجيرفان البرزاني، تدخّل بتكليف مباشر من مسعود البرزاني لمنع جلب كريم إلى بغداد»، في وقت يؤكد فيه مطلعون على الحركة المصرفية العراقية أن «التحويلات المالية بين أربيل وبغداد وبيروت تصاعدت بشكل كبير بهدف إنقاذ كريم من هذه الورطة»، في ظلّ «عروض مالية كبيرة، وصلت إلى عشرات الملايين من الدولارات، على أطراف عراقية ولبنانية للإفراج عنه». كذلك، لفتت مصادر كردية إلى إجراء زعيم «ائتلاف الوطنية»، إياد علاوي، وساطة مع السلطات اللبنانية لإطلاق سراح كريم، بطلب مباشر أيضاً من البرزاني، رادّةً ذلك إلى «امتلاك علّاوي القدرة لإتمام هذه الوساطة، بحكم علاقته برئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري». وعلى رغم سكوت أربيل إزاء ما يُحكى، كان لافتاً تصريح مسؤول «المكتب السياسي» لـ«الحزب الديموقراطي»، فاضل ميراني، الذي قال إن «مسعود البرزاني ونجيرفان البرزاني توسطا لإعادة كريم إلى أربيل»، واصفاً توقيف المحافظ السابق بـ«غير المبرّر». ودعا في تصريحه الناري «الحكومة العراقية إلى اعتقال جميع المسؤولين السابقين المتهمين بالفساد، إذا كانت هذه تهمته»، مضيفاً إنه «إذا كان الاعتقال بسبب الاستفتاء، ورفع علم الإقليم فوق دوائر محافظة كركوك، فنحن وجميع الأكراد مذنبون ليأتوا لاعتقالنا… الدفاع عنه وعن أي كردي واجبنا».
ما التهمة؟
في اتصال هاتفي مع قناة «كردستان 24» قبل أيام، اعتبر كريم أن «ما حدث لا علاقة له بالإنتربول… الأمر مرتبط بدعوى رفعتها حكومة العبادي إلى الدول العربية وليس لها أي تأثير». لكن يبقى السؤال: ما هي تهمة الرجل؟ في إجابتها ذلك، تقول مصادر أمنية ودبلوماسية إن سبب التوقيف «دور الرجل في استفتاء الإقليم، وتلاعبه في أموال نفط كركوك التي أودعها في حساباته الخاصة»، مضيفة إن «كريم يشكّل إحدى حلقات المافيا المسيطرة على إيرادات النفط في الإقليم، نتيجة علاقته الوطيدة بوزير الثروات في حكومة أربيل، أشتي هورامي». الأخير هو شريك نيجرفان البرزاني (المرشح أيضاً لمنصب رئاسة «الإقليم»)، وقد كُشفت وثائق عدّة (سابقاً) عن إحالته عقوداً ضخمة (على مدى سنوات) لبيع النفط المدعوم من الحكومة الاتحادية لشركة «عراق أويل»، والتي يملكها ويديرها نيابةً عنه رجل الأعمال عبد الهادي نذير.
ولئن كانت بغداد «غائبة» عن عائدات نفط كركوك طوال السنوات الماضية، فقد استطاع كريم وهورامي مراكمة مئات ملايين الدولارات، إذ إن الأول متورّط في إيداع أكثر من 160 مليون دولار من الإيرادات النفطية في حساباته الخاصة، فيما كريم ــــ بتعبير مصادر عدة ــــ ركنٌ أساسي من أركان «مافيا» تهريب النفط في «الإقليم»، لذلك ثمة «ضغوط تمارس في بيروت وبغداد للإفراج عنه بشكلٍ سريع، خشية انفضاح» عمليات تلك «المافيا». وتذهب المصادر إلى القول إن «سرقة كريم لملايين الدولارات من إيرادات نفط كركوك كان بالتواطؤ والتعاون مع هورامي، الذي استضافه في أحد قصوره في مدينة أربيل، بعد هروب الأول من كركوك في تشرين الأول/ أكتوبر 2017».
بناءً على ما تقدم، تفسّر مصادر كردية معارضة «الحرص» الذي تبديه القوى العراقية والكردية، على حدٍّ سواء، على محاسبة كريم، بـ«حسابات سياسية» متصلة بأمرين: الأول تفكيك «مافيا» تهريب النفط في أربيل، أما الثاني فمنع تولّي هورامي ــــ مجدّداً ــــ حقيبة النفط والثروات الطبيعية في حكومة «الإقليم» المرتقبة، وخاصة أن حظوظه عالية في ظلّ دعم «المافيات» المرتبطة بأركان الحكم في «كردستان» له.
المصدر / الاخبار اللبنانية